المزيد
حنينُ الإنسان إلى جذوره وراء عودته إلى الأصالة

التاريخ : 03-02-2014 |  الوقت : 06:27:50

وكالة كل العرب الاخبارية: على الرغم من الحداثة والتطور الكبير في عالم الأثاث والديكورات، إلا أن الكثير من الناس أصبحوا يميلون إلى الجلسات العربية والديكورات الشرقية العتيقة التي تتسم بالبساطة والأصالة.
الميل إلى الجلسات التراثية والجلسات القديمة بدا واضحا في منزل الأربعيني خالد الحديدي الذي اختار تصميم "العقد القديم" لغرفة الجلوس، لافتا إلى أنها تعطي رونقا مميزا على البيت، وتضفي سحرا وجمالا مميزين.
ويقول "التراث قبل أن يكون مجرد ماض، هو رسالة تلامس الحنين والشعور بالانتماء الذي يسكن كل نفس فينا"، مبينا مدى الأثر الجمالي الذي أضفاه الديكور التراثي، ومدى إعجاب كل من زاره وشاهد هذا الديكور.
المبنى مزيّن بالحجر الأصفر الذي يملأ جدران الصالون بصورة تماثل "العقد"، وهو مبنى قديم يعود إلى أيام الستينيات، تضيئه فوانيس تشع بالضوء الخافت، بألوانه المتعددة، ومنها الأصفر والبرتقالي اللذان يجعلان من المكان أكثر روعة وجمالا، ولا مفر للناظر إلى ذلك المكان من أن تشده البسطُ الحمر التي تغطي المجالس، والتي تتدلى منها الهدب بمختلف ألوانها، وأواني الفخار التي تمتلئ بثمار الصنوبر المجفف.
من جانبه حرص الثلاثيني أحمد عيسى في بناء بيته، على مزج الأصالة بالمعاصرة، حيث بدا ذلك واضحا في طريقة بناء الشبابيك والأبواب والحجر المستخدم في البناء.
ويضيف "عندما أنظر إلى الحجارة الصفراء وشبابيك الخشب أشعر براحة كبيرة"، مستذكرا بيت أجداده الذي كان يمضي فيه معظم وقته وهو صغير.
ويرى أن المباني القديمة بجماليتها الخاصة، وسحرها المميز، تشعره بارتياح كبير، وهو ما جعله يدخل الكثير من التصاميم القديمة في منزله الجديد.
حارث محمد، الذي سكن فترة طويلة خارج البلد، عاد ليرمم منزل أجداده الواقع في مدينة إربد ليسكن فيه مع عائلته، يقول "حاولت قدر المستطاع أن أحافظ على التصاميم الأصلية للمنزل"، حيث أبقى على الحجر الأصفر الذي بني به المنزل، وأبواب الخشب المرصعة بالفضة ذات الأقفال الكبيرة، كما رمّم المسلة والقفة.
في حين ظلت حياة البداوة التي عاشها الستيني فلاح عوض في صغرi، متأصلة في نفسه، على الرغم من انتقاله إلى المدينة منذ ثلاثة عقود، إلا أنه حرص على أن يوفر في بيته جوا خاصا يشابه الصحراء.
بيت الشعر الذي نصبه فلاح أمام منزله كان تعبيرا عن اشتياقه وحنينه، ومحاولة منه لإيقاظ تلك السنوات الماضية.
ليس بيت الشعر الذي يسكنه فلاح مجرد ديكور جمالي، وإنما بيت وضع فيه كل ما يربطه بتلك السنين، "الجواعد" و"المهباش" و"منقل النار"، و"محماس القهوة"، إضافة إلى قناديل الكاز التي تنير وسط البيت.
من جانبه يشير خبير التراث نايف نوايسة إلى أن هناك حنينا خفيا في نفس كل مواطن اتجاه ماضيه، الأمر الذي يبدو واضحا في لغة التخاطب اليومية بين الناس "كنت وكنا"، وهو ما يدل على حجم الإفلاس الذي أصاب الواقع، واللحظة الآنية.
ويلفت نوايسة إلى أن الإنسان بطبيعته يبحث عن الدفء، في حين أن طبيعة المباني الآن متناسقة مع الحياة العملية المتسارعة، فالشقق صغيرة وملتصقة، ولذلك فإن الإنسان في حنين دائم إلى الحياة العتيقة، وهو ما يجعله يميل إلى طراز المباني القديمة واللوازم القديمة، ليجد فيها شيئا من الحرارة، بعدما لامس نفسَه نوعٌ من البرودة.
ويبين نوايسة أن البيوت القديمة، بعقودها وأبوابها التي ربما مرّ عليها أكثر من 100 عام، وريتاج كل بيت قديم، وما بداخل هذه البيوت من لوازم، كلها تحقق الدفء لهذا الإنسان الذي يعشق الماضي، ويبحث في الجذور والهوية التراثية.
ويردف نوايسة أن الكثير من الناس يعيدون إنتاج الماضي بوسائل حديثة، فيمزجون الأصالة والمعاصرة في آن واحد، منوها إلى أن الإنسان لا يمكن أن ينسلخ عن الأيام، وإن كان أصحاب الوفرة المالية لا تربطهم بالماضي أحيانا سوى ذاكرة ضعيفة.
من جانبه يلفت مهندس الديكور، رامي دياب، إلى ميل الكثير من الناس، مؤخرا، إلى إدخال بعض التصاميم القديمة في منازلهم، يجسدونها في تصاميم داخلية وأخرى خارجية.
التصاميم الداخلية تبدو واضحة، وفق دياب، في الديكورات والتحف، ونوع تشطيب الغرف، والألوان المستخدمة في الغرف، والتي تتنوع بين الصحراوي، والبني والمشمشي، وكذلك في الأثاث الذي غالبا ما يكون في شكل جلسات عربية تتخللها البسط، وبعض الإكسسوارات التي ترتبط بالزمن الماضي، كالمهباش والرحا.
أما التصاميم الخارجية فهي تبدو واضحة في أشكال الشبابيك والأبواب الخشبية الكبيرة، وفي استخدام الزرافيل القديمة، إضافة إلى ميل الكثير من الناس إلى استخدام الحجر الأصفر في البناء.
ويعزو دياب اهتمام الكثير من الناس بالتصاميم القديمة العريقة إلى وجود نوع من الارتباط الوجداني بين الناس وهذا النوع من العمار، إضافة إلى ما تتميز به هذه التصاميم من دفء، حيث تضفي على المنزل سحرا وجمالا، وتنشر الراحة في المكان.
وفي هذا السياق يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة، الدكتور حسين محادين، إن الإنسان المعاصر من أبناء الدول النامية، وذات الإرث الحضاري التاريخي، يعيش صراعا مركبا بين قطفه ثمار الحداثة، في جوانب الثقافة المادية، كالتكنولوجيا وبين الفقر الروحي والثقافي والاجتماعي المغاير لمتطلبات هذه التكنولوجيا وشروطها الحياتية المعاصرة.
 ولذلك، كما يقول محادين، يلجأ أغلبنا إلى العودة، وأحيانا بقوة، إلى الوراء، لوجود رغبة في الانكفاء عن إيقاع الحياة المعاصرة، والاندفاع نحو ماضوية تشربها الإنسان لغويا، وتاريخيا، لكنه لم يعشها بحق.
ويعتقد محادين أن وجود مثل هذه الأدوات داخل البيوت، إنما يعود لمحاولة الاكتفاء بخبرات الطفولة الجمعية التي تمثلها لفترة طويلة، من خلال تنشئته، وظروف حياته الأقرب للريفية منها إلى المدنية، والتي تمثل له واقيا من تحديات العولمة ومعطياتها، في عالم أصبح أحادي النظرة، وأحادي المعايير، يتجلى في قيم الحداثة المادية، وغير المادية، المسيطرة على حياتنا، أفرادا ومجتمعات



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك