عندما يكون المسؤولون الأمريكيون في مناصبهم، لاشك، أنهم يعدّون جيداً لأية كلمة إلى الإعلام، وفي الوقت ذاته لا يشعر الشعب الأمريكي أو الرأي العام العالمي أن هناك مشكلة أو خلافاً بين قيادات الإدارة الأمريكية على صعيد سياستها الخارجية، لكن المثير في الأمر أن أمثال هؤلاء يوجهون انتقاداتهم وملاحظاتهم بعد التقاعد في مذكراتهم، هذه حال عدد من الرؤوساء والوزراء الأمريكيين، وأحدهم وزير الدفاع السابق روبرت غيتس .
قبل أن يصبح غيتس وزيراً للدفاع من 2006 إلى ،2011 عمل ضابطاً في القوات الجوية الأمريكية، وكان موظفاً في وكالة المخابرات المركزية، وذلك قبل تعيينه مديراً بأمر من الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، إضافة إلى ذلك كان عضواً في مجلس الأمن القوميّ في أربع إدارات، وخدم ثمانية رؤوساء أمريكيين من كلا الحزبين السياسيين، وله سجل مميز في القطاعين الخاص، والأكاديمي، من ضمنه عمله مستشاراً في كلية ويليام وماري . وهو يحمل شهادة دكتوراه في التاريخ السوفييتي والروسي من جامعة جورج تاون الأمريكية .
بعد تقاعده بثلاث سنوات، نشر غيتس مذكراته في كتاب بعنوان "واجب: مذكرات وزير الحرب" عن دار النشر الأمريكية "كنوبف" .
ويشير فيه إلى أن عمله وزيرا للدفاع كان تلبية لنداء واجب لخدمة وطنه، ويتناول فيه المشاهد الخفية خلال السنوات الخمس التي قضاها، ومعاركه مع الكونغرس، وكيفية تعامله مع الرئيسين الأمريكيين بوش وباراك أوباما، فضلاً عن علاقته مع الجيش نفسه، وبيروقراطية البنتاغون الهائلة، إضافة إلى جهوده لمساعدة بوش في العراق، كما يتحدث عن إخلاصه وحبه لجنوده الأمريكيين أو كما يسميهم "أبطاله" .
في رحلته الشخصية على رأس وزارة الدفاع، يأخذنا غيتس كقراء إلى الجوانب الأعمق في القوة العسكرية والحكومية الأمريكية خلال ذروة حربي العراق وأفغانستان، ويسلط الضوء على الشخصيات الأيقونية الأمريكية موجهاً لها انتقادات شديدة .
يناقش غيتس قضية المفاوضات الإشكالية في العراق وأفغانستان، كاشفاً بعض التفاصيل الدقيقة التي سببت إزعاجاً للمسؤولين الأمريكيين والإدارة الأمريكية، ويقدم خلالها بعض تقييماته لشخصيات في عمق القرار الأمريكي مثل ديك تشيني، وهيلاري كلينتون، وجون بايدن، والرئيسين بوش الابن، وأوباما، إذ يزيح الستار عما كان يحدث وراء الأبواب المغلقة في قلب إدارتي بوش وأوباما .
ويستعرض بعض الجدالات التي كانت تحدث خلال فترة خدمته في الوزارة، ورؤيته للمهمة الأمريكية في أفغانستان والعراق، والسياسة الخارجية الأمريكية مع إيران وسوريا، ويجد أن قتل ابن لادن في تورابورا بباكستان، كان أمراً شجاعاً اتخذته إدارة أوباما .
ينقسم الكتاب إلى خمسة عشر قسماً ويقول غيتس في مقدمته: "هذا كتاب عن أكثر من أربع سنوات ونصف السنة من الحرب، إنه بالطبع، عن حربي العراق وأفغانستان، حيث الانتصارات الأولية في كلا البلدين تعرضت للتبدد بسبب الأخطاء، وضعف البصيرة، والصراع في ساحة المعركة، إضافة إلى واشنطن، الأمر الذي قاد إلى حملات طويلة لتجنب الهزيمة الاستراتيجية" .
يكاد يكون هذا الكتاب عن حرب حقيقية بأشكال نفسية متعددة، إذ يعبر فيه المؤلف عن حروبه مع كل من حوله، ومشاعره في كل خطوة كان يتخذها قائلاً: "إن هذا الكتاب عن الحرب ضد القاعدة وأسامة بن لادن، المسؤولين عن مأساتنا الوطنية في 11 سبتمبر/ أيلول ،2001 لكنه أيضاً عن الحرب السياسية مع الكونغرس في كل يوم كنت فيه بمنصبي، والتناقض الدراماتيكي بين احترامي العام، والحزبيّ، وهدوئي، وإحباطي الشخصي، واشمئزازي، وغضبي" .
ويضيف: "كما كانت هناك أيضاً حروب سياسية مع البيت الأبيض، غالباً مع طاقمه نفسه، وفي بعض المناسبات مع الرؤوساء أنفسهم، ومع الرئيس أوباما أكثر من بوش، وفي النهاية كانت هناك حرب البيروقراطية مع دائرة الدفاع والخدمات العسكرية" .
من المتعارف عليه أن الرؤوساء الجدد يأتون بوزراء جدد، خاصة وزارة الدفاع، إلا أن روبرت غيتس حالة فريدة، إذ أنه أول وزير دفاع في التاريخ يطلب منه رئيس منتخب حديثاً أن يبقى في منصبه، خاصة أنه من حزب مختلف عن الحزب الحاكم، وكان الهدف من مجيئه في عهد بوش في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2006 إنقاذ المهمة في العراق من الكارثة الحتمية، ويعلق على ذلك: "لم يكن لدي فكرة بكيفية عمل هذا، ولا أي فكرة عن التغيرات الشاملة التي سأحتاج إلى القيام بها في البنتاغون لجعلها كاملة . ولم يكن لدي فكرة كيف أن مهمتي على مر الزمن سوف تمتد ما وراء العراق" .
لاشك أن وزراء الدفاع يتميزون بصرامتهم وملامحهم القاسية أمام الجمهور العام، إلا أن غيتس يتحدث عن عاطفته تجاه قواته، فهو أشبه ما يكون بالأب الذي يخاف أن يمس أبناءه بسوء، ويقول عن ذلك: "كلما أنظر إلى الوراء، أجد أن هناك أمراً متناقضاً في السنوات الخمس في الحرب وهو الحب، أقصد بذلك عاطفة الحب، إذا ليس هناك من كلمة أخرى تنوب عنها، تجاه قواتي، وإحساسي الكبير بمسؤوليتي الشخصية من أجل تطويرها، وهو ما دفع إلى تشكيل الكثير من قراراتي ومواقفي، وبقدوم نهاية فترتي في المنصب بالكاد ما كنت أتحدث إلى الجنود أو عنهم إلا والعاطفة تغلبني" .
البيت الأبيض رد على بعض الانتقادات التي أوردها في الكتاب روبرت غيتس، خاصة تجاه السياسة الأمريكية في أفغانستان التي كان جون بايدن والرئيس الأمريكي أوباما مشرفين عليها، فهما من وجهة نظره أقدما على اتخاذ قرارات خاطئة في السياسة الخارجية، كان لها تأثيرها السلبي على الأمن القومي الأمريكي، ويشكك في سياسة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، وطريقة تعاونه مع القوات الأمريكية، وكذلك في قدرات القائد العسكري في أفغانستان الجنرال ديفيد بترايوس . وكالة كل العرب الاخبارية