إسلاميون ضد الشعوب
في الذكرى السنوية الثانية أصبح يُنظر إلى الإسلاميين باعتبارهم مصادري الثورات، خاطفيها، سارقيها ومفسديها، إلى حد أن كتاباً ومدونين، مغردين، وفيسبوكيين، يشيرون إليهم كـ"أعداء للشعوب"، وفقاً للشعار اليساري القديم "أميركا عدوة الشعوب". بل إلى حد أن إسلامياً كرئيس الوزراء المغربي، عبدالإله بن كيران، وجد أخيراً مصلحة في التمايز قائلاً: "لسنا من الإخوان المسلمين"، وكأنه يريد التبرؤ من سمعة لم تعد تنطوي على أي ميزة مساعدة في تبوؤ الحكم. ثمة شعور سائد اليوم، في مصر وتونس خصوصاً، بأن الثورة انتهت. لم يتبق منها شيء. ولابد من ثورة ثانية. بل ازداد الشعور بأن ما كان يجب التخلص منه ليس النظام وإنما وجهه الآخر الذي لازمه ثم انكشف بأنه أسوأ منه. كان المستبد يأتي بشيء من "الاستقرار" رغم اعتدائه على الحريات، أما خلفه المتنكر بالدين فسرعان ما أقنع العامة والخاصة بأنه غير مكترث باستقرار ولا بحريات. كلاهما سلّط جهوده على تغيير طبيعة الإنسان والمجتمع، بغية إدامة حكمه وتأبيد سلطته. في العهود السابقة اضطهد الإسلاميون وظُلموا، وفي العهد الحالي قد تبدو الأحكام عليهم متسرعة، وحتى ظالمة، خصوصاً أنهم لم يحكموا بعد. فكل من سبقهم ارتكب أيضاً أخطاء وخطايا، ولم يواجه بمثل هذه النقمة العاصفة. لكنهم لم يسائلوا أنفسهم لماذا يرفض المجتمع إعطاءهم الفرصة؟ ولو فعلوا لعرفوا الإجابة: إنهم رفضوا الاعتراف بأن المجتمع تغيّر، كذلك الدول والعالم، ولم يعودوا مؤهلين للتعامل معه بالحمولة البالية نفسها. لم يعدموا من ينذرهم بأن الأفضل ألا ينفردوا بالحكم، وحتى إذا ائتلفوا كما في تونس فالأفضل ألا يهيمنوا للقيادة من الخلف أو من الكواليس. وعندما نبّه كثيرون في مصر، مسبقاً، إلى أن "حكم المرشد" سيتسبب بمشكلة، عمد "الإخوان" إلى تفنيد هذا الرأي وتسخيفه، ورغم أنه عاد فظهر على أرض الواقع، لكنهم استمروا يستهزئون بالنقد متهمين المعارضين بأنهم لا يحترمون نتيجة الانتخابات، غير أن أحداً لم يقترع لـ"المرشد". تتعاظم الحاجة إلى المراجعة، بالأحرى إلى التراجع، فالإسلاميون الخارجون من السجون أو العائدون من المنافي، مباشرة إلى السرايات، لا يستطيعون الحكم وحدهم، وليسوا مؤهلين له. هناك فضيلة -حتى أنها دينية، إن لم تكن محض أخلاقية- في الاعتراف بضرورة التعلّم واكتساب الخبرة. رئيس الوزراء التونسي تعلّم خلال سنة أن بلاده تحتاج إلى "حكومة كفاءات"، فهو نفسه ليس صاحب كفاءة للمنصب، إلا أنه امتلك الشجاعة للاعتراف بالحقيقة. وقبله، كان رئيس الوزراء المغربي دافع مرّات عديدة عن مزايا الحكم بالتعاون مع الملك وتحت سقفه. صحيح أن صندوق الاقتراع أوصل "بن كيران" إلى السلطة، لكن مجرد كونه إسلامياً لا يفتح أمامه الأبواب الدولية لاستدراج الموارد من أجل التنمية. لا مصلحة للإسلاميين البتة في أن تتلبسهم الآن سمعة جلب الاضطراب إلى أوطان ومجتمعات يتوعدون بترويضها عنوة، أو حتى بالحيلة والمراوغة، سواء بالألاعيب التي تستغل فقراء الريف وبسطاءه، أو بالمناورات الدستورية التي تشي بأنهم يتوسّلون بكل شيء عدا الشفافية والتزام الأصول. والأكيد أن المغالبة لا تبدو أفضل الوسائل، لأن الوعي الشعبي المشتعل الآن لم يعد ليسمح بها. أما الأخطر والأسوأ، فهو الذهاب في الغباء إلى حد دفع المغالبة إلى العنف والحروب الأهلية، كما لو أنها آخر الدواء تهرباً من الاعتراف بالفشل. لا مصلحة للإسلاميين في أن يكونوا اليوم عنوان إخفاق الثورات، التي شكلت آمالاً كبيرة في التحوّل إلى دول مدنية تحترم الإنسان وحقوقه. صحيح أنهم لم يتمكنوا من اختطاف صناديق اقتراع في ليبيا، إلا أنهم يعوّلون على سطوة السلاح والميليشيات ليتحكموا بمسيرة الخروج من الثورة إلى الدولة. صحيح أنهم لم يصلوا بعد إلى السلطة في اليمن لكن الجميع يترقب وثبتهم ويتوجس من المكائد التي ستنصب من خلال قانون الانتخاب. صحيح أنهم لا ينتمون إلى المذهب نفسه في لبنان لكن الأساليب الملتوية هي إياها التي أجهضت انتفاضة كل الطوائف معاً عام 2005. صحيح أخيراً أن الصراع في سوريا لم ينته بعد، إلا أنهم باتوا يشكلون خطراً على الثورة والثوار وحتى على مستقبل سوريا. كائناً من يكن ذلك الخارج من صناديق الاقتراع، يفترض أن يدرك أن لديه شرعية يجب أن يكد ويضحي لبلوغها. وحكومات ما بعد الثورات محكومة بإعادة إنتاج الروح الوطنية، وهو ما لا يمكن إدراكه إلا بالمشاركة والتوافق فهذه ليست سوى مرحلة انتقالية ولا مجال فيها لـ"تمكين" أحد. فالشعوب أرادت إسقاط الأنظمة وفعلت، والشعوب تريد اختبار الأنظمة الجديدة وها هي تفعل. عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|