ناورت الجماعة في ظل الاستقطابات السياسية في العالم والشرق الأوسط للبحث الجاد عن الوطن البديل، وكانت منذ السقوط المدوي في مصر وما تلاها في العديد من الدول تنظر إلى اليمن على اعتباره الوطن البديل، ففي هذه البلاد إرث كبير للجماعة وأذرع قوية، بل مخالب فتاكة لامتلاك قيادات التنظيم السلطة السياسية والعسكرية التي اكتسبوها عبر قرن كامل، مكنت لهم القوة الكاملة للتأثير السياسي المشهود في كل حقب البلاد اليمنية التاريخية، كما أن تلك القيادات أثبتت قدراتها في ما هو أكبر من كل أفرع الجماعة في العالم، فلقد استطاعت قيادات اليمن إنشاء تنظيم «القاعدة» واحتضان كل الأفغان العرب.
تمكن «إخوان» اليمن حتى في سنوات «عاصفة الحزم» من إعادة التموضع، بل استطاعوا التمكن من السلطة السياسية، وتمددوا في المؤسسات المدنية والعسكرية كافة، وحققوا ما عجزت عنه فروع التنظيم الدولي كلها. ما حققه فرع اليمن من مكتسبات تأثر جزئياً فقط بفعل رفض الجنوبيين، عبر تشكيلهم السياسي المتمثل في «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الذي كان قد وضع جماعة «الإخوان» في قائمة الجماعات المحظور نشاطها منذ نشوء المجلس بعد إعلان عدن التاريخي في 2017، إلا أن مقتضيات السياسة فرضت الوجود «الإخواني» واستمراره حتى ما بعد تشكيل المجلس الرئاسي اليمني في 2022.
ما أُعلن في حضرموت عن قيام دولة من الاستخفاف التعامل معه على اعتبار أنه تمرد سياسي على «المجلس الرئاسي»، أو أنه تشويش على المسار السياسي للقضية الجنوبية، فهذه مسوغات غير صحيحة، ولا يجب القبول بتمريرها. فما حدث هو أكبر بكثير من ذلك، فالإعلان خطوة عملية في طريق إعلان الوطن البديل لجماعة «الإخوان»، اعتماداً على القوة العسكرية التي يمتلكها «إخوان اليمن» في مأرب والجوف وتعز ووادي حضرموت، كما أن النظر إلى الخريطة الجغرافية يؤكد أن التمدد الإخواني على هذه المساحات الواسعة يعطيهم ذريعة التقدم باتجاه دولتهم المزعومة.
لم يكن رفض إخوان اليمن وتعطيلهم المتكرر تنفيذ «اتفاق الرياض» سوى شراء للوقت، وهو ما نجحوا فيه تماماً، فلقد اعتمدوا نهجاً يتوافق مع أهدافهم حتى وهم يتلقون خسائر فادحة بعد عملية «سهام الشرق»، التي انتزعت من قبضتهم محافظتي شبوة وأبين، لكنهم راهنوا على وادي حضرموت وراهنوا على تأثيرهم في القرار السياسي وقدرتهم على التشويش المستمر على الإقليم باختلاقهم ذرائع التعطيل، حتى جاء إعلان قيام دولة حضرموت في الجزء الخاضع لسيطرتهم العسكرية منذ العام 1994.
من الجدارة في هذا التوقيت واللحظة استدعاء المسؤولية الأخلاقية والسياسية. فليس من الصواب الاستمرار في سياسة المؤلفة قلوبهم لشراء قلوب وعقول أعطت البيعة لـ«المرشد العام». هذه قلوب يسكنها الشر ولن تتراجع عن مخططاتها، وتكفي سنوات وسنوات أهدرت من الدم العربي في رهانات تثبت أن هذه الجماعة لن تتخلى عن حلمها في قيام دولتها الشيطانية، وها هم يعلنون الدولة، فماذا أنتم فاعلون؟
الاتحاد