أكد أستاذ العلوم الحكومية في كلية كينيدي بجامعة هارفارد غراهام أليسون أن أسرع مسار نحو حرب دموية بين الصين والولايات المتحدة يمر عبر تايوان.

حين تهدد قوة صاعدة سريعاً بإزاحة قوة بارزة حاكمة، ينتهي التنافس غالباً بحرب
 إذا أدت الأزمة الحالية التي أثارتها رحلة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي والرد العسكري الصيني الصلب إلى اصطدام بين السفن والطائرات الحربية الأمريكية والصينية، فبإمكان حتى "حادث" أن يوفر الشرارة التي تشعل حرباً عظيمة. تم توجيه نصيحة في يونيو (حزيران) 1914 إلى الأرشيدوق فرانز فرديناند بضرورة عدم التوجه إلى ساراييفو، كما كانت الحال مع البنتاغون حين نصح بيلوسي بعدم زيارة الصين. لكن لم يتخيل أحد أنه سيتعرض للاغتيال خلال زيارته ويوفر الشرارة التي أشعلت حريقاً مدمراً للغاية أجبر المؤرخين على تأسيس تصنيف جديد بالكامل: حرب عالمية.

بين حسن الحظ وسوئه

كتب أليسون في مؤسسة الرأي الأمريكية "ناشونال إنترست" أن الحكومتين الأمريكية والصينية تعلمان لحسن الحظ أن أي حرب ساخنة ستكون كارثة عليهما معاً. لا شخص جدياً في أي من الحكومتين يريد الحرب. لكن للأسف، يقدم التاريخ أمثلة عدة وجد فيها متنافسون لا يرغبون بالحرب أنفسهم مضطرين لاتخاذ قرارات مصيرية تقضي إما بالقبول بما يحكمون عليه كخسارة غير مقبولة من جهة، أو اتخاذ خطوة ترفع من مخاطر الحرب من جهة أخرى. المثل الكلاسيكي هو الحرب العالمية الأولى.

بعدما قام إرهابي ذو علاقات مشبوهة بحكومة صربيا باغتيال سلفه، حكم إمبراطور النمسا-المجر بأنه يتوجب عليه معاقبة صربيا. بما أن النمسا كانت حليفتها الوحيدة، شعرت ألمانيا بأنها لم تملك خياراً سوى دعمها بالكامل. كذلك، شعرت روسيا بأنها مضطرة لدعم إخوتها الأرثوذكس في صربيا. تسببت خطوة بإطلاق أخرى في حلقة مفرغة من الردود والردود المضادة أغرقت كل أوروبا في حرب خلال خمسة أسابيع.

فخ ثوسيديدس
على لوحة التاريخ الأوسع، تابع الكاتب، حين تهدد قوة صاعدة سريعاً بإزاحة قوة بارزة حاكمة، ينتهي التنافس غالباً بحرب. شهدت القرون الخمسة الماضية ست عشرة حالة من هذه التنافسات الثوسيديدية. أدت اثنتا عشرة منها إلى حرب. في كل حالة، تضمنت الأسباب المباشرة للحرب حوادث وأخطاء غير قسرية وعواقب غير مقصودة لخيارات لا يمكن تفاديها حيث قبل فيها أحد الأطراف بمخاطر متزايدة على أمل تراجع الآخر. لكن تحت هذه التطورات كمنت دوافع هيكلية أضاء عليها ثوسيديدس عبر شرح كيف عمدت مدينتان رائدتان في اليونان القديمة إلى تدمير بعضهما البعض في الحرب البيلوبونيزية. كتب ثوسيديدس: "كان صعود أثينا والخوف الذي زرعه ذلك في اسبارطة هو الذي جعل الحرب حتمية".

برهان رجال الدولة
اليوم، تنخرط الولايات المتحدة والصين في أعظم تنافس على مدار جميع الأزمنة. في هذا الصراع، هل الحرب حول تايوان حتمية؟ يقترح السجل التاريخي أن اندلاع الحرب أكثر ترجيحاً من عدمه. لكن كما أظهرت العقود الخمسة الماضية، ليس من الضروري أن يحصل ذلك. منذ خمسين عاماً، حين فتح نيكسون وكيسنجر العلاقات الأمريكية مع الصين، كانت الخلافات بين الدولتين حيال تايوان غير قابلة للتوفيق. لكن رجال الدولة برهنوا أن ما هو غير قابل للتوفيق لم يعنِ أنه غير قابل للإدارة. لقد خلقوا إطاراً من الغموض الاستراتيجي وفر خمسة عقود من الزيادة الكبيرة للمداخيل والصحة والرفاهية للسكان على جانبي المضيق، مقارنة بأي فترة مماثلة في تاريخهم الطويل. ويرى الكاتب أن ثمة ثلاث حقائق قاسية بشأن مواجهة بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان.

