المزيد
المهرج !

التاريخ : 18-02-2014 |  الوقت : 11:51:30

المُهـــــــرج!

بسام الياسين

جلس تحت صلعته التي تعكس غباء رفيعاً الذي لا يدانيه احد في هذا المضمار.اخذ يعبث بانفه،بحركة احترافية تنم عن عادة متاصلة، تُعرف في علم النفس بالفعل الوسواسي القهري.رن هاتفه بنغمة موسيقية راقصة.تناوله بعصبية،وبعد حديث مقتضب،قال لمحدثه على الطرف الآخر،انه مرهق من ضغط "الشغل"،كما انه لم ينم ليلة امس بسبب تهيج القولون العصبي، جراء هجمة الصحافة والمواقع الالكتروية وصالونات النميمة العمانية عليه. اغلق الهاتف بعصبية و هو يتمتم :هؤلاء دخلاء على المهنة،ولهم اجندات منفعية،اما زبائن الصالونات فجُلهم من المتقاعدين المصابين بالكآبة الباحثين عن المناصب،هم اشبه بالمطلقات اللواتي لا يتقنّ الا النق كضفادع ،ونسوا او تنسوا انهم كانوا بالامس في ذات المواقع التي ينتقدونها اليوم مع انهم سبب خرابها. *** التفت نحوي وقال : لقد استيقظت متاخرا،ولم اتناول قهوتي الصباحية،وارغب احتساء كاساً من اليانسون لعله يمنحني قليلا من الهدوء..ارجوك ان تشاطرني هذا الشراب المنعش.اومات براسي علامة الايجاب وقلت له مداعباً: لنجرب شرابك السحري فشعار المرحلة" كلنا متوترون". *** ضغط على جرس امامه،فحضر على الفور شاب طلب منه كاسين من اليانسون بلا سكر.وبحركة لا ارادية عاد للنكش بانفه،ثم استند على كرسيه الوثير وقال متاففا : في هذه الايام لا يقّدر الناس الا المسؤول الكسول.انظر يا صديقي من اعلى برج الى المدينة.سترى كل شيء على ما يرام،ويجري بدقة ساعة سويسرية،مضبوطة على دقات "بيج بن الشهيرة".و رغم ذلك،فان الناس غير راضين عني.تصور انني انجزت في فترة قصير ما لم تستطعه الاوائل.الخدمات مؤمنة للجميع،والمرافق تضاهي الدول المتقدمة.والمواصلات افضل الف مرة من شبكة الانفاق اللندنية،فهي اكثر سرعة واقل كلفة.اما المياه فانها تصعد للجبال بسرعة عالية،وتهبط لقاع البلد مثل شلالات نياجارا وليست مثل شلالات ماعين،وفوق ذلك فانها تصل للبيوت باردة في الصيف دافئة في الشتاء،من دون انقطاع ـ فالمواطن اغلى ما نملك ـ . *** وهل تعلم انني اشرفت بنفسي على مطاردة البعوض،وتطويقه في معاقلة،فقتلت اعداداً لا تحصى بينما الجموع المرعوبة منها ولت الادبار خارج حدود المدينة. ولا تنسى انني قمت شخصيا بقيادة اكبر حملة للنظافة.الشباب يشيلون الزبالة و انا خلفهم اقشط بالقشاطة،حتى انك تستطيع المشي حافياً في شوارعنا من دون ان تتسخ قدماك.تنحنح بشدة وبصق في منديل ورقي ثم كوره بين اصابعه ،وقذفه الى سلة المهملات،لكنه اخطأ التصويب. اما الذباب اجهزت عليه في قلاعه، ولم يحميه اللجوء الجماعي للحاويات الحديدية،فقد قلبتها عليه كي اكتم انفاسه بلا مبيدات حشرية. *** رشف ما تبقى من كاس اليانسون،ومد لسانه لزاوية فمه اليسرى، ليلتقط قطرة علقت هناك.وبلا مقدمات انفجر متحدثاً بصوت عالٍ اقرب الى الصراخ عن انجازاته الحالية،و استشرافاته المستقبلية.في هذه الاثناء هرع الموظفون الى مكتبه معتقدين ان مديرهم العاقل فقد صوابه.هنا دب به الحماس امام المحتشدين كمدرب كرة معتزل بعد اجراء عملية بروستات دقيقة له ،فاعتلى ظهر الطاولة، واخذ يخطب فيهم على طريقة هتلر، ظنا منه انه يستطيع التاثير عليهم ليصبحوا ابواقا دعائية له وينشروا انجازاته الخارقة للعادة،لكن الخبثاء من الوظفين الشباب، راحوا يصفقون له تارة ويصفرون تارة اخرى، ليزيدوه شحناً وصراخاً. *** عندما بُح صوته توقف قليلاً،ونظر نحوي والعرق يزرب من ذقنه متسائلاً :قل يا صديقي ماذا يريد الناس مني اكثر من ذلك؟!.بالله عليك ماذا يريدون مني،و انا الذي اشتعل راسي شيباً منهم وفي سبيل خدمتهم ؟ّ. قلت له : يا صديقي انهم يريدون منك شيئاً سوى ان "تعيرهم سكوتك" و تغلق فمك.



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك