المزيد
ما بين الحلم واليقظة

التاريخ : 21-03-2014 |  الوقت : 05:09:45

من كثُرت أحلامُه خفّ منامُه وسارع خيالُه بعد اليقظةِ بالتأويل سلباً أو إيجاباً . وأكثرُ الأحيانِ تميل النفسُ البشرية للخيرِ والإبتعاد عن الشرِ في التآويل . حلم المنام يبقى في كثيرٍمن الأحيانِ لايسترعي الزمانَ ولا يُوظّفُ به المكانُ توظيفاً صحيحاً ويبقى مقيّداً بل ومُقاداً لبعض خلاياالمخّ التي لا تستوعب جيّداً ما حدث وليس لها القدرةُ على التّنبّئ بما سيحدث . هكذا يقول العلمُ "التجريدي"الحديث .

ولعلمِ النفسِ منطقٌ آخر . الجنديُّ المحاربُ يحلم بالموت ، المُحبُّ يحلم
بحبيبته والغنيّ الصادق بالخيرِ والكاذبُ بضياع ماله . وما بين هذا وذاك
تبقى نفسُ الحالم هي المسيطرةُ على أحلامه .

أمّا حلم اليقظة عادةً لا يخرج عن سيطرةِ الحالمِ رغم انطلاقاته لمساحاتٍ شاسعةٍ وغالباً ما يُتعمّد . وكلّما ابتعد الحالمُ عن الواقعِ وفقد السيطرةََ على خيالهِ كلّما وقع في شرك الأمراضِ النفسيةِ ، وليس من الغريب أن يُسمّى من أجل ذالك بالحلاّمة . وهو ذا بعينهِ من يقعُ بين الحلمِ واليقظة .

ولمّا كنتُ لا أنوي بهذا الحديثِ إسهاباً لأخلص إلى ما أنا بصدده ، أتركهُ للقرّاء الكرام لعلّ منهم مَن يستهويه نقاشُه .

كنتُ قبل زيارتي الأخيرةٍ للرمثا والتي امتدتْ إلى أكثر من شهرين قليل الأحلامِ ، كثير اليقظةِ ، مرتبطاً بالواقعِ ارتباطاً مباشراً . ولكن هذه الزيارة قلبت موازينَ واقعي اليومي إلى واقعٍ أصبح يتأرجح بين حلمٍ متشكل الألوان ، ينتابني في سُباتي بعد يومٍ حافل بالعمل ، ويقظةٍ تتكرّر بها ذكريات هذه الزيارة . ولعلّ الله سبحانه وتعالى يريد أن يخفّف عني شرّ أحلامي بما أنعمه عليّ من هذه الذكريات الجميلة لملاقات أحبابي ومن الأصدقاء ما صدقوا لي فحبّوني وحببتهم معتزّاً بهم . كلٌّ منهم كان لي سنداً وظهيراً ، لهم أجلّ تحيّةٍ وعرفانٍ بالجميل .

أمّا أحلامي التي تقلقُ مضجعي بعد هذه الزيارةِ فلا تفسيرَ لها سوى ما عانيتُه بها من خروجِ الناسِ عن المنطق البشريّ ومن سلوكٍ وتضليلٍ وارتقاءٍ لقمةِ المرواوغةِ وإهانةٍ للقيمِ والدين . هذا عدى عن التسيّب في تنظيم القائمين على أمور كل ما تتطلبه الحياة .

حلمتُ مرّةً أنني أقف بسيارتي فجأةً على شفى وادٍ عميقٍ لا أستطيعُ مجاوزته ، وما أن بدأتُ بالبحثِ عن جسرٍ ليوصلني إلى الضفةِ الأخرى من الوادي حتّى أفقتُ نصف إفاقةٍ ليتبيّن لي تدريجيّاً بأنّ الأودية ما هي إلاً " مطبّات " شوارع الرمثا التي زَرعتْ بخواصري ديمومةَ الألمِ لشهورٍ مقبلةٍ وجعلت من مركبتي كزاحفةٍ على الجليد ، أسمع أنّاتها وعنّاتها كلما امتطيتُها، عدى عن صريرِ مفاصلها ، ولو نطقتْ لطلبت الإنتحار .

ومن الأحلامِ التي أصبحتْ تُزعجني تلك التي تتعلقُ بمشكلةِ السير بالرمثا، ومنها أنني كنتُ في حلمي أقود سيارتي على عجلٍ من أمري ، ولا أعرف لماذا . وقد حوصرتُ من جميع الجهاتِ من سياراتٍ مختلفة الأشكال والأحجامِ بكوكبةٍ لم أرى مثلَها بحياتي ، منها ما صُفّ أريافاً ، ومنها ما كرّ يساراً وآخر فرّ يميناً ، وأمامي أبى قائدُ إحداها السيرَ وهو على وقعِ أعلى درجاتٍ من الموسيقى يتحدث بصوته الجَهْوَري لمن يقف بجانبه .
أماّ ما أطبقَ على مسامعي وأرعدَ فرائصي ما جائني من الخلفِ من أصواتِ أبواقٍ بأشكالٍ تتخطى ذوقَ كلّ من قال أنا إنسان .
وبينما أنا كذالك وإذ بسيارتي تتحول تدريجياً إلى شكلٍ من أشكال الدواب
وأظنه كان حماراً . وسار بي من بين المراكبِ كلّها وما كنتُ أسمعُ إلاّ قهقهات
من حولي والتي ما كنتُ أهبه بها . وما كدتُ أن أتخلصَ من كوكبة الحشر،
وعلى بُعد عدةِ أمتارٍ وإذ بي أُزفُّ من صبيانٍ كانوا يتواجدون هناك . وحثثتُ حماري على السيرِ لأتخلصَّ منهم ، لكنّ أعدادهم تزايدت ، وهم
يضحكون ويصرخون " هي شوفوا السايح أبو طاقية على حمار " ويُشيرون إلى قبعتي وربطةِ عنُنقي ،وهنا استيقظتُ من شدة عطشي
وبعد وهلة حمدتُ الله على سلامتي .

ومن بعض أحلامي ما زال يؤلمني حقاً وأفيق منه بألمٍ برأسي . وسببُ ذالك
معاداة بعض الصنادل لي في إحدى شوارع الرمثا المكتظة بما هو كل متحركٍ وجامدٍ أو ثابتٍ . وأعتقدُ وكما شُبّه لي ، وكأنّه كان ما يُطلق عليه بشارع البنوك . رأيتُ فيما يرى الحالمُ تلك الصنادل كلها مصطفة مدلّية وكأنها تتهيئ للقائي عند مروري في هذه الزاوية . فما إن أُقبل حتى يصيح كبيرها برفاقه هاهو قد أتى وعلى رأسه قبّعة فأحكموا ضرباتكم . وما كان لي من سبيلٍ للهروب لشدة الزحمةِ وخطورةٍ السيارات ، أُجبر على مكافحة الصنادل بيديّ لعلّ وعسى أنفذُ منها دون أذيّة . ولكن هيهات ، فكبيرها يوجّه لي بعضَ الصفعاتِ فأُجبَرُ على الهروب إلى الجهة الأخرى وخلفي أسمع صوتاً من داخل القبوِ يلاحقني " طبْ ما طّخي يا دُكتر ! " وفي الجهة الأخرى ومن السرعةِ والرعبِ أعثرُ بكيسٍ مملوءٍ بالزبيب ، مقعدٌ على ممرّ المشاةِ ليرميني أرضاً .أُقوم وألملم نفسي وأحاولُ المشيَ بصعوبةٍ على ما يُسمى بممرّ المشاة ، وما هي إلاّ خطواتٌ حتى يلفّني جلبابٌ مدلّى على الممرّ ، وما خلصتُ منه حتى رأيتُ نجوماً في السماء في وضح النهار . وهنا أصبحتُ أتلجلج من جهةٍ إلى أخرى في الشارع ، وفجأة حسبتُ أن الدنيا جادت علينا بالشتاء وابتلّ رأسي ، ونظرتُ عالياً وإذا به بأحد البلاكين قد صرّف مياهه على رأسي . وتحسّستُ رأسي وإذا بي أفقدُ قبعتي ، وإذا بها تتطاير بين أرجل الصبيان يلهون ويلعبون بها . دقّ التلفون وقمتُ أبحثُ عن قبعتي الثمينة ، ويأتي الصوتُ " دكتور طاقيتك هيها عندنا " . وحمدتُ الله على سلامة القبعة .

لن أطيل على القرّاء الكرام بأحلامي وهي كثيرة . ولكن حلماً له مذاقُه الخاص وله من التّفسير ما يسرّ مفسّري الأحلام . رأيتُ نفسي أنّني أدخل على شابٍّ بمكتبٍ لا بأس ببهوه ، ذو هيئةٍ أنيقةٍ وشنبٍ مقنّبٍ وربطة عُنقٍ تلائم هيبته . يأمر وينهى وبجواره جرّةٌ من الحليب وبين يديه قربةٌ يحاول النفخَ بها ، لعلّه ينوي خضَّ الحليب بهذه القربة والتي هي على شكل " شِكوة " . ولكنه وبقدرِ عزمِ نفخه ما رأيتُ لها تمدّداً . ولما دقّقتُ النظر بالقربةِ رأيتُ بها ثقوباً كثيرة . والظاهر أنّه كان على علمٍ بذالك ، لأنه بنفس الوقتٍ كان يُحاول غلقَ هذه الثقوب . لكني رأيتُ من حولِه أقزاماً وأجساماً معنية بعدم غلقِها . فكلما أغلق ثقباً فتحوا له ثقبين .وهكذا بقيت " الشكوةُ " على حالها طوال ما كنتُ عنده . فأحزنني حالُه ، وأفقتُ من منامي محزوناً،وبعد وهلٍة حدّثتُ قرينتي بما رأيتُه وذكّرتني بزيارتي قبل يومٍ لفخامة رأيس بلديّتنا .

هذه هي بعض أحلامي بعد زيارتي لرمثانا الحبيبة وعندي من شاكلتها الكثير . معذرةً للقرّاء الكرام ، إن كنتُ قد بحتُ ببعضٍ منها .

وكالة كل العرب الاخبارية



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك