المزيد
سوريا: عامان داميان

التاريخ : 18-03-2013 |  الوقت : 12:07:58

منتصف مارس هذه السنة، تكون سوريا قد طوت عامين داميين من أزمتها، تلك الأزمة التي لا يعرف لها مثيل في التاريخ المعاصر من حيث فداحة التخاذل الدولي وضخامة التدخل الإقليمي وحجم التغيرات المحلية، وبأكثر من مليون لاجئ وسبعين ألف قتيل كحد أدنى. في التخاذل الدولي، وعلى عكس حلفاء النظام كروسيا والصين اللتين تقدمان له كل أنواع الدعم، فإن بعض الدول المحسوبة على أصدقاء الشعب السوري لم يزل التخاذل هو العنوان الأكبر لمواقفها، فالمواقف الأميركية تراوح مكانها، وتقودها مخاوف متناقضة تجاه المنطقة، فهي تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، وبمعنى أكثر وضوحاً، هي تتقدم حيث يجب التأخر، وتتأخر حيث يجب التقدم، فهي تقدّمت في مصر وكانت تسابق الشارع، وقل مثلها في دول الاحتجاجات العربية الأخرى، وتأخرت حيث كان يجدر بها التقدم وسوريا هي المثال الصارخ.

بريطانيا وفرنسا تتقدمان خطوةً لتوجيه دعم عسكري مهم لمجموعات منتقاه بعناية في الداخل السوري تعبيراً عن مدى التململ الدولي والوعي بخطورة استمرار الوضع على ما هو عليه، وهو ما يمكن اعتباره تقدماً تجاه الوضع السوري على الرغم من المواقف الروسية الصينية المتعنتة هناك. وفي حين تبدو بريطانيا مترددة بين الإقدام على موضوع تسليح المعارضة والتراجع، فإن الرئيس الفرنسي يبدو أكثر تصميماً على أنّ فرنسا مستعدة لتحمّل مسؤوليتها.

حين يستمرّ نظام الأسد في استخدام الطائرات الروسية المقاتلة والطائرات العمودية والصواريخ الباليستية لضرب معاقل «الجيش السوري الحرّ»، وضرب المدن التي تمّ تحريرها من سطوة جيشه وقوّاته المسلحة، فإن العالم يصبح مسؤولاً مسؤولية كاملةً عن توفير السلاح النوعي للشعب السوري للدفاع عن نفسه أمام آلة القتل التي لا ترحم، هذا وإن أحداً لا يطالب بأسلحة ذات طابع هجومي، قد يكون لها تأثير لاحق في معادلات القوة في المنطقة، ولا بأسلحة طويلة المدى قد يُخشى منها على أمن دولة إسرائيل ذلك الذي تحسب له كل الدول الغربية ألف حساب.

مفهومة هي الخشية الغربية من وقوع هذا النوع من الأسلحة في الأيدي الخطأ من الإرهابيين «القاعديين»، الذين كان يتمنّاهم النظام أن يصبحوا جزءاً من المعادلة، وقد حصل له ما أراد غير أنّ الطرق كثيرة والآليات متعددة تلك التي يمكن من خلالها ضمان وصول هذه الأسلحة للأيدي الصحيحة، وأن تستخدم فقط في منع النظام من الاستمرار في التغوّل على شعبه وتحدّ من ازدياد صلفه وعناده، وهو ما يبدو أنّ المعارضة السورية قد قدّمته كما جاء في تصريح الرئيس الفرنسي من أنّ فرنسا قد تلقّت كل الضمانات اللازمة تجاه تلك الأسلحة.

بعد عامين، يبدو بشار، وكأنه مغيّب عن المشهد بالكامل، فهو يتصرف وكأن شيئاً لم يتغير في سوريا، فهو يرفض الحوار السياسي إلا بحسب شروطه هو، وهو ينتقل من سلاح فاتك إلى سلاح أكثر فتكاً وأبلغ تدميراً وقتلاً، وحسب رصد تسلسل استخدامه للسلاح، يبدو أنه متجه لاستخدام السلاح الكيماوي بطريقة أو بأخرى، وهو لا يرى نفسه مضطراً لتقديم أي تنازلات ما دامت رسائل الدول الغربية التي تصله لا تحمل أي نوع من التهديد الجدّي، بل لقد أصبح يعلم جيداً أنها مجرد كلمات ومواقف ليس لها أي قيمة ولا تأثير. وما لم يتقدم الغرب خطوة إلى الأمام تجعل الأسد يشعر فعلاً بالتهديد فإن شيئاً في الأزمة السورية لن يتغير.

