تعثر الثورات العربية
![]() وكالة كل العرب الاخبارية . ما زالت الثورات العربية تعيش مرحلة انتقالية تسودها عوامل التعثر والفشل أكثر من النجاح، لأن هذه الثورات، على الرغم مما حققته من إنجازات كبيرة لا يمكن إنكارها وأبرزها إسقاط أنظمة حكم سلطوية كان يصعب سقوطها، وحتى التنبؤ بقيام مثل هذه الثورات، وخلق بيئة ثورية قابلة للتوالد الثوري من خلال إيجاد ولأول مرة مواطن ثورة، بمعنى أنه مواطن لم يخف من بطش أي سلطة، على استعداد للتضحية بحياته من أجل تحقيق أهداف الثورة وعلى رأسها تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وتأكيد روح المواطنة الواحدة . فهذه الثورات قامت أساساً لأن المواطنة لم تكن قائمة، وبالتالي هي ثورات المواطنة الواحدة، هذا الهدف الأساس إذا لم يتحقق فهذا يعني استمرار حالة الثورة العنيفة بكل صورها . وبقراءتنا للأسباب التي أدت إلى نجاح أو قيام الثورات العربية، نجد، وهنا المفارقة التي قد تكمن وراء تعثر بل وتراجع الثورات العربية عن أهدافها الحقيقية في بناء دولة ديمقراطية مدنية تحقق هدف المواطنة الواحدة، أن نفس الأسباب والعوامل السابقة ما زالت قائمة ولكن في إطار حكم قوى سياسية جديدة وهذه المرة هي الحركات الدينية التي إن لم تتخلص من عقدة الحكم والحرمان السياسي، وتفهم أسباب اندلاع الثورات العربية فإن مصيرها لن يكون بعيداً عن أنظمة الحكم السابقة، لكن هذه المرة سيكون العنف والقتل أشد ضراوة وشراسة لأن الحكم وليس المواطنة الواحدة سيكون سبباً لهذه القوى والحركات والتنظيمات الدينية في الدفاع عن حقها بالحكم بأي ثمن، من دون إدراك أن الحكم الديمقراطي أو ما يسمى بشرعية الصندوق أبعد بكثير من حدود هذه الشرعية، فالديمقراطية ممارسة، ومنظومة حقوق أساسية تقوم على مفهوم المواطنة الواحدة، وفي هذا السياق لا تختلف المقارنة بين نظام ما قبل الثورة ونظام ما بعد الثورة، فالاثنان يشتركان في هدف الحكم، وفي آلية شرعية الصندوق . وفي تفسير حالة التراجع وعدم القدرة على التكيف مع البيئة الثورية الجديدة تطرح نظريات كثيرة لتفسير هذا التراجع، منها غياب الثقافة الديمقراطية وتجذر ثقافة العنف لدى المواطن العادي بسبب حالة الحرمان من ممارسة حقوقه السياسية والمجتمعية، ولذلك وبمجرد أن وجد هذا المواطن بيئة جديدة انفجرت في داخله الرغبة لتعويض سياسات الحرمان السياسي بالعنف الذي نلمس أشكاله الآن . وإلى جانب هذا العنف يوجد عنف الجماعات الدينية التي تسعى للحفاظ على الحكم بأي ثمن، وفي السياق نفسه لا يمكن إعفاء القوى المعارضة من هذا التفسير، وبالتالي أصبحنا أمام نموذج مركب من العنف الفردي والرسمي والمجتمعي . ومن الأسباب التي تكرر نفسها غياب آليات الشرعية السياسية المنتخبة بالتمسك بالمعنى الضيق للشرعية المتمثل في شرعية الصندوق، وضعف الشرعية أيضاً، لأن هناك شبهة تزوير في الانتخابات، وعدم مشاركة حقيقية تؤسس لشرعية سياسية قوية . وهنا يفاجئني تساؤل مهم: هل السبب في حالة التراجع هو فوز الأخوان المسلمين ومعهم قوى إسلامية مثل السلفيين؟ والسؤال بصيغة معاكسة: هل لو فازت القوى الليبرالية الأخرى كان سيتحقق الهدوء السياسي وعملية التحول السياسي المنتظم نحو الدولة الديمقراطية الواحدة؟ أعتقد أن الإجابة في الحالة الأولى نعم، فوصول الاخوان والقوى السياسية الإسلامية يعتبر سبباً مباشراً في تفسير حالة التراجع، لأنها لم تدرك أهداف الثورة، وأنها ليست ثورة دينية بل هي ثورة سياسية من أجل أهداف سياسية، وبالنسبة للقوى الليبرالية ففوزها كان سيكون له نفس النتائج جراء رفض القوى الدينية لأي شكل من أشكال الحكم العلماني أو الليبرالي، ولن يعترفوا بنتيجة أي انتخابات بل سيذهبوا للتشكيك في نزاهتها . كانت وما زالت أمام القوى السياسية الإسلامية وخصوصاً الأخوان فرصة كبيرة لتقديم نموذج حكم توافقي يجنبهم ويجنب الجميع الدخول في مرحلة الدولة الفاشلة التي ستكون بداية لثورة جديدة يخسرون فيها الحكم والسلطة، ويخرج الجميع فيها خاسراً . وإلى جانب التفسيرات السابقة هناك من يرى الفشل في الأسباب السياسية وخلق بيئة ثورية لا تقبل المهادنة، فلم تعد بيئة نظام الحكم الجديد بيئة ساكنة خاضعة خائفة، مطيعة، بل هي بيئة رافضة، وهذه المرحلة قد تطول إلى أن تدرك كل القوى السياسية ومعها المواطن نفسه أنه لا جدوى من استمرار العنف، وأن البديل لذلك هو العودة لخيار التوافق السياسي والمجتمعي . وفي السياق نفسه يمكن القول إن انحسار دور المؤسسة العسكرية، ورغبتها بعدم المشاركة السياسية التي قد تكلفها الكثير من هيبتها ومصداقيتها الوطنية سبب في استمرار حالة التراجع، وفي غياب هذا الدور تبقى الحسابات السياسية لمن يحكم ومن في المعارضة المراهنة على عنصر الوقت والقدرة على عدم الرضوخ لمطالب الطرف الآخر التي يفسرها كل طرف بأنها تنازل، في مباراة من وجهة نظرهم غير صفرية . وهذه كلها حسابات ورهانات خاسرة . وأخيراً لابد من إدراك هذه العوامل، وتغيير مدركات الحكم، وفهم الدور الحقيقي للدين كأحد مصادر الشرعية السياسية وليس كلها . تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|