المزيد
الإنترنت مجتمع متكامل لا يعترف بالزمان والمكان

التاريخ : 15-03-2014 |  الوقت : 09:48:32

يرصد الباحث الاجتماعي نديم منصوري في كتاب "سوسيولوجيا الإنترنت" الصادر عن "منتدى المعارف" قضية لحظوية وآنية، كونه يواكب الظواهر المستجدة التي عكسها الإنترنت في مجتمعاتنا . يذكر الكاتب أن "الإنترنت أسهم في خلق أنماط غير تقليدية من الجماعات، والعلاقات الاجتماعية والتفاعلات التي لا ترتبط بهوية أو قومية أو حدود جغرافية . تتشكل هذه العلاقات ضمن الفضاء السايبري، بشكل غير مشروط، غير محدد المعالم والأبعاد، يحددها أصحاب الاهتمامات المشتركة ضمن الفضاء المعلوماتي الواحد" .
ما تعريف ب"سوسيولوجيا الإنترنت"؟ يقول الكاتب إن "مجتمع الإنترنت أصبح واقعاً له ثقافة معينة وقيم ولغة خاصة تطال جميع شرائح المجتمع خاصة الشبابية، حيث بات جيل الشباب اليوم يطلق عليه ب"الجيل الرقمي" . يضيف أن "تفاعل الناس مع التقنية الصمّاء و"التأثر" يعني أن هناك "ولادات اجتماعية"، ما قد تشكّل السوسيولوجيا، أو بالحد الأدنى الموضوع السوسيولوجي . من هنا كان السعي إلى دراسة "سوسيولوجيا الإنترنت"، كمسعى للولوج إلى هذا العالم المعرفي الجديد، الذي يتضمن الكثير من المفاهيم والظواهر السوسيولوجية التي باتت تستدعي تدخل السوسيولوجيين لفهم دلالاتها وانعكاساتها في المجتمع .
يعترف الكاتب بأن "اختيار الظواهر التي يعج بها الإنترنت لدرسها ووضعها هدفاً بحثياً مسألة في غاية الصعوبة، لأننا لا نجد ظاهرة معيشة في الواقع الحقيقي إلا وبات لها مرادف في المجتمع الافتراضي" . لذا "تم اختيار أكثر الموضوعات تداولاً في مجتمع الإنترنت، من دون الادعاء أننا استطعنا أن نشمل كل ظواهر الإنترنت في هذا الكتاب، فهذه مهمة في غاية الصعوبة وتحتاج إلى مجلدات لتحويها ولن تحويها" . يضيف "تمّ التركيز على أبرز الظواهر والقضايا التي يهتم بها القارىء العربي، والتي تطرح لديه تساؤلات وعلامات استفهام . من جهة أخرى برز الكثير من المفاهيم الرامية إلى فهم ظواهر الإنترنت ضمن عوالم المعرفة التي أنتجها، هذه المفاهيم الجديدة المتبلورة لم يتعد بعد زمن تداولها ثلاثة عقود، مما يجعلها مفاهيم فاقدة للإشباع المعرفي، خاصة أن الكثير منها ما زالت في قيد الإنتاج والتبلور، ذلك أن ظواهر الإنترنت لم تهدأ على أثر تفاعل الناس معها .
في الفصل الأول من فصول الكتاب العشرة، يدخل الكاتب مجتمع الإنترنت ويقول إنه "مجتمع اخذ طابعا معينا وله شخصية بحد ذاته" . . يذكر سمات عديدة لهذا المجتمع منها الافتراضية، فالعلاقة بين الطرفين ليست علاقة إنسانية كما في المجتمع الواقعي، بل إنسانية مفترضة أيّ متفاعلة بين إنسان وإنسان عبر وسيط آلي وبشكل غير مباشر . عن سمة الخيائلية يشرح أن "الخيال هو أكثر ما يبحث عنه الإنسان أكثر من الحقيقة وهو مصدر أساسي للإنتاج والإبداع . هذه العلاقة الخيائلية بين الأفراد بحد ذاتها هي جذابة للمستخدم، ولهذا السبب يطرح أفكاره كما يشاء، ولذلك نجد أن التعبير للآخر عبر الإنترنت يختلف عنه في التعبير الواقعي ضمن الحياة الاجتماعية" . يضيف أن "التفاعلات المقرونة باللامعقول واللاملموس واللامحسوب تجذب الفرد الذي يعيش مجتمع العقل والحس والحساب بشكل أكبر، خاصة الفئات الشابة التي تبحث عن التغيير وعن الوسائط الحرة التي تخرجهم من القيود الاجتماعية والدينية والقيمية" . أيضاً من السمات تبرز "اللامركزية" وعدم وجود سلطة مركزية محددة للتعاطي والتواصل ما فتح العالم في علاقات اجتماعية لا محددة يختصر فيها الزمان والمكان . أما "التشاركية" تظهر من خلال التفاعلات المشتركة عندما يوحّد الأفراد الرقميين في قضية اجتماعية واحدة . ويبرز التفاعل التشاركي الإلكتروني جلياً من خلال الثورات العربية . في حين أن "الهوية الخفية" تسمح في المجتمع الافتراضي في التعبير عن النفس بعيداً عن التقيّد بالقواعد الروتينية التي يفرضها المجتمع الواقعي . يدخل ضمن السمات ما يطلق عليه "القلق الإلكتروني" الناتج عن التفاعلات الإلكترونية بين المستخدمين بشكل مستتر لا يظهر للعلن الفضائي بقدر ما ينعكس على الشعور الإنساني . أما "الاختيارية" في المجتمع الافتراضي، فتسمح للفرد بأن يختار الشخص الموضوع والزمان الذي يريده ويحدده .
في الفصل الثاني يتناول "الإنترنت والشباب العربي"، عارضاً مميزات هذا الجيل وأبرز اهتماماته خلال متابعته للإنترنت خاصة من خلال المدونات والمنتديات أو "فيس بوك"، ودوره وتفاعله مع الثورات العربية 2011 ونشاطه عبر الإنترنت . في فصل "الإنترنت والإعلام" يشرح التغيرات التي تعرضت لها المفاهيم الإعلامية وتحوّل الإعلام إلى إعلام جديد يختلف عن صورته التقليدية التي باتت محدودة مقارنة بما قدمه الإنترنت، ودور هذا الإعلام في عملية التغير في المجتمع . يقول "غيّر الإنترنت المفاهيم الاعلامية وأحدث حالة من التغيير على المستوى الاجتماعي، خاصة بين الشباب العربي الذي وجد نفسه أمام اعلام مفتوح يتخطى الحدود ويتجاوز الرقابة والقوانين التي ترتكز على تقييد حرية التعبير" . في فصل "الإنترنت والمواطن الافتراضي"، استطاع الإنترنت أن يخلق مفهوم الدولة الافتراضية التي يعيش بداخلها مواطنون افتراضيون يتمتعون بالانتماء الآلي والهوية الرقمية . من هنا، فإن المجتمعات الافتراضية نعرفها أنها مجموعة من الأفراد يتشاركون عبر شبكة الإنترنت لفترة زمنية لتحقيق غاية أو هدف أو هواية من خلال علاقة اجتماعية - افتراضية تحددها منظومة تكنو-اجتماعية . فهل علينا اغفال الحقيقة الافتراضية الموجودة . . نحن نعيش ضمن مجتمعين الواقعي والافتراضي شئنا أم أبينا .
في "الإنترنت واللغة" يقول الكاتب "لا بد من الاعتراف ان جميع النماذج اللغوية تمثل لغة المجتمع الافتراضي بغض النظر اذا ما كانت تؤثر سلبا في المجتمع الواقعي ام لا . الحقيقة ان الإنترنت ليس وحده المسؤول عن تغير لغة الشباب، فالثنائية اللغوية، الهيمنة اللغوية الغربية، إضافة إلى سيطرة برامج التعليم المدرسي والجامعي بحسب المنهج الغربي الذي لا يهتم أصلاً باللغة العربية، وصولاً إلى المسلسلات والأفلام التي يتأثر بها الشباب، كان لها الأثر الكبير في تكريس هذه النماذج اللغوية الجديدة . "الإنترنت وقواعد التخاطب الإلكتروني" شكّل الفصل السادس من الكتاب، يتحدث عن آداب التواصل بين المستخدمين، تفاصيل هذه القواعد وتجاوزات التواصل الاجتماعي . يقول الكاتب إن "المجتمع الافتراضي هو مجتمع متكامل له أصوله وقواعده وشروطه، ولولا ذلك لما وضعت قواعد للتواصل الإلكتروني، أو سنّت له قوانين لمحاسبة من يخالف أدبيات هذا المجتمع . يحتوي هذا المجتمع على معظم القيم الإنسانية التي يحتويها المجتمع الواقعي (الصداقة- الحب- الغيرة- الصدق- الكذب- الأخلاق- الشجاعة- حب الوطن- الدفاع عن حقوق الآخرين) . 
وعليه، فإن لهذا المجتمع المتفاعل مع بعضه البعض لا يعقل أن يبقى فضاء حراً من دون أيّ قيود تضبطه . ان قواعد آداب التواصل الإلكتروني "ناتيكت" شكل أساسي من أشكال هذه الضوابط التي لا بد للأفراد الافتراضيين أن يلتزموا بقواعدها ليكون انتسابهم إلى هذا المجتمع التزاماً إيجابياً يعبر عن سلوكهم الإنساني الراقي، حتى ولو كانت العلاقة آلية أو افتراضية" . أيضاً يخصص الكاتب في الكتاب فصولا لكل من "الإنترنت والنشاطات الجسدية" التي تشكل جزءاً كبيراً من اهتمامات الشباب، عارضاً أنواعها وانعكاساتها في المجتمع . "الإنترنت والاقتصاد" والمفاهيم الاقتصادية الحديثة، لا سيما التجارة الإلكترونية والإعلانات الإلكترونية وتأثيراتها . أيضاً "الإنترنت والسياسة" وكيفية تشكيل الرأي العام، ولنتحدث عن الدبلوماسية الرقمية التي تطرح مفاهيم جديدة في عالم السياسة، أيضاً كيفية استخدام السياسيين للإنترنت في الانتخابات لوصولهم إلى السلطة . في فصل "الإنترنت والإسلام السياسي" يعرض كيف استطاعت الأحزاب السياسية الاستفادة من الإنترنت لعرض برامجها وأفكارها وتعبئة الجماهير لصالحها .
يخلص الكاتب إلى أن "تقنية الإنترنت والتعامل معها ليست بالمجمل سلبية، وهناك إيجابيات كثيرة . هنا التعويل يكون عن كيفية الاستفادة من التقنية بالتحكّم بها . ومن الضرورة التحكم بالمحتوى الرقمي العالمي، لكون العربي منه لا يشكّل إلا 2 % فقط وكله نسخ وترجمات، يجب أن لا نظل أسيري الدول التي تسيطر على التقنية، ونحن نستطيع أن نخلق محتوى جديداً يمكن أن يكون مفيداً ومؤثراً في مجتمعاتنا . وكالة كل العرب الاخبارية



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك