المزيد
ملهاة مراكز البحوث والدراسات

التاريخ : 03-04-2013 |  الوقت : 11:58:31

أينما جال بصرك في أرض العرب ستندهش من هذا العدد الهائل من المؤتمرات حول السياسات والاستراتيجيات. وسواء كان ذلك على المستوى الوطني القُطْري أو القومي العربي أو العلاقات الإقليمية والدولية، فان سيل التحاليل والتوصيات والتحذيرات لن ينقطع .
لن يبقى أحد إلا ويدعى؛ المسؤولون عن مراكز الأبحاث والدٍّراسات وكتّاب السياسة وممارسوها، على الخصوص في منطقة الخليج، في دول اليسر البترولي، التي تتنافس وتتباهى بعدد المؤتمرات ومكانة من يحضرها، فمكانة من يحضر الأعراس والولائم هي انعكاس لمكانة الدَّاعين.
من هنا يظُن المراقبون غير الحذرين بأن أنظمة الحكم العربية تتمتَّع بحسٍّ ثقافي سياسي يجعلها متفاعلة مع الاستنتاجات والتوصيات ومتبنٍّية لها، أو حتى لبعضها، عند وضعها وممارستها للسياسات والاستراتيجيات على المستويات الوطنية والقومية والإقليمية والدولية. لكن الواقع عكس ذلك، فلو كانت أنظمة الحكم العربية تدرك وتعي ما تقوله وترفعه تلك المؤتمرات لما وصلت الحال بأمَّة العرب إلى المستوى المأساوي المزري الكارثي الذي أوصلتها إليه موجات تلو موجات من الحكم الأناني الجاهل الفاسد التسلُّطي، منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا، عدا ومضات قصيرة من المحاولات التحررية التي وئدت في مهدها و هي أيضاَ كان فيها مثالب.
لكنَّ المفارقة تتجلَّى في الواقع التالي: فبينما تصرف أموال كثيرة ، بسفه العلاقات العامة المستجدية رضا الآخرين الأغراب على الأخص من المتحدثين في تلك المؤتمرات، تتعامل الكثير من أنظمة اليسر البترولي ومن رجال الأعمال الذين يدورون في فلكها ، ببخل وقلة دعم لمراكز ومؤسَّسات الدراسات والأبحاث المستقلة التي لا تخضع لتوجيه ولا تقبل أن تكون تابعة لصوت سيِّدها، أما المراكز التابعة لهذا النظام أو ذاك فان المطلوب منها هو تبرير السياسات والاستراتيجيات التي يتبنَّاها النظام،عند ذاك تنتقل عدوى الانتهازية في السياسة إلى مراكز الدراسات والأبحاث.
وفي الواقع، نادراً ما تضيف استنتاجات وتوصيات مؤتمر إلى ما توصَّل إليه مؤتمر سابق، وليس هذا بمستغرب طالما أن الوجوه نفسها تنطُّ من مؤتمر إلى آخر، إذا؛ المطلوب هو الصوت الواحد والنَّغم المتكرٍّر الممل الرَّتيب.
وبالتالي فليس المطلوب هو فكر سياسي حرَّ موضوعي تنتجه مؤسَّسة بحثيَّة هدفها الأساسي توفير دراسات وأبحاث تغني وتوجٍّه نقاشات السياسات العامة للدولة ولمؤسسات المجتمع، وإنما المطلوب هو شيء من هذا وشيء من ذاك، لا طعم له ولا رائحة.
لكَّن تلك النظرة المتخلٍّفة إلى موضوع البحوث والدراسات، وذلك التوجُس من الباحثين والمفكرين لن تتغيًّر إلا إذا أجري تعديل جذري في طريقة صنع القرار وفي من يأخذ القرار، فاذا كان القرار يتخذ بطريقة ديموقراطية ومن قبل مؤسسات ديموقراطية فان ما تتوصًّل إليه مراكز الدراسات والبحوث سيكون جزءاً من حجج وبراهين النقاشات التي تُجرى بين مختلف الأطراف، أمَّا إذا كان القرار يأخذه القائد الملهم الأوحد مع مجموعة صغيرة من بطانته المذعورة فان الحاجة للمراكز ستصبح من دون قيمة، من هنا لا يستطيع الإنسان إدراك الهدف من حمَّى المنافسات العبثيًّة على استقطاب أكبر عدد ممكن من مراكز البحوث والدراسات لتجتمع في هذا البلد أو ذاك بينما يقتصر اتخاذ القرار في هذه البلدان على فرد أو بضعة أفراد يعتبرون الباحثين والمفكٍّرين كأناس نظريٍّين وغير عمليٍّين وغير مرتبطين بحقائق الواقع.
دعنا نكون أكثر صراحة ونسأل: أية فائدة من مؤتمرات تبحث وتناقش وتستنتج وتوصي في بلدان يخضع اتخاذ القرار فيها لإملاءات الخارج من دول امبريالية وشركات عولمية وثقافة سوق سطحية استهلاكية؟ من هنا فان الواقع الموضوعي يدعو للاعتقاد بأن سيل تلك المؤتمرات لن يكون أكثر من ممارسة لعلاقات عامة، تظهر هذه الجهة أو تلك وكأنها في قلب هذا العالم ومدركة لتعقيداته، إن فائدتها تنتظر انتقال الأنظمة والمجتمعات العربية من استبداد السياسة وفساد الاقتصاد والاجتماع الذي تعيشه إلى عالم ممارسات الديمقراطية حيث المجتمع هو صاحب القرار ، حيث تباين وجهات النظر مقبول ومحترم وحيث للبحث والفكر قيمة وقدسية.



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك