المزيد
مثل الهواتف الذكية لكنها قاتلة: تقنية رؤية أعدائك وقصفهم

التاريخ : 06-02-2022 |  الوقت : 09:41:08

وكالة كل العرب الاخبارية

تقرير خاص – (الإيكونوميست) 29/1/2022


كانت الحرب التي بدأت عندما هاجمت أذربيجان جارتها أرمينيا في 27 أيلول (سبتمبر) 2020 شأنا دمويا، حيث فقد أكثر من 7.000 شخص أرواحهم. وكانت الحرب السابقة بين البلدين، التي استمرت من العام 1988 إلى العام 1994، قد تركت القوات الأرمينية وهي تحتل جزءا كبيرا من ناغورنو كاراباخ، وهي منطقة عرقية أرمنية داخل أذربيجان. وعندما صمتت المدافع في العام 2020 بعد 44 يوما من القتال فقط، كانت أذربيجان قد استعادت ثلاثة أرباع الأراضي التي كانت تلك القوات تسيطر عليها داخل وحول الجيب -وهو نصر حاسم مثل أي نصر آخر في السنوات الأخيرة.
كانت أذربيجان تتمتع في البداية ببعض المزايا. فهي لديها عدد أكبر من السكان وميزانية عسكرية أكبر، وعدد أكبر بكثير من قطع المدفعية وقوة جوية أفضل تجهيزا. ومع ذلك، فإن تاريخ الكثير من معداتها يعود إلى الحقبة السوفياتية، أي أنها متخلفة من نفس تلك الحرب السابقة التي أثبتت فيها كونها غير فعالة. ومن المقولات العسكرية أنه إذا تساوت كل العوامل الأخرى، فإن المهاجم يحتاج إلى قوة ربما أكبر بثلاث مرات من القوة التي تتعرض للهجوم حتى ينتصر.
لكن الأذريين كان لديهم أيضا أسطول من الطائرات من دون طيار، والذي شمل طائرات من طراز “تي. بي-2” التي تم شراؤها من تركيا، وطائرات “هاروب” المشتراة من إسرائيل. ويتم التحكم في طائرات “تي. بي-2″، التي يبلغ طول جناحيها 12 مترًا، عن بُعد، ويمكنها إطلاق قنابل أو صواريخ، وتستطيع أن تحلق في الهواء لمدة تصل إلى 24 ساعة في المرة الواحدة. وكانت طائرات “هاروب” أصغر حجما وأكثر قدرة على التخفي وأكثر استقلالية، ومصممة لشن هجمات الكاميكازي على الرادارات. وقد فجرت، فيما بينها، أكثر من عشرين نظام دفاع جوي والعشرات من قطع المدفعية. ودمرت مئات المركبات المدرعة. وكانت نيرانا مماثلة ضد الدروع قد ظهرت في محافظة إدلب السورية في وقت سابق من ذلك العام، حيث قضت مسيرات “تي. بي-2” التركية على أسطول من الدبابات السورية في غارة استمرت ليومين.
وقد أبدى القادة العسكريون في جميع أنحاء العالم اهتماما وثيقا بما حدث على الجبهة الأذربيجانية-الأرمنية. وقال الجنرال السير مارك كارلتون سميث، رئيس الأركان العامة البريطانية، في مؤتمر عُقد بعد عام من الصراع: “أصبحت السمات المميزة لشكل مختلف من الحرب البرية واضحة فعلياً. الحروب الصغيرة… تنتج بعض الدروس الكبيرة حقاً”.
وكانت الطائرات من دون طيار نفسها جزءا فقط من المنهاج. وقد نظرت مناهج أخرى في أنظمة القيادة والتحكم والاتصالات التي تجمع المعلومات حول ما يجب ضربه، وتحديد الأولويات وتحقيقها. وتتيح الاتصالات عبر الأقمار الصناعية للقادة التكتيكيين رؤية ما تشاهده الطائرات من دون طيار وتغذيتها بالأهداف التي يكون قد تم تحديدها بوسائل أخرى. وفي أذربيجان، يبدو أن طائرات التجسس التركية التي ترصد مواقع الرادار قد وفرت بعض التحديد للمواقع؛ وساعد نظام “كارول” KORAL التركي الأرضي، الذي يكتشف رادارات العدو ويشوش عليها، الطائرات من دون طيار التي تقوم بتدمير الدبابات فوق إدلب.
عيون جاحظة
هذا النوع من الحرب المترابطة بشبكات إلى حد كبير هو شيء يعمل عليه الفنيون العسكريون منذ عقود. ويتخيل المؤمنون الحقيقيون به “ساحة معركة” -فكر في ساحة معركة عتيقة الطراز يمكن رؤيتها من خلال مناظير ثنائية الأبعاد، فيها سفن وجنود ودبابات، ولكنها امتدت عموديًا على طول الطريق حتى المدار، ودخلت إلكترونيا إلى حد بعيد في الأشعة تحت الحمراء وأطوال موجات الرادار- حيث يمكن لأجهزة الاستشعار في كل مكان أن تمرر معلومات الاستهداف إلى جميع أنواع “الرماة” من خلال شبكات اتصال سلسة.
وفرت الاستثمارات الضخمة للقوى العظمى -وبشكل بارز، أميركا- وحلفاء العالم المتقدم بعضا من هذه القدرات المتمناة. وكما قال الجنرال مارك ميلي، الضابط العسكري الأعلى في أميركا، العام الماضي، فإن: “لديك القدرة على الرؤية والقدرة على الضرب من مدى لم يكن موجودا من قبل في تاريخ البشرية.” ومن المحتمل أن تكون مثل هذه القدرات ذات أهمية كبيرة في بعض أنواع صراع الميادين الثابتة. أما في الحروب التي كانت أميركا تخوضها بالفعل، والحملات ضد المتمردين المسلحين بالعبوات الناسفة وما شابه ، فقد أثبتت كونها أقل فائدة.
والآن حققت أذربيجان، وهي قوة غير عظمى بالتأكيد، نوعا مشابها من القدرات بتكلفة أقل بكثير. ولا يعني كونه مشابها أنه قابل للمقارنة حقا: ربما كان خصما أفضل تسليحا واستعدادا سيتغلب عليها بسهولة. لكن تلك الحرب الصغيرة في القوقاز قدمت تصورا عن “ساحة معركة شفافة، والتي تشكل في الواقع مستشعرا عملاقا واحدا”، وشكلت، كما قال السير مارك، دافعا لفتح العينين.
سمحت الاتصالات السلكية واللاسلكية -السيمافور، ثم التلغراف، ثم اللاسلكي- للمراقبين بإخبار الرماة بالأهداف التي لا يستطيع الرماة رؤيتها لعدة قرون. لكن الفكرة الحديثة المتمثلة في إنشاء “سلاسل قتل” ممتدة من مجموعة من أجهزة الاستشعار إلى مجموعة من الرماة أثناء الطيران تعود على نطاق واسع إلى السبعينيات. كان ذلك عندما بدأ المنظرون العسكريون السوفيات في الحديث عما أطلقوا عليه “مجمع الضربة الاستطلاعية” -وهو نظام شبكي يمكن أن تقوم فيه طائرة مقاتلة، على سبيل المثال، بتحويل البيانات عن هدف لا يمكنها مهاجمته بنفسها إلى صاروخ كروز يتم إطلاقه من سفينة حربية تستطيع ذلك.
إنجاز المهمة بأقل جهد
لتتويج مثل هذا التفكير، فكِّر في طائرة “إف-35” الأميركية. بالإضافة إلى قدرتها على التسلل عبر الدفاعات الجوية وإلقاء الذخائر الموجهة بدقة على هذه الدفاعات وعلى أهداف أخرى، تقوم هذه الطائرة الضاربة أيضا بجمع أكوام من المعلومات للآخرين وتعمل كجهاز توجيه طائر عملاق، وتقوم بتوجيه البيانات من وإلى الطائرات القريبة، والقوات الأخرى في المنطقة والقادة الذين قد يكونون على بعد نصف عالم.
وإذن، أصبح “مجمع الضربة الاستطلاعية” ناضجا. وقد تباهى الميجور جنرال فلاديمير ماروسين، نائب رئيس القوات البرية الروسية آنذاك، في العام 2015، فقال: “اليوم هذه الدورة -استطلع – أطلِق – اهزِم- تستغرق، حرفياً، عشرات الثواني”. وقد أصبحت الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والأسلحة الخفيفة مثل أشعة الليزر وأجهزة الميكروويف هي الطراز الشائع.
