«واسيني» تطرح التسول برؤى واستنتاجات مغايرة
وكالة كل العرب الاخبارية
أثار عرض «واسيني» تأليف وإخراج صالح كرامة الذي قدم أمس، في صالة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في أبوظبي العديد من الأسئلة أكثر مما أجاب حول العديد من المواضيع التي طرقها وطرحت في حوار الممثلين، سواء كان الحوار ودياً لطيفاً أو كان حاداً، على الرغم من أن فكرة العمل بسيطة، وتتكرر كثيراً في الحياة. وقد شارك في هذا العرض المسرحي تسعة ممثلين، بالإضافة إلى دور الموبايل الذي كان أحد المحاور المهمة في بناء هذا العرض الفني، الذي يستخلص منه المشاهد أضعاف ما يبوح به النص من حوار دار على ألسنة الممثلين. وكانت أحداث المسرحية تقع في مقهى، وكانت البداية بلحن موسيقي جارح ومؤثر، له دلالته الدرامية التي ستظهر من خلال الصراع بين الشخصيات المختلفة، ويجلس في صدارة المقهى ثري وصديقته يتهامسان وهما يقلبان جهاز موبايل، يتقدم منهما متسول ويردد «اعطوني.. اعطوني». مد الثري يده إلى جيبه وناوله قطعة نقدية، والمتسول شاب قوي البنية بلباس شتوي، بينما وقف على طرفي خشبة المسرح بقية الممثلين الستة، كل ثلاثة منهم في جانب وقد أداروا ظهورهم للخشبة وكأن ما يدور عليها لا يعنيهم، لكن خشبة المسرح في كل عمل فني عميق الفكر، شاعري الأسلوب، هو مسرح الحياة، وما يجري على الخشبة هو امتداد رمزي مكثف لما يجري في أمكنة كثيرة من هذا العالم.
في المشهد التالي يخرج الثري والمرأة، ويحاول نادل المقهى أن يطرد المتسول حفاظاً على سمعة المقهى، لكن رنين هاتف الثري المنسي على الطاولة غير جو المشهد، لأن الثري طلب من النادل في حديثه على الهاتف أن يعطي الجهاز للشحاذ، لكن الشاب المقصود رفض أن يأخذه، ويخبرهم الثري من جديد أنه نسي حقيبته الملأى بالمال، ويأمر النادل بأن يعطي الحقيبة بما فيها للشحاذ أيضاً. لكن الشاب يصر على الرفض من جديد، وهذا يؤكد أنه متسول حريص على كرامته ولا يأخذ غير حاجته الضرورية. ويبدو أن الثري قد ترك الهاتف والحقيبة بقصد ولأمر مثير للشك، وأكثر من ذلك فإن المشاهد مثل ذلك الشاب الذي أخذ دور المتسول يرتاب بالدافع الذي جعل الثري يتصرف بكل هذا الكرم وكأن المال جاءه بلا أي جهد وعن طريق مشبوه أو أنه كان يريد تحقيق شيء، لكن الأمر لم يتضح.
في المشهد الثالث من المسرحية يعود الثري والمرأة ويحاولان إقناع الشاب المتسول بأخذ المال والموبايل لكنه يرفض بإصرار، وهنا يأتي دور المرأة التي أخذت على عاتقها إقناعه بأخذ المال، وفي البداية يرفض لكنه في النهاية يستجيب لها ويأخذ المال ويسيران معاً، وفي هذه اللحظة ينقض الشباب الستة عليه وينتزعون منه الحقيبة والمال صارخين في وجهه: «أنت شوهت صورتنا النمطية»، ويقضون عليه برصاصة. مشاهد هذا العرض المسرحي، على بساطته، يحمل أفكاراً عميقة ودلالات أبعد بكثير مما يمكن أن يصل إلى المشاهد العادي، لأن العبارات القصيرة، خاصة أن أكثرها جاء ارتجالاً، تركت المجال واسعاً لتفسيرات متعددة، وربما كان هذا من أجمل أسرار الفن المسرحي. والدروس التي خرجت بها من مشاهدة العرض يمكن اختصارها في أن المال الذي لا تعرف من أين حصل عليه صاحبه لا تنخدع به ولا تأمن كرمه، لأن رأسك هو الثمن، وهو المطلوب، وأن الموبايل رمز اللعبة يشير إلى الدور الخفي الذي تلعبه وسائل الاتصال الإلكترونية الحديثة، والإنسان الشريف لا يأخذ إلا حاجته، مهما قدمت له من إغراءات، والمرأة لها الدور الفعال في تغيير مجرى الأحداث، وأن هناك لصوصاً وهم عاطلون عن العمل يراقبون الأحداث من بعيد ويفوزون بالمال عن طريق الجريمة، وهم يستخدمون صاحبهم في الواجهة، وحين يحصل على المال ينقضون عليه ويقتلونه. يمكن للمشاهدين الآخرين أن يخرجوا بانطباعات ودروس مختلفة عن ذلك، وسوف تعرض المسرحية مرة أخرى في المكان نفسه يوم الأحد المقبل. وحول فكرة العمل المسرحي «واسيني» قال صالح كرامة العامري «المسرحية تتكلم عن ظاهرة اجتماعية هي التسول لكن بطريقة أخرى مغايرة، كيف أن هذا المتسول يرفض أخذ المال من الرجل الثري، وفي الوقت نفسه يكشف قاع المجتمع كيف يفكرون وكيف ينسجون حياتهم الاجتماعية، ثم يثور الشحاذون ضد الشحاذ الذي تنازل عن مبادئهم واعتبروه أنه رخص نفسه، عندما تغير أثناء المغريات، ومنها المرأة التي استطاعت وحدها أن تغيره. وهنا هجم الشحاذون وقتلوه، لأنه أخل بالعرف المتعارف بينهم، وكأن هناك اتفاقاً سابقاً بينهم. تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|