التيارات المميتة

أولاً، ليس الرئيس الصيني شي جينبينغ وحده بل كامل القيادة والأمة الصينية ملتزمة بشكل لا لبس فيه بمنع تايوان من أن تصبح دولة مستقلة. إذا خيّرا بين القبول بتايوان مستقلة وحرب تدمر تايوان وجزءاً كبيراً من الصين فسيختار شي وفريقه الحرب.

ثانياً، ما سماها ونستون تشرشل بـ"التيارات المميتة" في السياسات الداخلية منتشرة بشدة في الولايات المتحدة والصين. يسارع الجمهوريون والديموقراطيون إلى إظهار من هو الأكثر تشدداً تجاه الصين بالمقارنة مع الآخر. الطامح إلى الرئاسة الأمريكية مايك بومبيو دعا الولايات المتحدة إلى الاعتراف بتايوان مستقلة. وبالنظر إلى الديناميات بين الجمهوريين، من المرجح أن يكون هذا شعاراً مشتركاً لمنصة الحزب الجمهوري في حملة 2024 الرئاسية.

في تايبيه، بشرت بيلوسي بـ"تعهد (أمريكي) رسمي ... بدعم دفاع تايوان". ومنذ أيام، اقترح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الديموقراطي بوب مينينديز والقيادي الجمهوري في القضايا الدفاعية ليندزي غراهام قانون سياسة تايوان الذي سيصنف الجزيرة كـ"حليف بارز غير أطلسي" ويلتزم بتحويل 4.5 مليارات دولار من المساعدات العسكرية. في هذه الأثناء، بينما يرتب شي أوراقه السياسية لولاية ثالثة غير مسبوقة كأمين عام وإمبراطور افتراضي لمدى الحياة، سيصبح الضغط عليه للوقوف في وجه الولايات المتحدة أقوى من أي وقت مضى.

ميزان القوة تحول
ثالثاً، وفيما لم يعترف معظم السياسيين الأمريكيين بذلك، تحول الميزان العسكري في مضيق تايوان خلال الربع القرن الأخير منذ آخر أزمة في تايوان. لقد تحول ميزان القوة المحلي بشكل حاسم لمصلحة الصين حسب الكاتب الذي شرح في مؤسسة الرأي نفسها السنة الماضية كيف يمكن للولايات المتحدة أن تخسر حرباً حول تايوان. وأعلن نائب وزير الدفاع السابق روبرت وورك أنه في عمليات المحاكاة الأكثر واقعية بشأن حرب محصورة في تايوان تكون النتيجة ثماني عشرة نقطة إلى صفر وجميعها لا تصب في مصلحة الفريق الأمريكي.

كيف ستعوض أمريكا؟
لو خاضت الولايات المتحدة حرباً محلية حول تايوان، فمن المرجح أن يواجه الرئيس خياراً مصيرياً بين الخسارة من جهة والتصعيد إلى حرب أوسع يكون للولايات المتحدة فيها اليد العليا من جهة أخرى. بالرغم من قفزة الصين الهائلة في الإمكانات العسكرية، تواصل الولايات المتحدة الهيمنة على البحار التي تعتمد عليها الصين لاستيراد الطاقة وتصدير منتجاتها. إن الحرب الواسعة قد تتصاعد أكثر. والدرجات العليا من سلم التصعيد تتضمن استخدام الأسلحة النووية.

ما نتيجة حرب نووية؟
أشار غراهام إلى أنه في المجال النووي، ما من شك في أن الولايات المتحدة قادرة على محو الصين عن الخريطة. ولا شك أيضاً في أنها لا تستطيع فعل ذلك من دون أن ترد الصين بضربات نووية ستقتل معظم الأمريكيين. تملك الصين الآن ترسانة نووية قوية تخلق ظرفاً يسميه خبراء الحرب الباردة "التدمير المتبادل المضمون". في حرب نووية، ليست الولايات المتحدة ولا الصين قادرة على تدمير الأخرى من دون تدمير نفسها. بينما لن يختار أي مسؤول عقلاني حرباً نووية، يتضمن تاريخ الحرب الباردة عدداً من المواجهات التي اختار فيها الزعماء اتخاذ مخاطر متزايدة بالحرب عوضاً عن القبول بسيطرة السوفيات على برلين أو نشر صواريخ نووية في كوبا.

وختم غراهام مشيراً إلى أنه إذا كان أفضل ما تستطيع حكومتا الولايات المتحدة والصين إدارته هو فن الحكم المعتاد، كما شاهده العالم الأسبوع الماضي، فسينبغي عندها توقع التاريخ كالمعتاد. بشكل مأسوي، التاريخ كالمعتاد سيعني حرباً كارثية قد تدمر كلتا القوتين.