لكل أزمة دولية تكون خطاً في حرب باردة دولية معادلات قوة وموازين صراعات ومشاريع تأزيم أو مشاريع حلول تختلف كل واحدة منها عن الأخرى، ومن أمثلة ذلك ما جرى في فيتنام أو أفغانستان أو البوسنة والهرسك أو –على نحو ما- ما يجري في سوريا اليوم، غير أنّ هذا لا ينفي الاستفادة من تصوير واستذكار التجارب المشابهة لعقد المقارنات، وشرح الصورة وفهم الأوضاع، وبالتالي الخروج بتصور يقارب حقيقة ما يجري والرؤية تجاهه.

انتقال الأسد لاستخدام الطيران والصواريخ على الرغم من كل دمويته، غير أن له دلالة إيجابية تلك التي تعني أنّه أصبح عاجزاً عن تحريك قوّاته على الأرض أو على الأقل لم تعد قوّاته الأرضية تتحرك بالراحة والسهولة التي كانت تتمتع بها في بدء الأزمة، وقد بدأت كتائب «الجيش الحرّ» أو مجموعاته أو نحوها من التشكيلات العسكرية الشعبية –أياً كانت تسميتها- تلك التي تقاتل قوّات الأسد تفرض سيطرتها على مساحات كبيرة من الأرض السورية، وقد بدأت في بعض المناطق تدير الأمن والصحة والقضاء ونحوها من ضرورات العيش وإن بالحد الأدنى.

لم يبق أحد في العالم يشكك أن بشار راحل لا محالة، حتى حلفاؤه وداعموه في روسيا وإيران يعلمون ذلك، ولكنّهم يسعون لكسب مزيد من الوقت لتحسين شروط التفاوض على النظام الذي سيأتي بعده، وكيف يضمن كل منهما مصالحه مع سوريا الجديدة، أو على الأقل ألا يقوم فيها نظام معاد لهما، وهما قد سلكا لذلك الطريق الخاطئة بدعمهم المطلق لنظام الأسد، ما يجعل من المستحيل على أي نظام سيحكم سوريا لاحقاً أن ينسى أو يغفر لهما ما صنعاه من مساعدة لا محدودة لقتل منظم وتدمير ممنهج استمرّ لسنتين لضرب الشعب السوري وتدمير بنيته التحتية وتهديد البلاد بالانقسامات وخروج النعرات الطائفية والإثنية والمناطقية، التي ستبقى أثرها أمداً ليس بالقصير.

فرنسا تقود اليوم التوجه الدولي لتسليح المعارضة السورية، وهي هدّدت الاتحاد الأوروبي بالتصرف منفردةً في هذا الملف ما لم يغيّر الاتحاد سياسته في حظر السلاح الذي يستمر حتى نهاية مايو من العام الجاري، والولايات المتحدة الأميركية ترسل رسائل دعم غير حاسمة لهذا التوجه، ومن ذلك ما جاء على لسان فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأميركية قبل أيام من قولها «سندعم بالتأكيد كل أشكال المساعدات للمعارضة السورية التي تتحدث عنها علناً فرنسا وبريطانيا»، وأضافت عن الاتحاد الأوروبي «نعلم أنّ بعض الحكومات تريد القيام بالمزيد ونحن نشجعها».

إذا ذهبت فرنسا لآخر الطريق في موضوع التسليح، فإن كثيراً من دول العالم ستتبعها، وحينها ستشهد الأزمة السورية تغيرات كبرى ومتسارعة لإيجاد نهاية لنظام يعدّ من أعتى الأنظمة في العصر الحديث.



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك