نجت فاطمة محمد من الحرب في الخرطوم، لكنها فارقت الحياة قبل 10 أيام، بعدما تمكن المرض منها في مدرسة تحولت إلى مركز إيواء نازحين من العاصمة السودانية.
وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية لا تملك تمويلاً كافياً لتغطية الاحتياجات كما أنها لا تستطيع نقل المساعدات إلى مختلف أنحاء السودان
منذ وفاتها، يعيش أطفالها الثلاثة إيثار (11 عاماً) ودلال (9 أعوام) وإبراهيم (7 أعوام) في باحة مدرسة الجيلي صلاح التي فتحت لاستقبال النازحين في مدينة ود مدني، على بعد 200 كيلومتر جنوب الخرطوم، غير أن المكان بدأ يضيق بالنازحين مع فرار عشرات الآلاف من الخرطوم هرباً من الحرب التي اندلعت في 15 من أبريل(نيسان)، إلى هذه المدينة التي لم تطلها المعارك حتى الآن.
أحوال صعبة
سكينة عبد الرحيم، على سبيل المثال، تعيش مع 6 من أفراد أسرتها في غرفة سكن لطالبات جامعة الجزيرة في شرق ود مدني وتقول: "بالنسبة لنا كأسرة، السكن غير مريح ليس فيه خصوصية والمكان مزدحم. نحن أسرة من 7 أشخاص نعيش في غرفة مساحتها 3 أمتار بـ3 أمتار، والحمامات مشتركة مع سكان الطابق الذي به 20 غرفة كل غرفة فيها أسرة كاملة".
ويقيم آلاف النازحين في ود مدني في سكن طالبات جامعة المدينة، أو في مدارس أو في مقار جمعيات غير حكومية حولت لاستقبالهم.
والحصول على الخدمات الأساسية ليس مضموناً على الدوام في هذه الأماكن المتواضعة بالمدينة الواقعة في ولاية الجزيرة الشهيرة بخصوبة أراضيها والواقعة بين النيل الأبيض والنيل الأزرق.
تشكو حنان آدم التي تعيش في مركز الإيواء نفسه مع زوجها وأطفالها الأربعة من "انقطاع المياه عن المركز لساعات طويلة وكذلك الكهرباء".
وتضيف: "مع ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الناموس أصيب كل أطفالي بالملاريا".
عجز أممي
وتحصد الملاريا الكثير من الأرواح سنوياً في السودان، وتشير منظمة الصحة العالمية الى أن 61% من الوفيات الناجمة عن الملاريا في منطقة شرق المتوسط، تسجل في هذا البلد، وإيجاد طبيب في ود مدني شبه مستحيل الآن.
في أحد مراكز الايواء بالمدينة، تمكنت منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية من إرسال طبيب واحد و4 ممرضين لرعاية ألفي نازح يقيمون في ذلك المركز.
وتؤكد المنظمات الإنسانية باستمرار عجزها عن تقديم المساعدات اللازمة للنازحين خصوصاً أن العاملين الأجانب فيها لا يزالون بانتظار الحصول على تأشيرة دخول، فيما يعاني العاملون المحليون أنفسهم من الحرب واضطروا إما الى النزوح أو الاختباء في منازلهم خوفا من المعارك، أو باتوا منهكين تماماً. وفي بعض الأحيان، يسجل نقص في المواد الغذائية.
وتقول سمية عمر وهي أم لـ5 أطفال أكبرهم في العاشرة وأصغرهم في شهره السادس: "نستلم حصة الغذاء لكن لا نجد فيها حليباً للأطفال وليس معنا أموال لشرائه". وقال مصدر طبي يعمل في مراكز الإيواء البالغ عددها 13 بالمدينة: "ظهرت حالات سوء تغذية وسط الأطفال".
في مدرسة عبد الله موسى في غرب ود مدني، يتولى الأهالي مهمة توفير الغذاء للنازحين ويقوم متطوعون من شباب المدينة بتوزيع وجبات الغذاء التي تعد في مطبخ بادر سكان المدينة على إقامته لمساعدة الفارين من الحرب.
وقالت سنية عوض، التي تعيش في مركز إيواء مع أفراد أسرتها الأربعة: "الأوضاع صعبة للغاية. أحيانا لا تناسب الوجبة التي يتم توزيعها أطفالي ولكن ليس لدينا خيار آخر".
وتقول اليونيسيف إن 620 ألف طفل سوداني يعانون من سوء التغذية الحاد ويمكن أن يموت نصفهم إذا لم يتم توفير مساعدات لهم.
نقص التمويل
غير أن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية لا تملك تمويلاً كافياً لتغطية هذه الاحتياجات كما أنها لا تستطيع نقل المساعدات إلى مختلف أنحاء السودان لأن شاحناتها تعلق وسط النيران المتبادلة بين قوات الجيش التي يقودها عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو.
أما الإنتاج المحلي فيتقلص بشدة وتتعرض الصناعات الغذائية، التي انهارت بسبب حظر دولي على مدى 20 عاماً في عهد الرئيس السابق عمر البشير الذي أطاحته انتفاضة شعبية في العام 2019، للقصف شأنها في ذلك شأن المنازل والمستشفيات.
قبل شهر، احترق في الخرطوم مصنع سميل الذي كان ينتج، وفق اليونيسيف "60% من العلاجات الغذائية للأطفال، الذين يعانون من سوء تغذية شديد".