وكالة كل العرب الاخبارية :طلب صديقنا أحمد مساعدتنا على فتح بريده الإلكتروني، بعد أن نسي كلمة السر، المكونة من خمسة أحرف إنجليزية لاسم «أحمد»، يليها رقم سنة ميلادية، ترمز إلى تاريخ إحدى النكبات العربية، وقبل تكهن وتخمين كلمة السر؛ لابد أن ندرك المفهوم الاصطلاحي لكلمة «النكبة»، التي تعني عند الأمة العربية أنها الكارثة، والعودة للوراء بنتائج لا تقتصر فقط على ويلات الحروب والهزائم والقتل والتشريد، بل تمتد آثارها إلى حالة نفسية معقدة، تترسخ لدى الشعوب العربية، تضاف إليها حالة من التدهور الثقافي المصاحب للنكبة.
خمنا في البداية أن كلمة السر ستكون «أحمد 1948»، ففي عام 1948 نشبت حرب تحرير فلسطين، حينها شاركت قوات عربية، تتقدمها مصر والعراق وسورية والأردن، ضد الميليشيات الصهيونية، وكانت النكبة أن تعرضت القوات العربية لسلسلة من الهزائم، واستطاعت إسرائيل فرض سيطرتها على مساحات واسعة من أراضي فلسطين، للأسف لم تكن «أحمد 1948» هي كلمة السر، فجربنا «أحمد 1956»، وهو تاريخ العدوان الثلاثي، الذي قامت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر، نتيجة لتأميم عبدالناصر قناة السويس، وفقدت مصر خلال العدوان سيطرتها على قناة السويس، ثم رجعت في ما بعد إلى حضن مصر بعد جلاء الاحتلال، للأسف «أحمد 1956» كانت محاولة خاطئة، فحاولنا مجدداً «أحمد 1967»، للدلالة على تاريخ عام النكسة الذي حاربت فيه مصر وسورية والأردن مجتمعة إسرائيل، وانتهت باحتلال سيناء وغزة والضفة الغربية والجولان، وسقوط القدس الشريف، للأسف لم نوفق في كلمة السر، لكننا لم نيأس فخمنا «أحمد 1975»، تاريخ بداية الحرب الأهلية في لبنان، فهنا بدأت النكبات العربية تتخذ شكلاً جديداً، تمثل في حروب أحزاب وطوائف، وانحصر اقتتال العرب في ما بينهم، لم تفلح «أحمد 1975» في فتح البريد الإلكتروني، لم نيأس فقلنا لعلها «أحمد 1990»، تاريخ غزو العراق للكويت، باعتباره أول الحروب العربية في العصر الحديث، التي يحتل فيها الجار موطن جاره، ومرة أخرى لم نوفق في «أحمد 1990»، فقلنا لابد أن تكون الكلمة هي «أحمد 2003»، وهي تاريخ غزو العراق، أو بالأحرى عام تدمير العراق، بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل.
الصراحة رغم كل تلك النكبات؛ لديّ سببان يمنعانني من أن أعتقد أن حالنا لن تكون كحال آخر سلاطين غرناطة، عندما سَلَمَ السلطان مفاتيح مدينته، ووقف على ربوة صخرية عالية يبكي، وهو يُلقي النظرات الأخيرة على الأندلس؛ وأمه من خلفه تقول له: «يحق لك أن تبكي كالنساء، مُلكاً لم تدافع عنه كالرجال». أما السببان: فالأول مُحبط يرى أن النكبات العربية لم تنتهِ بَعْد؛ فالدور قادم على سورية، خلال الأيام المقبلة، أما السبب الثاني فمتفائل مُوقن أن الأمة لازالت تزخر بالقيادات الواعية والشباب الواعد؛ ومع الأيام قد تتحول النكبات إلى نجاحات تغيّر مسار الأمة.
وللأسف رغم كل المحاولات، وبعد كل هذه التجارب والتكهنات، تم إغلاق البريد الإلكتروني لصديقنا أحمد للأبد، وأخيراً قلنا لصديقنا مواسين: لا تكتئب لأنك نسيت كلمة السر، فالنسيان نعمة يجب أن تشكر الله تعالى عليها.
snd.sultan@gmail.com