قراءة سوسيولوجية في الفكر الديمقراطي للحركات الإسلامية
![]() وكالة كل العرب الاخبارية
لقد كثر الحديث حول الديمقراطية في العالم العربي ما بعد حركة الاحتجاجات التي سميت "بالربيع العربي" وكأنه السبيل إلى الخلاص من الفشل السياسي الذي أدى إلى الهبوط بالمعيشة والبطالة والفقر المدقع وكأن الديمقراطية مسألة سهلة التطبيق وأصبحت حلم تلهث الشعوب العربية وراءها في مختلف الدول العربية والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل سينعم الإنسان العربي بتحقيق طموحاته وتطلعاته في الحركة الاحتجاجية هذه أم ستخيب آماله على أرض الواقع كالعادة عبر العقود الماضية؟ هناك جانبان لمسألة الديمقراطية أولهما هو الجانب السياسي المتعلق بالانتخابات وتداول السلطة وتحقيق تقدم من هذه الناحية ممكن إلى حد ما ولكن الجانب الآخر للمسألة وهو عبارة عن مفهوم الديمقراطية أوسع والذي يشمل تأسيس مؤسسات دستورية في الدولة تمنع الممارسات الغير أخلاقية والتعسفية بحق المواطن وما يستتبع ذلك من ضرورة المشاركة السياسية بالحكم التي هي في صميم العمل الديمقراطي ووجود أحزاب غير طائفية أو قبلية أو جهوية مشاركة في العملية السياسية وفق برامج تصب في صالح الفرد. فهذا المفهوم الشامل للديمقراطية صعب المنال أو التحقيق وإن رحلت بعض الأنظمة العربية بسبب الاحتجاجات ولذلك يجب النظر إلى النظام الديمقراطي كنظام يحتوي على مضامين سياسية واقتصادية واجتماعية ولا يمكن الفصل بين هذه المضامين فعلى سبيل المثال لا يمكن أن نطالب بالديمقراطية من ناحية المشاركة السياسية وتداول السلطة وحرية الفرد في الاختيار دون أن نناقش مسألة الحرية الاقتصادية والحرية الاجتماعية وما تتطلب هذه الحريات وما تستدعيه من تشريعات تعززها. وبالتالي الديمقراطية نظام متكامل ذو طابع شمولي ولا يمكن الفصل بين المضامين السياسية والاقتصادية والاجتماعية كالتركيز على ضمان شفافية الانتخابات دون توفير الضمانات الاجتماعية للمواطن بما يمكنه من التحرر من الفقر والجهل. فالمشاركة السياسية والحرية يجب أن تكون واعية تمكن المواطن من تحقيق المزيد من المكتسبات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي وهو ما يعني في نهاية المطاف أنها يجب أن توفر له الشروط المادية لممارسة الديمقراطية في جانبها السياسي. وكثيرا ما نرى دول في المنطقة ديمقراطية في ظاهرها وتجرى انتخابات وتتداول السلطة فيها ولكن لا توجد فيها حرية اقتصادية تمكن المواطن من الحصول على وظيفة أو تمكنه من تأسيس مشروع خاص دون الاستعانة بأشخاص أو دفع أموال طائلة لهم. وتجليات الثقافة الديمقراطية يجب أن يعبر عنها من خلال السلوك ولا بد من توافر شروط لممارسة هذا السلوك كالتحرر من التبعية السياسية والاجتماعية ومن النزعات العشائرية والعنصرية والطائفية والمذهبية لأن هذه النزعات تتناقض مع المساواة بين المواطنين كما أنها تقيد مبدأ الحرية ناهيك عن تأثيرها سلبيا على مفهوم الانتماء والمواطنة وتستحضر العصبيات الضيقة والانتماء الضيق وتؤدي إلى إعاقة الممارسة الديمقراطية. وللأسف الشديد هذه العصبيات الضيقة لا تزال تسود الشارع العربي وتهيمن على عقول الناس وهي ناتجة عن عصبيات موروثة منذ مئات السنين من الفكرين القبلي وما يسمى "الإسلام السياسي" الذي أدى إلى استقطاب سياسي في العالم العربي بالتالي انتقلت العصبيات من الفكر القبلي الذي لم يتغير إلى الفكر الإسلامي السياسي. ولب القضية الذي لا بد أن يدركه المواطن العربي هو أن المبادئ التي قامت عليها الدولة الإسلامية العربية في عهد الخلافة كالسلطة للجماعة والإمامة واجبة بالشرع والعقل لإقامة العدل والحاكم مسؤول أمام الأمة وحماية الرعية وصون حريتها هي فرض على الإمام، وهذه مبادئ لم تحترم في الحقبة اللاحقة. والسبب بكل بساطة هو أن مصدر السلطة تحول من الأمة إلى القبلية السياسية حيث استلهمت الرموز القبلية في الحضارة العربية الإسلامية لتخدم ثلاث وظائف: تماسك الجماعة (العصبية – النصرة) وباعتبارها إطارا للعضوية في الجماعة (مسلمين – ذميين) ورابطة موحدة للغرض. لذلك الديمقراطية بمفهومها الشامل صعبة المنال بعد انهيار الأنظمة العربية فيما يسمى الربيع العربي وما أعقب سقوط تلك الأنظمة من انتخابات التي أدت إلى وصول تيارات إسلامية إلى السلطة التشريعية في المراحل الأولى إذ وصل الإخوان المسلمون في مصر وتونس محققين فوزا يكاد يكون كاسحا وبرز السلفيون والسؤال هو عن كيفية تعاطي هذه الأحزاب الدينية مع مسألة الديمقراطية.
حضارات الهند
هناك الكثير من المقولات والتصريحات للذين زاروا الهند عبر العصور بعد ما انبهروا بما رأوا من مناظر خلابة واستكشاف آثار كثيرة لدول تأسست وانهارت في هذا البلد الضخم الذي لديه تاريخ غني بالابتكارات في مجالات علمية منذ قديم الزمان ومن هذه المقولات والأقوال المأثورة عن هؤلاء الزوار هي: "الهند زبدة جميع العوالم وخلاصة ناطقة لجميع أدوار التاريخ وصورة صادقة للأطوار المترجحة بين الهمجية الأولى والحضارة الحديثة" و "لا يتجلى الماضي للسائح كتجليه في بلاد الهند ولا يحس السائح ما اعتور أجيال البشر من تطور وما بين هذه الأجيال من فروق ومن روابط بأحسن مما في الهند فالسائح يعلم هنالك فقط أن الحاضر منحدر من الماضي وأنه يحمل في أثنائه بذور المستقبل". والهند تمثلت لخيال الأمم أرضا لكل عجيب فكانت عرضة للمغازي الأجنبية منذ القديم وكان الأجنبي إذا ما دخلها استقر بها واستغلها استغلالا محليا فلم يفكر في إخراج خيراتها منها. ولكن دخل الإنجليز بلاد الهند الواسعة والزاخرة بالسكان في القرن الثامن عشر بمال الهند وجنود الهند فسلكوا في استعمارها طريق نفع إنكلترا دون الهند فأخرجوا خيرات الهند وصدروها لبريطانيا وفي سبيل الهند احتل البريطانيون مصر فلا يجلون عنها وفي سبيل الهند فصل البريطانيون السودان عن مصر وفي سبيل الهند اقتطع البريطانيون في قرن العشرين جنوب الشام فلسطين فعملوا على تهويدها وسببوا آلاما وجروح لا تندمل في الجسد العربي والهند دولة عظيمة يسكنه مئات الملايين من البشر ومع ذلك استطاعت بريطانيا أن تملكها بألف موظف بريطاني ومئة ألف جندي بريطاني فقط وفي ذلك والوقت كان عدد سكان الهند 250 مليون نسمة! ولقد أرسلت الحكومة الفرنسية العلامة الفيلسوف غوستاف لوبون على رأس بعثة آثار إلى بلاد الهند وجاب لوبون الهند طولا وعرضا فأسفرت بعثته إليها عن وضعه سجلا جليلا خالدا فسماه "حضارات الهند" ونشره في سنة 1887 ويذكر لوبون في سجلاته تطورات النظم الدينية والاجتماعية وعوامل هذه التطورات ويبحث في الحوادث التاريخية كما يبحث في الحادثات الطبيعية ويبعث الأجيال الغابرة بما انتهى إليه من الكتابات والنقوش والرسوم وبعرض صور لبعض آثار تلك البلاد الهائلة التي هي منبت كثير من المدنيات والمعتقدات، ويتعجب لوبون من جميع الآثار التي تظهر إنجازات الحضارات الغابرة ويبصر ما اعتور نظم وعادات أهلها من متعاقب الصور والأحوال منذ البداءة إلى الزمن الحاضر. ووجد لوبون في الهند من الآثار الدينية والفنية والأدبية ما يبلغ قدم بعضه ثلاثة آلاف سنة ويوصف نقوش معابد الهندوس وقدماء الهندوس وبدراسة آثار الهندوس يطلع على روحها ويظهر الحكم منها ورأى أن أفكار الهندوسي ومعتقداته تبدو غامضة ومتذبذبة ما تقصر معه لغات اللاتينية (الفقيرة في النعوت مع ما فيها من ضبط) عن الإفصاح عنها في الغالب ، أراد لوبون أن يعوض عن تقصير علماء أوربة في مباحثهم التاريخية عن الهند التي اعتمدت فقط على ترجمة أسانيد السنكسرتية مع أن السنكسرت لدى الهندوس لغة ميتة منذ عدة قرون ويكاد شأنها عندهم يكون مماثلا لشأن اللغة اللاتينية في أوربا وبهذا النقص الحاصل بدون تعويض واستكمال من قبل لوبون تكون المعرفة لتطور الهند فيما يتعلق بمعرفة أحوال الناس في القرون الوسطى وفي عصر لويس الرابع عشر خلال القرن السابع عشر مجهولة. ويركز لوبون في دراسته للهند على أطلال مدن الهند القديمة في المرتفعات الهمالية المتجمدة وسهول الدكن المحرقة ونقوش مواضع تجمع الأصنام والقصور الزاهية الهائلة التي لم يردها الرواد إلا حديثا. وحزن لوبون على عدم اكتراث الهنود بالمباني الأثرية ولم تصنع الحكومة الهندية في قرن بعد دخول الإنجليز شيئا تقريبا لحفظها وصيانتها مع أنها المصدر الوحيد لمعرفة أحوال الهند الغابرة التي لم يدون لها تاريخ ولذلك أسفرت بعثته عن وضع خمسة مجلدات مشتملة على أربعمئة صورة موضحة. واعتمد لوبون على كتاب "حضارة العرب" لمعرفة أساسيات تاريخ أو حضارة الهند فيما يتعلق بالنظم الدينية والاجتماعية وبحث في الحوادث التاريخية والحادثات الطبيعية ودرس المذاهب بحذر وبتلك الأصول تمكن لوبون من الوصول إلى ما في مبادئ الهند الفلسفية والدينية والاجتماعية المعقدة. ويقول لوبون معلقا على أهمية موضوعه حول حضارات الهند: " إن خيالاتنا وطبائعنا ومبادئنا انتقلت إلينا بالإرث من غابر الأجيال التي لا نقدر أن نقلل من سلطانها وإن أمكن جهلها فمن خلال الأجيال القديمة نكتشف بالحقيقة أصول نظمنا ومعتقداتنا ونبصر ما لها من السلطان العظيم وأنها تقود كل شيء إلى مصيره الخفي بسلسلة من التطورات البطيئة". تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|