وكالة كل العرب الاخبارية : يرغب الأطفال الصغار في أن يلبي الوالدان نداءهم فور الاحتياج إليهم. وكثيراً ما تحدث مثل هذه المواقف في الوقت الذي يكون فيه الآباء مشغولين للغاية وليس لديهم متسع من الوقت، فيلبون نداء أطفالهم في عجلة من أمرهم، غير أن هذا الإيقاع المحموم يزيد الطفل توتراً وصراخاً. لذا يُعد تحلي الآباء بالهدوء الحل الأمثل لتهدئة الأطفال وإكسابهم صفة الصبر.
وتقول الخبيرة التربوية الألمانية فابينه بيكر شتول: "إن الطفل الصغير يرغب دائماً في أن يكون والداه رهن إشارته؛ فنجده لا يصبر على تنفيذ طلباته، حيث يقوم بشد ثياب أبيه أو أمه ويدبدب على الأرض وينفجر في البكاء والصراخ، كي يحصل على تلبية فورية لطلبه من أبويه".
وأضافت شتول، رئيسة المعهد الألماني للتربية في مرحلة الطفولة المبكرة بمدينة ميونيخ، أن هذا السلوك يتسبب بطبيعة الحال في إزعاج الآباء وإثقال كاهلهم، لاسيما إذا كانوا منشغلين بتأدية إحدى مهام المنزل؛ كالطهي أو ترتيب المشتريات، مما يجعلهم يحاولون الإسراع في إنجاز تلك المهام من أجل تلبية متطلبات طفلهم.
ولكن للأسف لا تساعدهم هذه العجلة في تهدئة الطفل على الإطلاق، لكن غالباً ما يزداد توتره. وتؤكد كوردولا لازنر تيتسه من الرابطة الألمانية لحماية الأطفال بالعاصمة برلين على ذلك بقولها: "إذا لاحظ الطفل وقوع أمه تحت الضغط العصبي، فسوف يزداد صراخه وبكاؤه". لذا من الأفضل أن يحاول الآباء التحلي بالهدوء في مثل هذه المواقف وقول عبارات واضحة لطفلهم. وبذلك سيمكنهم إلزام طفلهم بالصبر على طلبه، حتى ينتهوا من مهامهم.
التحكم في العاطفة
وأكدت الخبيرة الألمانية شتول، على ضرورة أن يتعلم الأطفال الصبر، موضحةً: "التحكم في العاطفة وتحمل الإحباط يُسهمان في تعلم الطفل الصبر على تنفيذ مطالبه". وبطبيعة الحال يحتاج الأطفال الصغار إلى مساعدة آبائهم، كي يعلموهم ذلك.
وأشارت تيتسه إلى أنه من الأفضل أن تحتضن الأم طفلها في هذا الوقت وتحاول تهدئته بأن تشرح له أنه ليس لديها وقت الآن، موضحةً فائدة ذلك بقولها: "شعور الطفل بهدوء أبويه يُسهم في تهدئته".
وتضرب آنكه فايسنزيه، اختصاصية التربية الاجتماعية بمدينة درامشتات، مثالاً على ذلك، بأنه يُمكن للطفل ذي العام والنصف فهم أمه عندما تقول له: "أعلم أنك ترغب شيئاً مني، لكن بمجرد أن أنتهي من طهي الحساء سوف ألعب معك".
وعن أهمية التعامل مع الطفل بمثل هذه الطريقة، أوضحت الخبيرة الألمانية فايسنزيه أن الأطفال بحاجة إلى مثل هذا الوضوح في التعامل معهم؛ "حيث يُسهم ذلك في شعور الطفل بالأمان".
وكذلك لن يُجدي الإسراع من إنجاز المهام أي نفع على الإطلاق، إذا ما قام الطفل مثلاً بالدق على باب المنزل؛ لأنه يُريد الوصول إلى ساحة اللعب، في الوقت الذي تحزم فيه الأم حقيبتها بالفعل استعداداً للخروج.
لذا أوصت الخبيرة الألمانية شتول، بأنه ينبغي على الأم في هذا الوقت إشراك طفلها في تحزيم الأغراض داخل الحقيبة، بأن تطلب منه مثلاً "هلا أحضرت لي المجراف؟"؛ حيث يشعر الأطفال بالسعادة والرضا عندما يسمح لهم الآباء بالمساعدة في تأدية أي مهام، كما يُسهم ذلك في القضاء على استعجالهم لآبائهم ويُعلمهم الصبر.
وجديرٌ بالذكر أن الأطفال بطبيعتهم مولعون باكتشاف العالم من حولهم، فهم دؤوبون على البحث والتجربة والتعلم؛ فنجدهم يهتمون مثلاً بتعلم كيفية فتح سحّاب الملابس بأنفسهم وكذلك معرفة كيفية إدخال القدم داخل الحذاء على نحو سليم، بل ويحاولون مراراً وتكراراً كي يتعلموا ارتداء الملابس بأنفسهم.
لذا نجد بعضهم لا ييأس على الإطلاق من محاولة إدخال قدمه في الحذاء، محاولاً ارتداء الحذاء بنفسه، إذ يستمر في ذلك مهما طال به الوقت حتى ينجح بالفعل. بينما يُحبط البعض الآخر إذا ما باءت محاولته الأولى بالفشل ويُلقي بالحذاء غاضباً في زاوية الغرفة.
وعن هذا السلوك، تقول خبيرة التربية الألمانية تيسته: "عادةً ما يُصر الأطفال على إنجاز هذه المهام بأنفسهم؛ لأنه لا يُمكنهم معرفة المهام التي يصعب عليهم تأديتها؛ فالكل بالنسبة لهم سواء، لذا قد يُصابون بالإحباط عند الإخفاق في إنجاز ما يريدونه".
المحاولة والتجربة
وأشارت تيسته إلى أنه يُمكن للآباء مساعدة طفلهم على ذلك وجعله أكثر صبراً على تعلم هذه المهارات، قائلةً: "من الأفضل أن يُطلع الآباء طفلهم على أنه عادةً لا ينجح الإنسان في تعلم أي شيء من المرة الأولى، بل وأحياناً يكون تكرار المحاولة ضرورياً، كي لا ينسى الإنسان ما يتعلمه بعد ذلك. كما ينبغي على الآباء تهيئة طفلهم للإقدام على المحاولة والتجربة للمرة الثانية وهو سعيد بذلك".
ومن اللافت للنظر أنه عادةً ما يختار الأطفال الأوقات غير المناسبة من أجل تنفيذ محاولاتهم، فإذا أراد الطفل مثلاً تجربة ارتداء حذائه بنفسه في الوقت الذي يتوجب على الأم الذهاب إلى العمل، حينئذٍ تنصحها الخبيرة الألمانية تيتسه بمحاولة تعليم طفلها الصبر بأن تقول له مثلاً: "سوف أقوم أنا الآن بربط الحذاء، ولكن سيُمكنك بعد الظهيرة أن تجرب ذلك بنفسك".
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أنه ينبغي على الآباء التحلي بالصبر أيضاً، إذا ما أرادوا أن يعلموا طفلهم إياه. لذا عليهم أن يصبروا على طفلهم وأن يعطوه وقتاً كافياً لاكتشاف العالم من حوله. وكذلك من المهم أن يدع الآباء طفلهم يلعب بهدوء بدون إزعاجه بشكل متكرر.