في الممارسة، لم يكن الوقت الذي استغرقته المدافع الروسية للعمل بناء على البيانات القادمة من المسيَّرات الروسية أثناء الصراع في منطقة دونباس بأوكرانيا، وهو الصراع الذي كان يشير إليه الجنرال ماروسين، قد انخفض بالقدر الذي يمكن أن يحققه. لكنه كان قصيراً بما يكفي لجعل الحياة على الطرف المتلقي أكثر صعوبة. وعندما قال ميك رايان، اللواء الذي قاد أكاديمية الدفاع الأسترالية حتى كانون الأول (ديسمبر)، أن “القدرة على ربط أجهزة الاستشعار بالقادة والأسلحة على مدى العشرين إلى الثلاثين عامًا الماضية غيرت بشكل عميق مفهومنا للوقت في ساحة المعركة”، فقد كان القتال في دونباس هو ما يفكر فيه. وفي حرب الخليج -أو إذا كان ذلك يهم، على طريقة هو شي منه- غالبا ما كانت هناك ساعة تقريبا بين وقت رصدك وأن تكون على الطرف المتلقي لقصف مدفعي أو غارة جوية. والآن، كما يقول الجنرال رايان، “إذا اعتقدنا أنه قد تم رصدنا، فإن لدينا عشر دقائق -وإذا لم نكن قد رحلنا، فسوف نموت”.
عندما تصبح كلفة التقنيات أقرب إلى متناول الجميع، فإنها تنتشر. وتمتلك “بيرقدار”، الشركة المصنعة لطائرات “تي. بي-2” في تركيا، الكثير من العملاء لطائراتها من دون طيار. وقد يكون الأهم من التغيير في مَن يستخدم مثل هذه الأنظمة هو كيفية استخدامها. سوف يسمح لك امتلاك عدد قليل من الطائرات من دون طيار باستبدال بعض الطائرات. وسيتيح لك امتلاك الكثير من الطائرات من دون طيار القيام بأشياء لم تكن ممكنة من قبل، مثل إنشاء أنظمة مراقبة واسعة النطاق ومستمرة. وتشير التطورات خارج المجال العسكري إلى أن الاتجاه نحو أن تصبح الأشياء أصغر وأرخص وأكثر عددا ما يزال أمامه طريق طويل ليقطعه.
على مدار العقد الماضي، كان مهندسو الهواتف الذكية يصنعون مجموعة واسعة من أجهزة الاستشعار الأصغر حجمًا وأقل استهلاكًا للطاقة بنوع الحماس المدعّم بموارد جيدة، والذي لا يمكن إلا لصناعة تحقق إيرادات بالتريليونات أن تمتلكه. ولا يأتي هاتف تبلغ تكلفته 1.000 دولار فقط مع مجموعة من الكاميرات الموجهة في اتجاهات مختلفة والتي تعمل بأطوال موجية مختلفة فحسب، ولكن أيضًا مع واحد أو أكثر من أجهزة قياس الضوء، والبارومترات، ومقاييس التسارع، ومقاييس الرطوبة والمغناطيسية، وتحديد الاتجاه، والميكروفونات. كما أنها تتميز بهوائيات لاسلكية تلتقط الإشارات من الأقمار الصناعية الملاحية، وملحقات “بلوتوث” القريبة، ومحطات دفع النقود وشبكات “واي-فاي” -وحتى، بين الحين والآخر، أبراج الهاتف المحمول.
ثمة قدر مدهش من قوة المعالجة التي تحتاجها تلك المستشعرات والشبكات في الهاتف. ويمكن العثور على المزيد في السحابة، التي يمكن تعبئتها في أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتعقب وترسم أفضل طريق يسلكه المرء في حركة المرور هذا المساء، وتقوم بالترجمة من الصربية إلى البرتغالية وتتعرف على أصدقائك في الصور.
عندما يتم تطبيق هذه التقنيات المحسنة باستمرار أبعد من نطاق الهاتف، فإنها تجعل كل أنواع السحر ممكنة. قامت، على سبيل المثال، بتوسيع كبير لما يمكن عمله بالأقمار الصناعية الصغيرة الرخيصة، وكذلك بالطائرات المدنية من دون طيار. وأصبح بالإمكان دمجها الآن في قذائف مدفعية، أو في الأزياء العسكرية القتالية، أو تركها مبعثرة فقط حول مناطق القتال. كما يقول ضابط مشاة بريطاني أنهى مؤخرًا تمرينًا يتضمن استخدام تقنية كاميرا رخيصة متوفرة على الرفوف وقادرة على التعرف على البشر من مسافة طويلة: “سوف يكون عليّ أن أفكر ملياً في كيفية الوصول إلى مسافة ثلاثة كيلومترات من هدف”.
يبحث هذا التقرير في “المنافسة الشديدة بين عمليات الاختفاء والعثور” التي تجعلها هذه التقنيات ممكنة، باستعارة عبارة من “مفهوم التشغيل” الجديد للقوات المسلحة البريطانية الذي تم الإعلان عنه في العام 2020. وهو يبحث في طرق الرؤية التي أصبح الوصول إليها سهلاً وتحمل كلفتها ممكناً في الآونة الأخيرة، وفي طرق جمع البيانات بهده الطريقة وفهمها. كما أنه يبحث في التخفي، والحرب الإلكترونية، والهجمات الإلكترونية وأنواع الخداع الأخرى التي يمكن للمختبئين استخدامها لكي يظلوا مختفين.
فلنحتشد معاً
لهذه التغييرات تداعيات تكتيكية. قد يشهد الاتجاه نحو ساحات المعارك الشفافة تغيير مبادئ عسكرية أساسية. سوف يتعلم الضباط المدربون على أهمية حشد قواتهم من أجل تركيز قوتهم النارية القتال في وحدات أصغر وأكثر تشتتا. وقد حذر الجنرال السير نيك كارتر، رئيس أركان الدفاع البريطاني في ذلك الوقت، متأملًا الدروس المستفادة من ناغورنو كاراباخ، من أن “تكتل الحشود يمكن أن يكون نقطة ضعف”.
وقد ينطبق الأمر نفسه على المناورة -وهي مبدأ يعتز به المفكرون العسكريون مثل مبدأ التكتل. وكتب تي إكس هاميس من جامعة الدفاع الوطني الأميركية: “هذه المفاهيم والتكتيكات والتقنيات التجارية والعسكرية المتطورة تعمل مرة أخرى على خلق ساحة معركة تصبح فيها الحركة شديدة الخطورة. إذا تحركَت وحدة ما، فإنها سوف تخلق إشارة، ويمكن مهاجمتها على نطاقات أكبر بكثير مما كان عليه الأمر في الماضي”. وفي كتابه “عيون في السماء” Eyes in the Sky، اقتبس آرثر هولاند ميشيل عن مسؤول دفاعي وصفه خبرة الوجود تحت مراقبة الفيديو واسعة النطاق من الطائرات من دون طيار بأنه مثل “المشهد في فيلم “جوراسيك بارك” حين يواجه الدكتور ألان غرانت ديناصوراً، ويقول: “لا تتحركوا. إنه لا يستطيع أن يرانا إذا لم نتحرك‘”.
سوف تصبح ميزة المفاجأة، المعروفة منذ أيام صن تزو، أكثر صعوبة على التحقيق إلى حد كبير. وسيكون تكرار الانقلابات مثل هجوم الصين على نهر يالو في الحرب الكورية، أو الضربة المصرية المبهرة لإسرائيل في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، شبه مستحيل. وقد جربت روسيا تكتيكات مختلفة لإرباك الذين يراقبون انتشارها على الحدود الأوكرانية، بما في ذلك إزالة علامات الوحدات، ونقل القوافل ذهابًا وإيابًا وإغلاق مواقع تحديد أماكن القطارات. لكن من المستحيل إخفاء الحقيقة الغاشمة للتحشيد.
يذهب البعض إلى حد القول بأن الهجمات العسكرية قد لا تكون ممكنة بعد الآن ضد قوات تتبنى كل ما تعرضه التكنولوجيا: سوف يعني التحرك أنك ستُشاهَد وسيتم إطلاق النار عليك. ويشير آخرون إلى أن التغييرات قد تكون أقل وضوحًا مما يتخيله الضباط القلقون. ويشير ستيفن بيدل من جامعة كولومبيا إلى أنه في وقت مبكر من الحرب العالمية الأولى، تعلم التكتيكيون كيفية تجنب تعريض قواتهم للمدفعية الحديثة والقوة الجوية -وهي قدرات كانت مذهلة في ذلك الوقت مثل سلاسل القتل السريعة من جهاز استشعار إلى مطلق النار. ويمكن تحديث أساسيات الإخفاء والخداع، وسيتم تحديثها، لتناسب العصر الرقمي. ويقول بيدل: “لقد أخطأ الأرمن في عدم التفكير مليًا في هذا الأمر. لن يرتكب أي أحد آخر هذا الخطأ مرة أخرى”.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Like smartphones, but lethal: The technology of seeing and shooting your enemies

ترجمة: علاء الدين أبو زينة



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك