«الإخوان» والعصيان المدني والغضب العسكري
![]() ثلاثة تطورات هامة تضع الموقف في مصر علي أبواب مرحلة جديدة من الصراع الدائر منذ اندلاع الثورة قبل عامين .التطور الأول والخطير هو إعلان مدينة "بورسعيد" العصيان المدني الأول الذي تشهده البلاد. و بورسعيد ليست مدينة عادية.
إنها مفتاح قناة السويس على الطرف الشمالي وهي المدينة صاحبة التاريخ الطويل في النضال الوطني، والتي ارتبط اسمها بحرب 1956 حين هاجمتها قوات بريطانيا و فرنسا بالتواطؤ مع اسرائيل التي كانت تقتحم سيناء، في عدوان ثلاثي رداً على قرار جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس.
فشل العدوان ، وأعطي صمود الفرصة لكي يتدخل الاتحاد السوفيتي بإنذاره الشهير، ولكي تستخدم أمريكا نفوذها لإنقاذ الموقف ومنع صدام دولي والإبقاء على فرصة للغرب في المنطقة.
و تحولت بورسعيد إلى اسطورة للنضال و أصبحت " ستالينجراد" العرب. و ظلت بعد ذلك على خط النار في حرب 67 و تحملت العبء كاملاً في حرب الاستنزاف ثم في حرب اكتوبر .
بعدها كان المفترض ان يتحقق حلم المدينة في استغلال موقعها الفريد، لتكون أكبر منطقة للتجارة الحرة، لكن التنفيذ السيء للمشروع حول الحلم إلى كابوس عاشته المدينة في السنوات الأخيرة وهي تعاني الكساد والبطالة وتخبط السياسات الاقتصادية للحكومات المتوالية .
في العام الماضي شهدت المدينة مذبحة مروعة في مباراة لنادي المدينة "المصري" مع النادي الاهلي. وسقط في المذبحة أكثر من سبعين ضحية في مجزرة لم تشهدها ملاعب الكرة من قبل. و رغم أن المدينة أعلنت تبرؤها مما حدث و إدانتها له، إلا أن الأمور سادت في اتجاه نشر العداء ضد المدينة و تحميلها المسئولية عما حدث، وهو ما أدى إلى شبه مقاطعة للمدينة التي تعيش علي التجارة .
ثم جاء قرار المحكمة (الذي تزامن مع الذكرى الثانية للثورة)بإحالة أوراق 21 من المتهمين من أبناء المدينة إلى مفتي الديار المصرية تمهيدا للحكم بالإعدام ليشعل الموقف. تكون النتيجة مذبحة جديدة في المدينة سقط فيها أكثر من أربعين ضحية وألف جريح بعضهم في حالة ميئوس منها .
اشتعلت المدينة بالغضب، و كان قرار الرئيس مرسي هو فرض حالة الطوارئ و حظر التجول في مدن قناة السويس الثلاث(بورسعيد والإسماعيلية و السويس)وهو القرار الذي تجاهله المواطنون هناك وسخروا منه، ولم تسع قوات الجيش التي نزلت لحفظ الأمن للتدخل في الأمر حتى اضطر رئيس الجمهورية للتراجع عن قراره، لكن الاحتجاجات تصاعدت، حتى وصلت إلى إعلان العصيان المدني في المدينة و توقف العمل تماماً.
ورغم محاولة الحكومة لتهدئة الموقف بالإعلان عن بعض القرارات حول تقديم 400 مليون جنيه لمشروعات جديدة في مدن القناة، وعودة الحياة لمنطقة التجارة الحرة في بورسعيد، إلا ان الموقف ازداد اشتعالا مع الإصرار على كشف المسئولين عن المذبحة التي اسقطت عشرات الشهداء ومحاكمتهم وتحميل المسئولية السياسية للرئيس وحكومته، والكشف أيضاً عن الحقائق الكاملة حول مذبحة جمهور الأهلي في العام الماضي والتي يقول أهل المدينة إنهم أيضاً ضحايا لها.
واذا كانت اجهزة الأمن تضع عينيها على موعد 9 مارس القادم وهو الموعد المحدد للنطق بالحكم في قضية الضحايا من مشجعي الأهلي الذين سقطوا في مذبحة العام الماضي، إلا أن الأخطر من ذلك هو أن فكرة العصيان المدني بدأت تنتقل إلى مناطق أخرى لتصبح خطراً داهما على حكم الاخوان الذي يترنح !!
اما التطور الثاني الهام في الموقف فيأتي في علاقة الحكم الاخواني مع الجيش حيث انطلقت من مواقع إخبارية إخوانية تسريبات عن إقالة الفريق السيسي وزير الدفاع وقائد الجيش. ومع مشاعر غاضبة في صفوف ضباط الجيش بمستوياتهم المختلفة، كان لافتاً في رد الجيش على هذه التسريبات تأكيده على أن ما حدث مع المشير طنطاوي والفريق سامي عنان من قبل لن يتكرر.
كان الرد حاسما ، وقد حاولت الرئاسة ان تتراجع بإعلان تقديرها للجيش و قيادته، ولكن أصبح واضحاً ان الخلاف موجود و الصراع محتدم، و قد يكون التسريبات"بالونات اختبار " لكنها لن تمر بسهولة .. خاصة أنها تزامنت مع أمرين :الأول هو نشر أخبار إغراق بعض الأنفاق بين سيناء وغزة . و الثاني هو اشتعال الموقف في بورسعيد التي أعلنت العصيان المدني و التي تتواجد فيها قوات للجيش لحماية قناة السويس والمنشآت الحيوية.
ويأتي التطور الهام الثالث بصدام مع الجماعة السلفية وجناحها السياسي "حزب النور" الذي كان مفاجأة الانتخابات البرلمانية السابقة حيث احتل المرتبة الثانية رغم حداثة عمل السلفيين بالسياسة، وكان الحزب قد تعرض لأزمات داخلية في الشهور الماضية بانشقاق بعض قياداته، واتهم الحزب "الاخوان المسلمون" بانهم وراء هذا الانشقاق.
ثم فاجأ حزب" النور" الجميع بتحركات سياسية والتقى الحزب مع الكثير من طلبات "جبهة الانقاذ " التي تضم البرادعي و عمرو موسى و حمدين صباحي و حزب الوفد و غيره من الاحزاب المدنية، التنسيق بين "النور" السلفي وبين جبهة " الانقاذ " يبطل مفعول اللعبة القديمة في تحويل المعركة السياسية إلى معركة بين الكفر "الذي تمثله الاحزاب المدنية" والايمان (الذي يمثله الاخوان و السلفيون "، وقد انفجر الموقف في الاسبوع الماضي حين صدر قرار من الرئيس مرسي بإبعاد أحد مستشاريه المنتمي لحزب النور وهو الدكتور خالد علم الدين المتخصص في شئون البيئة، مع الاشارة لاتهامات موجهة إليه تتعلق بالفساد و استغلال النفوذ.
ولأول مرة تأتي اتهامات رسمية من هذا الحزب السلفي للاخوان بالسعي للهيمنة على الدولة، وتتحدث عن الصفقة التي يتحكم فيها المرشد ونائبه خيرت الشاطر في القرارات الرسمية، بل وتحمل الرئيس مرسي مسئولية قتل الثوار وتطالب باستقالته ومساءلته.
تطورات هامة تنقل الصراع في مصر إلى منطقة الحسم بأسرع مما يتصور الكثيرون . و تضع الاخوان المسلمون وحيدين في مواجهة الجميع، و مع تدهور الاقتصاد و جنون الاسعار و معاناة الناس من الغلاء والبطالة يبقى السؤال : إلى متى يصمد الاخوان وإلى أي حد يستمر اعتمادهم على تأييد أمريكا التي تعرف الآن أن رهانها الخاطئ سوف يكون باهظ التكلفة؟
تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|