الفساد خيانة وطنية
![]() ليست أرقاماً سهلة البتة أن تكون الإمارات في المرتبة الأولى عربياً وعالمياً في كفاءة السياسة المالية، في تقرير التنافسية السنوي لعام 2012 الصادر من المعهد الدولي للتنمية الإدارية، وأن تكون في المرتبة الأولى عربياً والخامسة عالمياً في مجال تمكين التجارة عبر الحدود، في مؤشر تقرير ممارسة الأعمال لعام 2012 الصادر عن البنك الدولي، أو أن تحتل المرتبة الأولى عربياً والسابعة عشرة عالمياً في المسح الأول للأمم المتحدة لمؤشرات السعادة والرضى، وكذلك أن تقفز عشر نقاط عن العام السابق، لترتقي إلى المرتبة الثانية عشرة عالمياً في مؤشر جودة مؤسسات الدولة، وتقفز إحدى وعشرين نقطة لتصل إلى المرتبة السابعة عالمياً في مؤشر سوق العمل، وأخيراً أن تتوج ذلك بحصولها على المرتبة الأولى عربياً والمرتبة السابعة والعشرين عالمياً، على مؤشر مدركات الفساد لعام 2012 الذي تطلقه منظمة الشفافية العالمية. وأقول إن مكانتها على مؤشر مدركات الفساد هي التاج للقمم السابقة، ذلك أن مكافحة الفساد هي العمود الفقري الذي تقوم عليه الدولة، وبقدر ما يكون الفساد ذابلاً ومتراجعاً في المجتمع، بقدر ما يكون المجتمع سائراً في الطريق الصحيح، ونحو الوجهة الحضارية الصحيحة. نعم، نقول إن تراجع الفساد ووصوله إلى مرحلة التصرفات الفردية الشاذة، ولا نقول استئصال شأفته في المدى القريب على أقل تقدير، ذلك أن الفساد يكاد يكون حالة اجتماعية يعاني منها أغلب المجتمعات، بدرجات مختلفة طبعاً، بدءاً من التصرفات العرضية وانتهاءً بالظاهرة القاتلة الماحقة للمجتمع، لأنها حين تصل حد الظاهرة تبدأ تنخر في الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والبناء السياسي والولاء الوطني والدافعية الصادقة لدى أبنائه، وتنتهي لدى الجميع بالشكوك في أهمية الانتماء للوطن، وعدم جدوى العمل بإخلاص في طريق البناء والتعمير. وتسيطر على الأفراد الأنا الانتهازية، بعيداً عن العقل الجمعي التكافلي الاجتماعي، وتطفو على السطح الاجتماعي حالات الفاقة والتباين الطبقي وتهميش العديد من فئات المجتمع، واستبعاد الكفاءات الوطنية وإفساح المجال أمام المنتفعين الباحثين عن الثراء السريع من أقصر الطرق وأظلم الأبواب، ما يدفع الكثير من رؤوس الأموال الأجنبية إلى الهروب، ويقتل الشهية أمام رأس المال الوطني في البحث عن استثمار داخلي. ومن هذا المنطلق يمكن النظر إلى الفساد على أنه خيانة وطنية بامتياز، والمتلبسون به لا يريدون الخير لمجتمعهم ووطنهم، وأقل ما يقال فيهم أنهم ناكرو جميله عليهم. وها هنا وقفت الإمارات موقفاً حازماً، بفضل توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حيث اعتمدت عدداً من التدابير التشريعية والقضائية والتنفيذية لمكافحة الفساد، والتي تم تصنيفها من ضمن التجارب الناجحة والممارسات الجيدة. فقد صادقت الدولة على اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، وعلى اتفاقية مكافحة الفساد والتي أسهمت الدولة بشكل فاعل في صياغة وإعداد نصوصها، من منطلق إيمانها العميق بأهمية إيجاد آلية قانونية دولية لتجريم أفعال الفساد، كما صادقت في هذا السياق على الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، وكان من ثمرات ذلك مطلع هذا العام، إشادة فريق الخبراء الدولي المكلف باستعراض مدى التزام الدولة بمتطلبات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بمستوى التدابير التشريعية والتنفيذية والقضائية المتبعة لمكافحة الفساد في الدولة. ومع ذلك كله لا يمكن النظر فقط إلى مكافحة الفساد على أنها واجب مؤسساتي حكومي، والمؤسسات المعنية تقوم بهذا الواجب على أكمل وجه بلا شك، تحت مظلة الغطاء القانوني الموزون، إلا أنه مع ذلك واجب اجتماعي ممتد، يصل إلى جميع أفراد المجتمع، لأنه يعني ويهم ويؤثر في جميع أفراد المجتمع. فبذرة الفساد الصغيرة إن تركت تنمو في مجتمع لا مبالٍ، ستكبر ويشتد عودها وتتشعب أغصانها حتى يصعب استئصالها. ولا يقول أحد إن الأمر لا يعنيني، لأنك اليوم مراقب وغداً ضحية حتمية بلا أدنى شك، فالمسألة لا تقبل الانسحاب من خندق الدفاع عن المجتمع ضدها، لأنها تتعلق بنا وبوطننا ومستقبل أبنائنا. تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|