وكالة كل العرب الاخبارية :
منذ منتصف الستينات حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي، وجد العالم نفسه غارقاً في دوامات ما بعد الحرب الكونية الثانية. اشتد الصراع على النفوذ بين الدول المنتصرة، وأصبح العالم كله محور حرب لم تكن باردة على الدوام. كانت ساخنة في جنوب شرق آسيا وفي أميركا اللاتينية، حيث قامت الولايات المتحدة بغزوات واحتلالات وانقلابات بين شهر وآخر.
ولم تنتظر الآداب والفنون وقتا طويلا لتعكس هذا الجنون الذي أصاب العالم كله، فنشأت حركة «البيتلز»، وخرج رسامو الشوارع وعازفو الساحات وشعراء الميادين في أوروبا. وانطلقت الرواية الجديدة في فرنسا، أو اللارواية، أو رواية الضد، وتجذر مسرح اللامعقول الذي ظهر في الخمسينات على يد بيكيت في رائعته الشهيرة «في انتظار غودو»، فظهر يوجين أونيسكو وهارولد بنتر وآخرون.
في ذلك الوقت بدا أن العالم فقد عقله، وصار الخروج على المألوف فنيا وأدبيا أمرا ضروريا لا مجرد نزوة عابرة. كانت أميركا تعيش جحيم فيتنام، وصار الشعب الأميركي كله مختطفاً بفعل ذاك الجحيم، وجاءت أزمة النفط بعد حرب تشرين لتزيد من تعقيدات الأزمات وتشابكها، فقد الناس ثقتهم بالحاضر والمستقبل، وصار الأمن هاجسا عالميا في ظل منعطفات سياسية وأزمات عسكرية كادت تؤدي إلى حرب كونية ثالثة، كما حدث في قضية خليج الخنازير، وقضية انقطاع النفط عن الغرب الذي قرر ضمن سيناريوهات عدة أنه ربما يقوم باحتلال منابع النفط إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
في هذه الظروف التي قصدنا الإسهاب في تفاصيلها بعض الشيء، ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية رواية تعد غريبة أو طائراً خارج السرب، إنها رواية «قصة حب» للكاتب إريك سيغال، كانت المفاجأة أن الرواية قوبلت بعاصفة من الحفاوة والتقدير افتقدتها الآداب منذ وقت طويل. ثم تحولت الرواية على الفور إلى فيلم سينمائي اكتسح دور العرض في العالم كله، ليظهر مدى حاجة الناس لهذه المشاعر التي افتقدوها سنوات طويلة في حياتهم اليومية الخاصة والعامة.
وإذا ما حسبنا الفروقات الزمنية بين السوريالية في الثلاثينات واللامعقول في الخمسينات و«قصة حب» في السبعينات، فسنجد أنها متشابهة أو متساوية، بحيث لا يزيد الفرق على 20 سنة. وهو الزمن الذي يشكل دورة اقتصادية في العالم الرأسمالي كما يقول بعض الخبراء. وهذا يعني أنه لم يكن غريباً أن تظهر الرواية الجديدة مع نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة، ونعني بها الرواية ذات النزعة البوليسية والأسطورية في آن واحد، فظهر أومبيرتو إيكو، وأمين معلوف، وماريو بارغاس يوسا، وباولو كويلو. وهؤلاء كلهم اعتمدوا أسلوبا جديدا لكنه مشترك يتصف بوجود لغز يجري العمل على حله أو العثور على مفتاحه.
هل ذلك يعني أن العالم أصبح لغزا مغلقا وجب العثور على مفتاحه المناسب؟ هل تشكل العودة إلى التاريخ الديني والسياسي في العديد من الروايات الجديدة، مظهراً من مظاهر البحث عن خارطة طريق جديدة للعالم الذي يبدو تائها أو ضائعا في كثير من الأحيان؟ من الصعب القطع بإجابة واحدة، ومن الصعب القول إن هذا هو السبب أو ذاك، ولكن المؤكد هو أن الظاهرة ـ أي ظاهرة ـ تشترك في الدوافع والمسببات. فهل تنحو الفنون والآداب العربية المنحى ذاته، أم أنها لم تتمكن حتى الآن من تقاسم الأسباب والدوافع؟
damra1953@yahoo.com