الإسلام السياسي.. والحل؟
وكالة كل العرب الاخبارية : أبسط ملامح السياسة أنها تخلو من المُثل والأخلاقيات. رسم أبجدياتها ميكافيللي بجملة (فرّق تسد)، بل إن رئيس الوزراء البريطاني الشهير والمؤرخ العالمي تشرشل كان يردد: مستعد أن أضع يدي في يد الشيطان من أجل مصالح بلدي.
فهم الغرب منذ عقود قواعد اللعبة السياسية وأبسط خطوطها المتمثلة في جملة أنه (ليست هناك علاقة بين الدين والسياسة). هذه القاعدة قد أدركها أيضاً الشيخ طنطاوي منذ أكثر من تسعين عاماً، إذ كان الشيخ طنطاوي وهو أحد مشايخ حسن البنا، يردد على مسامعه -عندما أدرك رغبة البنا خوض غمار السياسة وعدم الاكتفاء بالدعوة الدينية- الدين يا شيخ حسن يفسد السياسة والسياسة تفسد الدين.
إن تلك اللعبة القذرة التي تسمى مجازاً بالسياسة تتطلب من الفرد أن يجيد فن المراوغة السياسية، وأن يُظهر غير ما يُخفي، ويجيد عمليات التضليل، وأن يُلغي مفردة الوفاء من قاموسه السياسي، فالدولة الصديقة اليوم ستكون عدواً الغد، كما أن عدو اليوم ربما سيكون غداً هو الصديق. هي لعبة بعيدة جداً عن الالتزام والوفاء ومثاليات السلوك التي نادت بها وعززتها الأديان السماوية.
الجماعات الدينية في الغرب ابتعدت عن السياسة واكتفت بأن صنعت أحزاباً سياسية تدافع عن مصالحها وتنافح عنها وتعمل لتحقيق أجنداتها، ولكنها في ذات الوقت لم تغامر بسمعتها الدينية في الصراع على مقعد الحكم والرئاسة حتى لا تمارس مستقبلاً نفاقاً سياسياً يتعارض مع ثوابتها الدينية.
عربياً كان لحرص حركات الإسلام السياسي لتحقيق حلم الوصول لسدة الرئاسة قصة أخرى أحق بأن تُروى. ففي سوريا في الثمانينيات جربت جماعة الإخوان المسلمين في حماة إعلان ثورة على نظام حافظ الأسد الذي كان حينئذ في قمة جبروته وقوته، فأحرق قراهم ودفن بعضهم أحياء في قبور جماعية.
وفي مصر أذاقت الحكومات التي توالت تحت حكم الرئيس السابق مبارك والرئيسين الراحلين ناصر والسادات، الحركات الدينية التي كانت تسعى للحكم ألوان العذاب والويل.
والآن وبعد وصول حركات الإسلام السياسي إلى مركز صنع القرار في تونس ومصر هل سيكون هناك فرق؟
هناك من يراها تجارب مهددة بالفشل، إذ أنها:
- لا تملك برنامجاً سياسياً للحكم، وإنما تنطلق من أيديولوجيا دينية ترفع شعار الإسلام هو الحل.
- ليس هناك برنامج اقتصادي مدروس لدى غالبية هذه الحركات الدينية، وإنما تكتفي بمداعبة أحلام البسطاء بغد واعد بالثراء والرفاهية كي تحوز أصواتهم وتصل لمقعد السلطة.
- فشل التجربة عندما طبقت في أفغانستان وقبل ذلك في الجزائر وغزة، إذ قد أثبتت جميع هذه التجارب الإسلامية في الحكم فشلاً ذريعاً سواء في التعامل الإنساني مع مواطنيها، أو في التعامل السياسي مع حكومات دول الجوار.
- وجود تركة مثقلة بالديون والمشكلات الأمنية والصحية، وكذلك معاناة البسطاء من تفاقم الفقر وتدني مستويات التعليم.
في اعتقادي وبعيداً عن كل ما ذُكر، أنه من المبكر جداً إصدار حكم على تجربة هذه الأحزاب الدينية في الحكم.
كما أنه من الخطأ بمكان تعميم فشل تجربة سياسية على باقي التجارب، فلكل مرحلة زمنية ضوابطها الداخلية التي تحكمها ومؤثرات خارجية تتحكم في ممارساتها وتعاطيها مع السلطة، ولذا فلنعطِ الجميع فرصة ولنحلم بغد واعد.