\"جنائن الهستيريا\" للكاتب الفلسطيني سعيد الشيخ
![]() وكالة كل العرب الاخبارية
"جنائن الهستيريا" للكاتب سعيد الشيخ .. قصص الحطام الإنساني القاهرة ـ "جنائن الهستيريا" قصص ترصد مشاهد مشحونة بالألم والمعاناة في ظروف مختلفة خارجة عن المألوف الاجتماعي. هي واقعية مرة وتخييلية مرة اخرى؛ بحيث لا يُستبان خيط في هذه النمطية السردية وهي تستشرف عالما من الغرائبية مثيرا للإهتمام. يمضي الكاتب سعيد الشيخ بعملية السرد الى حيث المصائر المتشابه عند نقطة الهستيريا، ويتوغل في تفاصيل أعماق اللحظة المرتبكة للحالات النفسية المضطربة إجتماعيا وإنسانيا وحتى سياسيا. ليكشف لنا عن عمق أزمة الكائن الانساني مع قضايا عصره. لا يوجد قصة بعنوان "جنائن الهستيريا" بين قصص الكتاب الصادر حديثا عن دار شمس للنشر والاعلام بالقاهرة، ولكن مجموع القصص هي عبارة عن باقة قطفت من عالم الجنون الذي يتكوّن على إثر الصدمات. وهذه الصدمات تختلف حسب اختلاف الأمكنة، واختلاف الوظائف الاجتماعية. من صدمات الحروب، الى صدمات الحرمان والفقدان والإعتقال والمنفى. صدمات تحيل الانسان الى حالات من التمزق والتشوّش الذهني حيث تتنازعه المشاعر والأفكار التي تفقده توازنه وتجعله يشعر بنفسه غريبا وضعيفا في لجّة بحر عميق تلاطمه الأمواج. وأحيانا يتحوّل هذا الكائن الى ريشة تتطاير في مهب الريح كما انتهت أحداث قصة "زهرة الجنون". قصة "عريٌ في ظلال الدبابات" تظل الأكثر تعبيرية عن الحضيض الإنساني الذي تجلبه الحروب، فعندما تنهار المقاومة أمام همجية الغزاة، ويجد بطل القصة نفسه بلا وعي أمام موت جماعي يلمّ بأفراد عائلته من قذيفة سقطت على البيت، لا يسعه أمام هذا التمزق الا أن يعلن جنونه أمام تقدم الدبابات الى داخل مخيم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إبان اجتياح عام 1982، وذلك بخروجه عاريا من بين الدمار وكأنه بالجنون يعلن التحدي أمام أدوات العدم. قصة "غادرنا خضر ونحن نيام"، يمكن اعتبارها بأنها تنتمي الى أدب السجون مع إلقاء الكاتب الضوء على معاناة المعتقلين أمام شدة شروط الإعتقال التي يفرضها السجّان الإسرائيلي. والهستيريا في هذه القصة لا تظل من نصيب المعتقل الذي اختفى بشكل غرائبي وبظروف غامضة من خيمته المنصوبة تحت الشمس. إذ أن هذه الهستيريا تنتقل الى الجنود الذين راحوا يبحثون بلا جدوى عن آثار المعتقل المفقود، كما في حمّى التعذيب الذي ساموه لبقية المعتقلين من أجل الإعتراف بظروف إختفاء زميلهم التي يجهلونها هم أيضا، ولكن حديث الإختفاء يظل يشغلهم ويأتي اليهم بالدهشة والتحريض بالإختفاء من الجحيم. في القصة الإجتماعية "المرأة التي أشعلت الجحيم" انهيار عصبي لإمرأة لم تحمل خلال سني زواجها، امرأة يكويها الحرمان ويدفعها لأن تترك بيت زوجها لتنتهي في قسم الأمراض العصبية. وتطلب من إدارة المستشفى منع زوجها من زيارتها بما يبدو كعقاب له. الزوج يعاني أيضا لأجلها ولأجل نفسه حيث ظروف الحرمان من البنين واحدة؛ وبقدر ما هو يظل يمتلك الإحساس بمعاناتها تقع هي تحت تأثير غياب هذا الإحساس حتى تنفصل عن الواقع. وحين يزورها عنوة في المستشفى فإنها لا تتعرف عليه، ويجدها تتخيل نفسها عزباء، وانها على علاقة عاطفية مع سائق الإسعاف الذي نقلها من بيت أهلها الى المستشفى. الدرجة صفر للجنون، شكّلها الكاتب في تلك الفانتازيا التي لا تقوم على مسوغات منطقية. وهو الجنون الذي لا يعترف به الطب النفسي، ذلك المعجون بخلطة سحرية تآمرية في أكثر الأحيان، تجعل الكائن الإنساني على اتصال بقوى غيبية تسد عليه منافذ الإتصال بالواقع، كما عبّرت عنه قصة "أنا الشيخ عبد الواحد"، وهذا إلا واحد من الجن تسلل الى جسد إنسية وسيطر على وعيها مما أحالها الى حالات من الغيبوبة والهذيان، ورؤية كائنات لا أحد يستطيع رؤيتها سواها. لا أبطال يقومون بأعمال شجاعة أو يتركون بصماتهم بالحكمة بين شخوص هذه القصص. الجنون هو البطل الوحيد الذي يتماهى مع مرايا الواقع الاجتماعي الذي يبدو غرائبيا وخارجا عن المألوف. تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|