المزيد
عام رابع وخيار أوحد

التاريخ : 26-03-2014 |  الوقت : 09:08:02

في 18 مارس (آذار) 2011 انتفض الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة والمساواة والعدل الاجتماعي، ضدّ نظام كان عدوّاً لهذه القِيَم جميعها، فحاربها طيلة أربعة عقود، وفرض بدلاً عنها نظام الاستبداد والفساد والحكم العائلي الوراثي وشبكات الولاء الطائفي، وقَهَر المجتمع عن طريق أجهزة أمنية مُنحت صلاحيات مطلقة في الاعتقال التعسفي والتعذيب وخنق الحريات، حتى دون حاجة إلى الأحكام العرفية التي فُرضت منذ العام 1963.

لقد باتت معروفة الآن جميع التفاصيل المأساوية التي يعاني منها السوريون، داخل الوطن وفي معسكرات النزوح والمنافي الكثيرة، نتيجة وحشية النظام في مساعي قهر الانتفاضة، واللجوء إلى أشدّ الأساليب عنفاً وفاشية، والتطبيق الفعلي لشعار: "الأسد، أو نحرق البلد". ولم تعد خافية أنواع الأسلحة التي استخدمها، من المدفعية الثقيلة والدبابات، إلى صواريخ الـ"سكود" والطيران الحربي، مروراً بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية. كذلك انفضحت التكتيكات الأخرى غير العسكرية، من الحشد الطائفي وتسعير العداء بين فئات الشعب السوري، إلى ارتكاب المجازر وأعمال الاغتصاب والسلب بهدف دفع السوريين إلى ردود أفعال ثأرية يمكن أن تؤدي إلى اقتتال أهلي، وصولاً إلى تشجيع المجموعات الإسلامية المتشددة والجهادية والتواطؤ معها واستغلال ممارساتها البغيضة لتمرير رواية النظام عن هيمنة "الإرهابيين" على الحراك الشعبي.

ولأنّ هذه التكتيكات فشلت، أو لم تحقق إلا القليل من أهدافها، اضطر النظام إلى استقدام مقاتلين من "الحرس الثوري" الإيراني، و"حزب الله" اللبناني، وهنالك الآن قرابة 35 مجموعة أجنبية تحمل العبء العسكري الأكبر بالنيابة عن الوحدات الموالية. ومن المسلّم به أنّ العمليات القتالية التي شهدتها مناطق القصير ويبرود والقلمون، بصفة خاصة، دارت رحاها بين "الجيش السوري الحرّ" وهذه المجموعات الأجنبية، ولم يكن للنظام أيّ دور عسكري ملموس في حسمها.

سلاح النظام الأخير كان الدعم المطلق، المالي والعسكري والتسليحي والدبلوماسي، الذي تمتع به من حلفائه في إيران وروسيا؛ مقابل تلكؤ المجتمع الدولي عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، في اعتماد خيارات كفيلة بتعديل موازين القوى، سياسياً وعسكرياً. يُضاف إلى هذا ما تمارسه إسرائيل من ضغط خفي، وعلني أحياناً، لإطالة عمر النظام ما أمكن، تحت مبدأ أنّ "الشيطان الذي نعرفه"، أي آل الأسد، خير من أيّ "شيطان" سوري آخر يعقب سقوط النظام، ومن المؤكد أنه سيكون أكثر عداءً لإسرائيل، ولن يُبقي خطوط التماس في الجولان المحتل هادئة وساكنة وآمنة، كما كانت عليه حالها طيلة 40 سنة ونيف.

وليس غريباً أن يبدو مشهد الانتفاضة السورية بالغ التعقيد اليوم، في سنتها الرابعة. ذلك لأنّ مجمّع النظام، القائم على المؤسسة الأمنية والعسكرية المتحالفة مع المال القذر وشبكات المافيا المحلية والدولية، يواصل اعتماد خيارات في القمع ليست طرائق مستحدثة لقهر الانتفاضة الشعبية الراهنة، وحدها؛ بل هي جزء تأسيسي لا يتجزأ من ذلك النهج المتكامل الذي اعتمده النظام في العلاقة مع المجتمع، ونهض على مختلف طرائق الترهيب والقمع والتنكيل. وهنالك حفنة من الحروب الوجودية التي لا تُخاض على الأرض السورية إلا من باب الاستماتة في حفظ بقاء قوى وميليشيات وكيانات مذهبية أو طائفية او فئوية؛ على غرار "حزب الله"، و"الحرس القومي العربي"، وحزب التوحيد العربي"، في لبنان؛ أو "لواء أبو الفضل العباس"، و"جيش الإمام المهدي"، و"لواء أسد الله الغالب"، في العراق...

والمشهد بالغ التعقيد، أيضاً، لأنّ ما يجري ليس حرباً أهلية أو طائفية أو جهادية، بين أديان أو طوائف أو مذاهب أو إثنيات أو مناطق؛ بل هو انتفاضة شعبية تتعرّض لإبادة جماعية، وتطهير مناطقي، ومذابح تعيد إنتاج أبغض تقاليد الهولوكوست. ولهذا فإنّ انتصار الشعب السوري سوف يغيّر وجه المنطقة بأسرها، ولن يفتح المزيد من الآفاق أمام انتفاضات العرب الأخرى، في تونس ومصر وليبيا واليمن، فقط؛ لكنه سيكسر المشروع الفارسي الإيراني في مثلث العراق ولبنان وسورية، وسينقل الوعي العربي بمعنى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية إلى أطوار جديدة أرقى.

وإذا صحّ أنّ الانتصار قادم، لا محالة، وهو مسألة وقت؛ فالصحيح أيضاً أنه، وللأسف، يتطلب خسائر فادحة سدّدها، ويواصل سدادها، الشعب السوري. فلا خيار آخر تبقى أمامه، في نهاية المطاف.

عن 24 ae

وكالة كل العرب الاخبارية



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك