«أنت تأمر.. وبس»..!
كثر في مصر هذه الايام استخدام عبارة أن حق التظاهر السلمي مكفول للجميع، وهو قول لا غبار عليه، فما دام المتظاهرون ملتزمون بسلمية المظاهرة، بمعنى أنها لا تخرج عن حدودها ولا تمتد إلى تخريب المنشآت أو إلى تعريض الأرواح والممتلكات للخطر، فإن أحداً لن يعترض عليها. لكن ما أقف عنده دائماً هو التساؤل الآتي: ما الغاية من التظاهر؟ أو بمعنى آخر ما آخر هذا التظاهر؟ ان ما نعلمه أن الغاية من التظاهر هي توصيل الرأي إلى من بيده الأمر، أي أنه وسيلة سلمية للتعبير عن رأي الشعب فبغيره يضطر صاحب الرأي إلى البحث عن وسائل أخرى قد تكون غير مقبولة لتوصيل رأيه إلى المسؤولين، ولكن هل معنى ذلك أنه بمجرد وصول رأي المواطن إلى المسؤولين يعد التظاهر قد بلغ غايته؟ إن التظاهر في اعتقادي علاقة بين طرفين، طرف يحتاج إلى أمر من الأمور، وطرف بيده قضاء ذلك الأمر، ولهذا فإن التظاهر لا يمكن أن يبلغ غايته إلا إذا تحقق المطلب الذي قامت من أجله التظاهرة، فلو ان عمال المصنع تظاهروا مثلاً للمطالبة برفع أجورهم فإن هدفهم لا يتحقق إلا إذا تم رفع أجورهم فعلاً أو على الأقل إذا وعدهم صاحب المصنع بأنه سيدرس حالتهم ليقرر في النهاية إذا ما كانوا يستحقون رفع الأجور أو في أقل القليل أن ينجح في اقناعهم بأن الأجور التي يتقاضونها تتناسب مع قدرات المصنع المالية ومع العائد الذي يدره ومع كمية الانتاج الذي تتحقق، فإذا ما أرادوا زيادة الأجر، فإن عليهم أن يزيدوا من معدلات الانتاج. هذا هو المفهوم الصحيح في نظري لحق التظاهر حتى يصبح حقاً دستورياً مشروعاً وحتى تكون له جدوى، ولكن ما ألاحظه في التظاهرات في مصر المستمرة والمتكررة تكراراً يدعو إلى الملل، فهو أنها لا تصل إلى نتيجة، لا تصل إلى غايتها مطلقاً، فمن بيده الأمر يتعامل مع المتظاهرين بالطريقة التي يقولون عنها في الكويت «عمك أصمخ»، أو كما كان يردد دائماً صديق لي مقيم في فرنسا، كلما طلب منه أي شخص أمراً من الأمور يقول له «أنت تأمر وبس»، وهي عبارة تستخدم أساساً للتعبير عن الاستجابة الكاملة لطلب الطالب، أي أنه يقول للطالب أنت عليك أن تأمر ونحن علينا التنفيذ، ولكن صديقي كان يستخدمه استخداماً ساخراً بمعنى أن كل ما لك عندي هو أن تأمر فقط، أما التنفيذ فلا تسألني عنه! وهي الطريقة ذاتها التي يستعملها المسؤولون في مصر كرد على التظاهرات ابتداء من حسني مبارك عندما رد على اول تظاهرة من تظاهرات 25 يناير سنة 2011، ففي وقتها قال عن طلبات المتظاهرين أنها كلها مطالب مشروعة ولكنه لم يستجب لشيء منها! ومن يومها كل من تناوبوا على السلطة من بعده ابتداء من المجلس العسكري وانتهاء بمحمد مرسي، يتبعون الأسلوب نفسه، فهم يكررون من لحظة إلى أخرى أن حق التظاهر السلمي مشروع ومقبول ولا اعتراض لهم عليه، لكنهم يقفون عند هذا الحد لا يتخطونه فلا مطلب للمتظاهرين تمت اجابته ولا رأي لهم استمعوا إليه. فالمتظاهرون في كل الميادين في التحرير وفي سيمون دي بوفوار وأمام الاتحادية يصرخون ليل نهار ويهتفون هتافات مدوية ويكتبون الشعارات تلو الشعارات وما من مجيب، لا أحد يستمع إليهم على الإطلاق، ما من أحد خرج يسألهم ماذا تريدون؟ ما من أحد طلب منهم أن يختاروا من بينهم عشرة أو عشرين مثلاً ليجلسوا مع المسؤول ليتفاوض معهم في مطالبهم، إما أن يقنعهم وإما أن يقنعوه، او على الأقل يظهر رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء على شاشة التلفزيون ليقول للمتظاهرين او المعتصمين إننا سمعنا مطالبكم وإننا نقدرها كل التقدير وإن ردنا عليها كذا وكذا، ولكنه أصلاً لا يعيرهم اهتماماً. فالسلطة كأنها قطار سريع يمضي في طريقه لا يلوي على شيء لا يتوقف أبداً ولا ينحرف أبداً وكل من يقف في طريقه يدهسه دهساً، وهو لا يكف عن ترديد عبارة: التظاهر السلمي مشروع، وكأن التظاهر أصبح غاية لا وسيلة، وكأن الشعب حسبه أن يتظاهر، أما الحكومة فحسبها أن تتركه يتظاهر، أي أنها تقول للشعب «أنت تأمر وبس»! تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|