المزيد
تناقضات تحملها الشخصيات المبدعة

التاريخ : 31-01-2014 |  الوقت : 08:48:06

وكالة كل العرب الاخبارية: المبدعون؛ في الحقيقة، هم أفراد متواضعون، ويميلون للانفتاح على العالم الخارجي أحيانا، وفي أخرى يميلون إلى الانطواء على أنفسهم، وهم في الوقت ذاته متمردون ومحافظون، فما هي الطبيعة الإبداعية والخلاقة؟
والبعض يبذلون قصارى جهدهم من أجل خلق طرق تميزهم عن غيرهم في الإبداع، وترك بصمتهم الخاصة، ومنهم من يكون عاديا ولا يحاول، غير أنه مميز بطريقته الخاصة ومبدع في مجالات مختلفة.
ويرتقي كل متميز بطريقته الخاصة، فيما تتقارب نسب الإبداع من بعضها، حين تصب في طريق واحدة هي الذائقة الإبداعية واللمسة الخاصة والهوية التي لا تتشابه مع أحد.
وفي الوقت الذي يعد فيه الإبداع الثيمة المشتركة بين رجال الأعمال والفنانين على حد سواء، إلا أن الأفراد المبدعين غالبا ما يشكلون مفارقة على نحو متناقض، كما وصفها كتاب د.ميهالي سيكسز ينتميهاليي من العام 1966، الذي يحمل عنوان Creativity: The Work and Lives of 91 Eminent People، أو (الإبداع: العمل والحياة لـ91 شخصية بارزة).
ويقول ميهالي في كتابه "لقد كرست 30 عاما من البحوث الإبداعية حول الطريقة التي يحيا بها الأفراد المبدعون، وكيف يعملون من أجل فهم أعمق لمعرفة طريقة خروجهم بالأفكار الإبداعية والأشياء الجديدة حتى تصبح أكثر قابلية للتدوال والإدراك".
ويضيف "ولو أتيح لي التعبير في كلمة واحدة عما يجعلهم شخصيات مختلفة فسأختار كلمة "التعقيد"، فهم يظهرون ميلا للتفكير والعمل بشكل أكبر من غيرهم، ولديهم صفات متناقضة ومتشددة، فبدلا من أن يكون كل واحد منهم فردا، فهو بحد ذاته متعدد بمعنى أنه متنوع، بحيث تشمل شخصيته جوانب متعددة لشخوص عدة".
وبحسب ميهالي، فإن الأفراد المبدعين يتمتعون بسمات مختلفة من أبرزها ما يلي:
- المبدعون يعملون لساعات طويلة وسط تركيز عال وطاقة جسدية كبيرة، ولكنهم في الوقت ذاته يمنحون جسدهم وذاتهم راحة بين الفينة والأخرى بدون فقدان الحماسة، للحفاظ على نشاطهم ونضارة أفكارهم التي تبقى متوهجة كشعلة محترقة لا يخبو لهيبها.
- يتمتعون بمقدرة على أن يكونوا أذكياء وبسطاء في الوقت نفسه، فهم يتمتعون بطلاقة وقدرة على توليد كمية كبيرة من الأفكار المرنة والقدرة على التحول من وجهة نظر لأخرى، ولديهم حس بالأصالة في طريقة انتقاء مجموعة أفكارهم، التي تبدو وكأنها مؤسسة، وهذه الأبعاد في التفكير هي الإبداع بحد ذاته، التي قاستها اختبارات الإبداع والتي تركز عليها ورش العمل الإبداعية.
- لديهم القدرة على المزاح والانضباط والمسؤولية، إلا أن حس المزاح واللعب لديهم لا يذهب إلى مدى بعيد، بل يبقى في دائرة الترفيه عن أنفسهم وبدرجة مساوية لعنادهم وجديتهم وقدرتهم على التحمل والمثابرة.
- المبدعون لديهم القدرة على الانتقال بين الخيال والأحلام، ولديهم جذور عميقة تربطهم بالواقع، فالفن العظيم والعلم الكبير ينطويان على قفزات من عالم الخيال إلى الواقع.
- يتمتعون بمقدرة على أن يكونوا منفتحين على العالم وانطوائيين، كونهم يتمتعون بتركيبة متناقضة، فيمكن أن يمتلكوا إحدى الصفتين؛ إما منفتحين على العالم الخارجي، بحيث يتفاعلون مع من حولهم أو انطوائيين يكتفون بالمراقبة والنظر والتدقيق والتفحص، وكأنهم يختبرون محيطهم ويدرسونه عن كثب.
وبما أن المبدعين يجمعون صفات متناقضة عدة، فهم أيضا قادرون على أن يكونوا متواضعين وفخورين بدون هوادة، فحين تقابل مبدعا مشهورا، وتتوقع منه أن يكون متغظرسا أو متكبرا، فإنك ستواجه الإهمال الذاتي والتواضع المبالغ فيه وحتى الخجل أحيانا.
- يهربون من القوالب النمطية، والتفريق بين الجنسين، فحين تم إعطاء اختبارات الذكورة والأنوثة للشباب، وجد مرارا أن النساء المبدعات أكثر هيمنة وقسوة من النساء العاديات وأن الرجال المبدعين أكثر حساسية وأقل عدوانية من نظرائهم العاديين.
ومع كل هذه التناقضات التي يمتلكها الأفراد المبدعون، فإنهم يحظون بقدرة على أن يكونوا محافظين ومتمردين في حياتهم، فمن المستحيل أن تكون خلاقا ومبدعا بدون أن تكون قادرا على استيعاب الخلافات بين الثقافات والمحيط والأفراد من حولك، ولذا من الصعب التخيل أن يكون الفرد مبدعا من غير أن يكون تقليديا ومتمردا في الوقت ذاته، لأنه يقدم أفكارا مختلفة عميقة ولكنها في الوقت ذاته ترتبط بما هو أصلي وبما هو نابع من الداخل.
كما أن غالبية الأفراد المبدعين يملكون شغفا كبيرا فيما يفعلونه، ولكنهم أيضا يتمتعون بموضوعية، بعيدا عن تلك العاطفة العميقة التي تغلف أعمالهم، فبدونها يفقدون الاهتمام به، ولكن العمل الكامل والخلاق إن لم يحمل صاحبه موضوعية، لن يكون متفردا، ولا يمكن إغفال أن المبدعين كافة معرضون للألم والمعاناة بسبب حساسيتهم وانفتاحهم.
وبالمحصلة، فإن ما يهم بالإبداع هو الجودة، وهي الأكثر حضورا وأهمية عند هذه الفئة المميزة وقدرتهم على الاستمتاع بعملية الإبداع بحد ذاتها، وبدون هذه السمات لتخلى الشعراء عن السعي وراء الكمال وكتابة الأشعار المميزة، وباتوا يكتبون كلاما عاديا، وتوقف الخبراء الاقتصاديون عن إدرار المال وعملوا في المصارف والبنوك، وحتى علماء الفيزياء توقفوا عن إجراء بحوثهم ودراساتهم وانضموا لمختبرات صناعية، حيث فرص العمل أكثر ضمانا.
والمفارقة، بحسب ميهالي، تكمن في عدم وجود صيغة فردية لإنشاء مبدعين، فهم لديهم قدراتهم الخاصة على التكيف في أي محيط ومع أي حالة، والقيام بكل ما يجب بما يتوفر لديهم من إمكانات بسيطة في متناول أيديهم لتحقيق أهدافهم، لذا ما يلزم لتكون خلاقا ومبدعا هو الشجاعة والحيلة على المتابعة وعدم التوقف.



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك