أمضت الليل تنتظر رد فعل العرب والمسلمين، كانت تتوقع بل وتخشى، أن تعبر الحدود دبابات عربية وتدك الصواريخ تل أبيب، لكن "عندما استيقظت صباحاً لم أجد لا دبابات تعبر النهر ولا صواريخ من الشمال تسقط علينا".
كانت تلك غولدا مائير صباح الثاني والعشرين من أغسطس 1969 غداة إقدام متطرف صهيوني على إحراق المسجد الأقصى بمعاونة عدد آخر من المتطرفين. وقالت عندها "علمت أن العرب والمسلمين لن يحركوا ساكناً ولم يعد المسجد الأقصى خطاً احمر بالنسبة لهم" .
كانت تلك الحادثة التي أعقبت هزيمة 1967 بحوالي السنتين إيذاناً بمستوى إذن ضمني للإسرائيليين ببدء إقامة الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى ، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، منذ ذاك الهوان والعرب والمسلمين يغرسون رؤوسهم في الرمل ويرفعون ايديهم بعلامات النصر، بعد كل انتهاك للقدس بيان وبعد كل بيان شارة نصر، وبعد كل شارة نصر مستوطنة، وحول الكل جدار فصل يحوي أسلحة نووية وطائرات مقاتلة وتكنولوجيا عسكرية متطورة وخوف أزلي من "الآخر". إنه جدار ذهنية القلعة المتجذرة في العقلية اليهودية منذ يوشع بن نون حتى بنيامين نتانياهو ومن سيأتي بعده.
الأقصى بات معلقاً بعد الحفريات التي لم تتوقف تحته بحثاً عن "الهيكل"، ساحاته أصبحت مرتعا للمتطرفين بحماية قوات الاحتلال ثم "مرقصا" للمجندات والمجندين.
والآن موجات منظمة من الاقتحامات المبرمجة. وبعد قليل فرض أمر واقع بتقسيم ساحات الأقصى بين اليهود والعرب ليقيموا فيها صلواتهم التلمودية متى شاءوا كما جرى للحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل .
في ظل استمرار الصمت العربي والإسلامي على ما يحدث في ساحات المسجد الأقصى تواصل سلطات الاحتلال ممارسة عمليات التهويد بحقِّ المدينة المقدسة، من خلال توسيع المستوطنات المحيطة بالمدينة، والاعتداءات المتكررة على المقابر الإسلامية في القدس، وعلى الآثار الإسلامية فيها، إلى أن وصلت الاعتداءات هدم أجزاء من أسوار المسجد، بحجة ترميم منطقة أثرية قريبة منه، ويدَّعي الاحتلال بأن ذلك لن يؤثر على المسجد.
والمبكي انه فيما يمتد الحلم الصهيوني خارج حائط المبكى فان زعماء العرب والمسلمين، وأثناء متابعتهم لجرافات الاحتلال على بعد أمتار من المسجد تهدم أجزاء تابعة له، لم يجرؤ أحدهم على إرسال برقية تهديد للاحتلال يطالبه بالكف عن استهداف المسجد ذي القدسية، ولم تأخذ أحدًا النخوة بالتلويح باستخدام أي إجراءات من شأنها أن تظهر للاحتلال بأن هناك مَن لا زال يعطي المسجد الأقصى ولو أدنى اهتمام.
فإذا كانت المجازر التي ارتكبت بحق المصلين في ساحات المسجد الأقصى منذ احتلال 1967، وأعمال الحفريات التي تتواصل أسفله، وتوسيع المستوطنات المحيطة بالمدينة المقدسة، وبناء الجدار الفاصل وعزل المدينة عن باقي مدن فلسطين، والاعتداءات على المقدسات الأخرى، إن كان كل ذلك لا يحرك مشاعر المسلمين ولا يشعرهم بحجم الخطر المحدق بمسرى الرسول- صلى الله عليه وسلم- فما الذي يمكن أن يحرك هذه المشاعر ويوقظها من غفوته قبل فوات الأوان؟
الدعم المادي والاعتناء بالمسجد الأقصى والمدينة المقدسة أمر ضروري ولابد منه، إلا أن التلويح باستخدام القوة في حال المساس بالمسجد أو أي جزء منه هو ما يشعر الاحتلال بأهمية هذا المكان لدى المسلمين، ويحميه من الاعتداءات المتواصلة، وإلا ما فائدة الحديث عن أهمية المسجد الأقصى ومكانته لدى المسلمين إن لم يكن لديهم الاستعداد للدفاع عنه؟، وإن لم تتحرك أمة الإسلام للدفاع عنه فمَن يحميه إذن؟.
طبعا لن يحدث شيء بعد ان اصبح العرب والمسلمون لا شيء . انهم الآن منشغلون بأمر إقامة "الدولة الإسلامية في سوريا والعراق" وبإحياء "الخلافة الإخوانية" في مصر، و"الإمارة الحماسية" في غزة، وإقامة شرع الإخوان في تونس والمغرب العربي، ولا شيء بشأن القدس والأقصى وفلسطين، لكأنها تحررت دون ان ندري وتفرغنا لإقامة دول إسلامية إخوانية أو قاعدية جهادية، كيف لا وشيخهم الأكبر يفتي بالجهاد في سوريا المسلمة العربية ولا يفتي بالجهاد في فلسطين المحتلة من قبل اليهود الصهاينة وهي جوهر الصراع في المنطقة، كيف وشباب مغرر بهم يأتون من العراق والاردن وليبيا وتونس والجزائر وحتى من الشيشان الى سوريا للجهاد ضد النظام السوري فيما الأقصى يهوًد والقدس تُخنق وفلسطين تحبل بالمستوطنات على مرأى من المسلمين والعرب.!
هل عرفتم الآن سبب تسمم ما سمي بالربيع العربي وكيف اختطفت الحرية المطلوبة لتصبح رأس حربة بيد الاستعمار الحديث والصهيونية؟!
وهل عرفتم ما سر العمليات والتواجد الإسلامي المسلح في سيناء تحديداً والعمليات الإرهابية ضد الجيش المصري تزامنا مع قطع المساعدات العسكرية الأميركية عن مصر ؟ وبالتزامن أيضا سر تجمع تنظيمات القاعدة في حمص وحلب ومناطق اخرى من سوريا والقذائف في قلب دمشق ؟
هو التاريخ الذي يحفظه الصهاينة و يكتبوه وهو التاريخ الذي كتبه العرب ذات صلاح الدين و حرب أكتوبر تشرين، ونسوه !!
رشاد أبو داود