المزيد
فشل المشروع أم فشل المهندسين

التاريخ : 15-07-2013 |  الوقت : 02:40:10

وكالة كل العرب الاخبارية : 

الآن، وبعد أن سقط "الإخوان المسلمين" في تجربة الحكم في مصر، يتساءل البعض: هل يعني هذا أن المشروع الإسلامي سقط في الامتحان ولم يعد صالحاً للتطبيق، باعتبار أن إخوان مصر صعدوا إلى سدة الحكم، وهم يحملون للذين انتخبوا مرشحهم "مشروع نهضة" كبرى، ليس له مثيل في الماضي القريب، ولن يكون له شبيه في المدى المنظور، كما سمعنا ورأينا في خطابهم الإعلامي؟

حدث هذا قبل الانتخابات التي حملت مرشحهم إلى كرسي الحكم، وخلال الأيام الأولى من الحكم، بل سمعناه على لسان الرئيس المعزول مرسي، وهو يبشر أخوتنا في السودان عندما زارها بأن مصر نهضت، في الوقت الذي كانت فيه مصر تغرق في أزمات اقتصادية لم تتعرض لها في أسوأ فتراتها، واضطراب أمني أخرجها من قائمة الدول الآمنة المستقرة، وانقسام حوّلها إلى دولة طوائف وأقليات وفئات لم تعرفها مصر على مدى تاريخها، وخلال كل الأزمات التي تعرضت لها، وخرجت منها متماسكة، ضاربة للجميع المثل في الوحدة الاجتماعية، رغم أن المجتمع المصري ليس مجتمعاً مسلماً خالصاً، فهناك نسبة لا يستهان بها من المسيحيين المصريين، ولا يمكن إلغاؤها من المشهد، لأنها مكون رئيس من مكونات هذا المجتمع، لها دورها ومساحتها التي لا يمكن تجاهلها.

بداية يجب أن نقول إن "الإخوان المسلمين" ليسوا هم اللاعب الوحيد على ساحة صراع الأفكار والأديان والمعتقدات في العالم الإسلامي، وإن كانوا لاعبين رئيسيين لا يمكن تجاهلهم، لكن صعودهم إلى سدة الحكم في أكبر دولة عربية سلط الأضواء عليهم، وجعلهم في بؤرة هذه الدائرة.

خاصة وأن هذا الصعود جاء بعد محاولات استغرقت أكثر من ثمانية عقود، تعرضوا خلالها لأزمات عديدة مع أنظمة الحكم التي تعاقبت على حكم مصر، قبل ثورة 23 يوليو وبعدها، فلجأوا إلى العمل السري، وإن كان وجودهم ملحوظاً، حتى واتتهم الفرصة بعد ثورة 25 يناير، ليخرجوا إلى العلن بشكل صريح، مشكلين حزباً سياسياً دفع بمرشحين اثنين إلى انتخابات الرئاسة، في إشارة واضحة إلى رغبتهم في الحكم، رغم إعلانهم قبل هذا الترشيح، بأنهم لا يسعون إلى الكرسي في الوقت الحالي.

كما جاء في تصريحات قياداتهم التي كانت تنقضها كل مرة ممارساتهم على أرض الواقع، وسعيهم إلى الاستحواذ على الأغلبية المطلقة في مجلس الشعب الذي حل بحكم قضائي، رغم محاولة الرئيس المعزول محمد مرسي إعادته بقرار رئاسي بعد فترة قصيرة من انتخابه، مرسلاً بذلك إشارة واضحة إلى أن مرحلة ما بعد الوصول إلى الكرسي، مناقضة تماماً لمرحلة الوعود الوردية التي أطلقها قبل الوصول إلى الكرسي.

مصيباً الآمال التي بناها وصول الإخوان في مقتل، تبعته بعد ذلك طعنات كثيرة، أدت إلى الحالة التي وجدنا عليها المشهد المصري يوم 30 يونيو، منهية بذلك العام الأول من حكم الإخوان بالرئيس معزولاً بفعل تمرد شعبي واسع، وجد مساندة من قيادات الجيش التي كان تذمرها واضحاً خلال هذا العام، رغم صمتها وطول البال الذي تحلت به طوال تلك الفترة، حتى كان الانفجار وما آل إليه الأمر بعد ذلك بتنظيم "الإخوان المسلمين" ومناصريه معزولين في الشارع، ينادون بعودة رئيسهم، ويصرون على إعادة المشهد إلى ما قبل 30 يونيو، بينما تمضي التيارات الأخرى في انتفاضتها، يقودها شباب "تمرد"، وغيرهم من أعضاء المنظمات الشبابية التي فجرت ثورة 25 يناير، مؤيَدين بالجيش والتيارات الأخرى المعارضة.

فشل المشروع الإسلامي الإخواني في مصر يعيدنا إلى تجارب مشاريع إسلامية أخرى، ربما يكون أكثرها وضوحاً مشروع حركة "طالبان" التي أنشأت "إمارة أفغانستان الإسلامية" عام 1996، بعد عامين من بزوغ نجم الملا "محمد عمر" الذي كان مدعوماً من باكستان، وتمكن الحركة من السيطرة على قندهار وهيرات، ثم زحفها على العاصمة كابول، مما حتم على كل من رئيس أفغانستان حينها "برهان الدين رباني"، وزعيم الحزب الإسلامي "قلب الدين حكمتيار"، المتناحرين التوقف عن القتال بينهما، وتوحيد الصفوف في مواجهة العدو المشترك "طالبان".

لكن "طالبان" نجحت في فرض سيطرتها على أنحاء أفغانستان، مستفيدة من الصراعات التي كانت قائمة وقتها بين الفصائل الأفغانية المتعددة، إذ سرّعت هذه الصراعات بانتصار حركة "طالبان" وإعلانها "إمارة إسلامية"، حدد أهدافها الملا محمد عمر في كلمته التي ألقاها في قندهار يوم 4/4/ 1996، وكان أبرزها إقامة الحكومة الإسلامية على نهج الخلافة الراشدة، لكن هذا النموذج كان من المستحيل أن ينجح لأنه كان خارج إطار العصر، كما بدا واضحاً من تفاصيل الإعلان حينها. ثم كانت نهاية المشروع مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، بعد أن رفضت "طالبان" تسليم "أسامة بن لادن" للولايات المتحدة الأميركية، التي اعتبرته وتنظيم "القاعدة" مسؤولين عن تلك الأحداث.

فشل المشروع الإسلامي في هذين النموذجين لا يعني أنه لا توجد نماذج حققت نجاحاً نسبياً في بعض الدول، لعل أبرزها النموذج التركي، لكن هذا حدث بفعل ذكاء القائمين على هذا النموذج، وعدم تصادمهم مع الجيش ومكونات المجتمع الأخرى والنظام العالمي الجديد، وهو ما نعتقد أن إخوان مصر وطالبان أفغانستان قد فشلوا في تحقيقه، وهو فشل لا يعني أن العيب في المشروع نفسه، وإنما في المهندسين الذين يتولون إدارته، لأن الإسلام في قلوب جميع المسلمين، ومن الأجدر أن يكون مشروع حياة، لا وسيلة للوصول إلى الحكم، لأنه عندما يتحول إلى وسيلة للوصول إلى الحكم يسقط في مستنقع السياسة، ويصبح معرضاً للفشل بشكل أو بآخر، وفي كل الأحوال يكون المسلمون الخاسرين، وليس الإسلام الذي يبقى صالحاً لكل زمان ومكان.



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك