المزيد
التدخل بالشؤون الداخلية

التاريخ : 06-09-2013 |  الوقت : 08:14:09

وكالة كل العرب الاخبارية:

في عام 1492 جلست أميرة على  مصطبة شباك في الطابق الثاني من قصر الحمراء، تغني وتضرب على العود، وإذا بالوتر يسقط من يدها إلى خارج الشباك. نظرت الأميرة إلى الخارج فرأت عسكري يلتقطه، فطلبت منه أن يحضره لها. ففعل وصعد للطابق الثاني، وإذا به عسكري إسباني يحتل القصر. فوجئت الفتاة التي لم تكن تشعر بما يجري حولها، حيث كانت منغمسة في هواياتها، بينما كان قد سقط قصر الحمراء وسقطت قرطبة بيد الإسبان على يد الملك فرناندز والملكة إيزابيلا. كان بذلك آخر سلاطين العرب الأمويين هو ابو عبد الله الصغير (محمد الثاني عشر) الذي خرج باكيا وقالت له أمه: "ابك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال."

لقد كانت الأندلس دولة أموية عربية إسلامية، وكانت من القوة بمكان. حيث اشتهرت بها العلوم والطب والزراعة والموسيقى. وقد أدخل علماؤها الكثير من العلوم إلى أوروبا حيث أصبحت تدرس في جامعاتهم واقتبست الحضارة والمدنية منهم.

قبل سقوط الأندلس، تقسمت البلاد إلى ولايات وشيع صغيرة، وأصبحت كل مدينة تحارب الأخرى، يستعين الحكام بالاسبان لمساعدتهم على إسقاط أقربائهم في المدن الأخرى، حتى سقطت كلها بعد ازدهار دام ثمانية قرون.

ما أشبه الليلة بالبارحة. فنحن لم نستفد من تاريخنا ومن حضارتنا، ونعتقد بأن الأجنبي بأتي لنصرتنا، لإقامة الديمقراطية في بلادنا، ونصرة المظلوم، وإزالة الظالم.

لقد استدعيت أمريكا لمساعدة العراق بإزالة الظلم عن شعبها وتطبيق الحرية والعدالة للشعب العراقي بحجة امتلاك النظام لأسلحة الدمار الشامل. وبذلك تحطمت العراق وتقسمت، بالرغم من عدم إيجاد أية أسلحة دمار شامل. وتم الاستيلاء على مقدراتها ونهب خيراتها، وأخذ النفط من غير رقيب أو حسيب، وعاثوا فيها فسادا.

وحاليا تجري محاولات لضرب سوريا والاستيلاء أيضا على مقدراتها التي تتضمن الغاز الذي اكتشف أخيرا بكميات كبيرة، دعما للصهيونية، وتحطيما لجيشها. وذلك على عكس ما يعتقد البعض بأنهم يريدون حماية الشعب ونصرته.

والسؤال هنا لماذا نعطي الحق للدول العظمى التدخل في شؤوننا الداخلية؟

عندما ابتدأت الاعتصامات والمشاكل في مصر في الآونة الأخيرة، انهالت عليها الوفود من أمريكا وروسيا وأوروبا. ومن بينهم وصول السيناتور جون ماكين والسيناتور ليندسي جراهام ومساعد وزير الخارجية وليم بيرنز للقاهرة في مهمة وساطة بطلب من الرئيس أوباما. مع العلم بأن ماكين معروف بمواقفه وتصريحاته المعادية للعرب وقضاياهم العادلة، وميوله لدعم اسرائيل.   

كما أن تدخل السفيرة الأمريكية السيدة باترسون وتصريحاتها لم تكن مقبولة أو مرضية للشعب المصري. الأمر الذي أدى إلى تعبير الكثيرين عن سعادتهم عند مغادرتها الأراضي المصرية. بالإضافة لتدخل السيدة أشتون الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية في الاتحاد الأوروبي لم يكن مرحبا به أيضا. وأخيرا خطاب الرئيس أوباما حول مصر في الفترة الأخيرة لم يكن مرضيا.

والسؤال مرة أخرى: لماذا يعطون أنفسهم الحق بالتدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى؟

إن موقف الولايات المتحدة والغرب تجاهنا غامض ومربك. حيث أنه من المعروف بأن مصالحهم هي الأولوية لديهم وليسوا هنا لتطبيق الديمقراطية في بلادنا. ومن البديهي أنه لا يستطيع أحد إنكار أهمية الولايات المتحدة، فهي القوة الأعظم في العالم، ناهيك عن الدول الكبرى الأخرى التي تدور في فلكها وتتبع خطاها مثل الاتحاد الأوروبي والدول الأنجلوساكسونية واليابان وكوريا الجنوبية. ومن المسلم به أيضا عدم استطاعة أي دولة أن تعيش بمعزل عن العالم الذي أصبح قرية صغيرة. فلا بد لكل دولة أن تؤثر وتتأثر بالعالم من حولها، ولكن من الملاحظ بأن كل الفرقاء يعولون على موقف واشنطن فيما يحدث في مصر. وذلك بالرغم من أن المعظم يتوجسون خيفة من نوايا الولايات المتحدة.

على مدى العقود تراكمت هواجس عدائية تجاه سياسات أمريكا، وقد دعمت هذه الهواجس تصرفات الولايات المتحدة ووقوفها ضد كل ما هو عربي وإسلامي، ومساندتها للاحتلال الإسرائيلي. باختصار الحديث، فإن أمريكا لديها سجل حافل من الأعمال العدائية، الأمر الذي أدى إلى عدم ثقة الشعوب بها. فعلى قدر احترام الولايات المتحدة للشعوب الحرة على قدر حرصهم على كسر هذه الشعوب، حيث لا يعنيهم في المقام الأول سوى صاحب القرار الذي يمسك مقاليد الأمور في البلاد. فالحرية في عرفهم هي الالتزام بالمسار الديمقراطي عبر البوابة الأمريكية. أما الاستقلال على الطريقة الأمريكية فيبدو أنه يعني أن تظل الذراع الاسرائيلية هي الأطول والأقوى في منطقة الشرق الأوسط كلها.

 علما بأن مصر كانت قد قدمت تسهيلات عسكرية وخدمات لوجستية للولايات المتحدة في حربهم ضد ما عرف بالإرهاب الدولي، في أعقاب أحداث سبتمبر 2001، يفوق بكثير ما تقدمه في المقابل من مساعدات لمصر.

وقد ذكرت مجلة ذي وورلد ريفيوز الأمريكية في عددها الصادر في شهر 6، 2009م، بعبور 35 ألف طائرة أمريكية المجال الجوي المصري، كما عبرت قناة السويس 850 شاحنة. الأمر الذي أسفر عن تمزيق البوابة الشرقية للوطن العربي وتمزيق أوصال العراق، ناهيك عن إرسال الجيش المصري لمحاربة أشقائه العراقيين دعما للأمريكان.

 مما ذكر أعلاه نلاحظ أنه لا أحد يهتم بمصالحنا إلا إذا اهتممنا بها نحن. فهل يتدخل الأمريكان في الشؤون الداخلية للسويد أو الهند أو غيرها من الدول؟ أم نحن فقط حائطنا قصير لمن يرغب الصعود عليه؟!

لا بد من أن نحترم أنفسنا حتى نجبر الآخرين على احترامنا لأنهم يحتاجوننا أكثر مما نحتاجهم. وذلك لا يتم إلا بتوحيد كلمتنا وتطبيق الديمقراطية والعدالة، وإعطاء شعوبنا حرية الكلمة وحرية القرار.

د. المهندس سامي الرشيد

Dr.sami.alrashid@gmail.com



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك