المزيد
عود على بدء

التاريخ : 27-02-2013 |  الوقت : 12:38:14

الحراك الشعبي في الدول العربية الخمس (تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا) التي شهدت، ولا تزال تشهد تغييرات في بناها الاجتماعية والسياسية والثقافية، خلق واقعاً سياسياً جديداً لا يزال يتصف بالفوضى والارتباك لأسباب عدة من أهمها؛ سرعة التغيير وعدم التهيئة للانتقال إلى ممارسة الحكم الديمقراطي بما يعنيه من تقبّل الآخر والرضوخ للغة صناديق الاقتراع، إضافة إلى الاختلافات الكثيرة في السياسات والاستراتيجيات بين أطياف المعارضة، ناهيك عن الأمية المستشرية في أجساد الشعوب التي تجعل نخبة تتحكم بنبض الشارع، فتحركه وفق مصالحها وتتخذه وقوداً لنارها أو اندفاعها نحو السلطة . باختصار، فإن التغيير الذي يهبط فجأة يشبه كثيراً النيازك التي تهبط من السماء فتثير الذعر عند البعض ويعتبرها البعض الآخر رسائل إلهية، وقد ينظر إليها طرف آخر نظرة عبثية فيقبل على الحياة بكل ما فيها من متع، والسلطة وممارسة النفوذ إحداها .
بعد مرور أكثر من عامين على انطلاق ما سمّي بالربيع العربي، نستطيع القول إن هذا (الربيع) حوَل واقع الدول التي هبّ عليها إلى خريف، وبعض هذه الدول تقترب من تحقيق معايير الدولة الفاشلة بسبب عدم قدرتها على تأمين الأمن للشعب، أو توفير الخدمات الرئيسة التي يحتاجها لتسيير حياته اليومية، وفي المقابل ظهرت أحزاب بعضها سياسي وبعضها ديني وبعضها مدني والآخر عسكري، ويسعى كل منها إلى الوصول إلى السلطة كغاية واستراتيجية، وحتى يحقق هدفه فإنه يمارس أساليب الفتوات والبلطجية في مناطق نفوذه (النموذج الليبي)، وبعض الأحزاب الميليشياوية لا يتمنى رسوخ الدولة بمؤسساتها ويعمل على استمرار الفوضى لأنها تحقق له الظهور الدائم وحكم بقعة جغرافية معينة، يحقق من ورائها مصالحه أو تجارته (السوداء والبيضاء)، وحين تصل الدول إلى حالة فقدان مؤسساتها وعدم التحكم بأمنها والخوف من التصدي لممارسات الأحزاب، مهما صغرت، فإنها تفقد هيبتها وتضعف قوانينها وتسود فيها شريعة الغاب، وتتحول من دولة تضم أحزاباً، إلى بقعة جغرافية تتصارع على قضمها الأحزاب، أي تغيب في هذه الحالة المعادلة المدنية والحضارية - الدولة المعارضة - لتتحول إلى معادلة تتصارع فيها المعارضة، وينتج عن هذا الصراع من جديد، حزب حاكم، وأحزاب معارضة، فالحزب الذي كان معارضاً ووصل إلى الحكم يستقوي بالشارع وب(المليونيات يوم الجمعة)، وبهذا يصبح الوطن نهباً للمجموعات السياسية والمسلحة، فيتشرذم الشعب، وينعدم الأمن، ويتداعى الاقتصاد، وتزيد الرغبة في الهجرة، وأمامنا نموذج حي يتمثل في النموذج اللبناني، المعارضة تتحول إلى حزب حاكم، والأخير يتحول إلى معارضة، ومؤسسات الدولة لا تستطيع القيام بخطوة ضد أي مخالف للقانون إلا إذا رُفع الغطاء السياسي عنه، كون الجميع ينضوون تحت مظلة سياسية . ونتيجة لهذا الوضع والفلتان، انتشر السلاح الفردي والجماعي، وأصبح الناس تحت رحمة بعضهم بعضاً، وتسود البلاد شريعة الغاب (القوي يأكل الضعيف)، ويقر اللبنانيون أنفسهم بهذا، فحين تتحدث بلغة القانون يقول لك أحدهم (يبدو أنك مش عايش بلبنان)، وخطورة الوضع اللبناني تكمن في التجييش الطائفي والمذهبي الذي قارب أن يصل إلى قمته، وعندها سيتفتت لبنان وسيتحول إلى مناطق نفوذ أكثر مما هو عليه الآن، ففي لبنان أحزاب وتنظيمات تفوق المذاهب والعرقيات .
ويبدو أن النموذج اللبناني قد بدأ يتحقق في دول (الربيع)، ففي تونس، كان هناك قبل (الثورة) 8 أحزاب، وبعدها أصبح يوجد 61 حزباً ومن بينها: حزب تونس الخضراء، الحزب الاشتراكي اليساري، حزب العمل الوطني الديمقراطي، حركة البعث، حركة النهضة، حزب الوسط الاجتماعي، حزب الكرامة والمساواة، الحزب الاشتراكي اليساري، حزب الشباب الديمقراطي، حزب العدالة والمساواة، حركة الإصلاح والعدالة الاجتماعية، الحركة الوطنية للعدالة والتنمية، حزب الوطن، حزب التجمع، حزب الوفاق وغيرها، وكلها ترنو إلى الإصلاح والعدالة والكرامة والمساواة والنهضة والتنمية، بينما تتجه تونس إلى منحدر خطير .
وفي مصر، كان هناك قبل الثورة 25 حزباً، وظهر بعدها 16 حزباً، أي هناك نحو 40 حزباً سياسياً في (أم الدنيا)، وهناك أحزاب تتوالد بين فترة وأخرى، ومن بين الأحزاب الجديدة: حزب مصر الكنانة، حزب الحرية والعدالة، حزب المجد، حزب مصر الحرة، حزب أبناء مصر، حزب الرأي، حزب ثوار التحرير، حزب الكرامة، حزب الإصلاح والتنمية، حزب النهضة، حزب التغيير، حزب نهضة شباب مصر، حزب الاتحاد المصري، حزب شباب الثورة، وجميعها تدعو إلى الحرية والتغيير والكرامة والاتحاد والنهضة وغيرها .
أما في ليبيا فالسلاح هو الذي يتحدث، فإن لم تعجب قرارات البرلمان مجموعة معينة، تقوم باقتحام مقره، إلا أن قانوناً للأحزاب سيطلق المارد من قمقمه . وفي اليمن كان هناك 26 حزباً أضيفت إليها 9 أحزاب بعد (الثورة) . وفي سوريا هناك عشرات الأحزاب ما بين مقيمة ومهاجرة، وهي مقسمة إلى تجمعات من بينها: قوى إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي في سوريا، تيار بناء الدولة، المنبر الديمقراطي، المجلس الوطني السوري، الإخوان المسلمون، وهناك أحزاب مثل الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، الحزب السوري القومي الاجتماعي (الانتفاضة)، حزب الإرادة الشعبية، معاً من أجل سوريا حرة ديمقراطية، وهناك عدد كبير من الأحزاب الكردية مثل: المجلس الوطني الكردي، حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، تيار المستقبل الكردي، وستشهد سوريا بعد رحيل النظام أو تغييره بأي طريقة كانت، ما تشهده مصر واليمن ولبنان، حيث يعتقد كل طرف أنه الأحق والأجدر لقيادة الشعب وتنفيذ أهداف (الثورة)، وفي ظل غياب الوعي بالحياة الديمقراطية ومعاييرها، تدخل الأحزاب في تناحر يدفع الشعب فاتورته من دمه واستقراره . ومن جهة أخرى، هناك أحزاب لا تؤمن أصلاً بالديمقراطية، وتعتبرها شعوذة غربية، وتلجأ إلى (الشورى)، وسلاحها في ذلك هو أنها تستند إلى شريعة إلهية، ومن يخالفها فهو كافر ومجرم يستحق تطبيق الحد عليه، فتدخل البلاد في أتون جديد ينهك مقدراتها ويدمر مؤسساتها ويدمر بناها التحتية، وتتحول البلاد إلى إمارات ومناطق نفوذ، وبما أن هذه القوى تجهل العمل السياسي، إن لم تكن لا تريده أصلاً، وتجهل كيفية إدارة الدولة الحديثة في عالم متطور متشابك، فإنها تكتب على نفسها العزلة، وتقفز قفزة في المجهول .
إن أخطر ما في هذا الفراغ السياسي المحشو بالفوضى، هو أنه يتحول إلى أرض خصبة لعمل الأعداء الاستراتيجيين، يعملون على إبقاء الفوضى وتغذيتها، بل يبذلون قصارى جهودهم لتدخل المجتمعات في حروب أهلية، نتيجة الشحن المذهبي والطائفي، ومن هنا لا يمكن استبعاد أيادي الموساد الصهيوني والاستخبارات الغربية عما يحدث من تفجيرات في العراق منذ عشر سنوات، أو تلك التي تحدث في سوريا، وهي تفجيرات تقود طرفيّ الصراع إلى تبادل الاتهامات بشأنها، وهذا يعني وجود طرف ثالث .
لقد خرجت الديمقراطية عن مسارها بفعل الجهل والأمية والعمالة، وهذا ما يمهد لعودة حكم العسكر، وليس من المستبعد حدوث انقلابات تقودها مؤسسة الجيش لحفظ النظام، وهذا ما تهمس به الدوائر خلف الستار في العديد من الساحات التي تشهد (الثورات)، وإن حدثت هذه الانقلابات، فإننا سنعود إلى البداية، فهل دخلنا عهداً جديداً لا ينتهي إلا بإنهاك جميع الأطراف؟


تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك