موسيقا لغة الحصى
![]() لحا الله الإنجليز الذين وصفوا لغة الماليباريين بأنها تشبه قرقعات الحصى في علبة معدنية . تسمى هذه اللغة “مالايالم” . كأنما قيل عن الماليباري إنه يقول “ما لا يعلم” . ورغم اختلافها كلياً عن الهندية، فإن لها صلة بلغة التاميل، وبالتالي لها جذور في السنسكريتيّة . وجود ثلاث إذاعات “إف .إم” في الإمارات، ناطقة بلغة الحصى، وربّما أكثر، جعلني أتابع أحياناً وعلى مرّ السنين، الأغاني الماليبارية، فالسيارة قاعة استماع جيّدة . وبما أن الكلمات مسألة ثانوية في تقويم الموسيقا ونقدها، فإنني أستطيع القطع بأن الأغاني الماليبارية، شهدت تطوراً مشهوداً يفوق بكثير ما نراه في الأغنية العربية . ثراء وتنوع في الإيقاع، ندرة في رتابة الألحان وحسن استغلال لمساحة الحنجرة . إضافة إلى ما أسمّيه الديمقراطية الموسيقية، أي المساواة بين الجنسين والتكامل بينهما، وأعتقد جازماً أنه لا يوجد شعب في العالم لديه ما لدى الهنود من الغناء الثنائي “الدويتو” . الثنائيات العربية لا يشكل واحداً في الألف من الإنتاج الغنائي . حتى في الغناء، القاعدة هي كما في الحمّامات . الحمد لله على أننا لم نبالغ إلى حدّ تحريم غناء المرأة مثل ما حدث في إيران بعد الثورة . فقد عدّوا صوت المرأة عورة . قبل عقدين نشر “الخليج الثقافي” لي حواراً مطولاً مع الموسيقار مؤلف الأوبرا الإيراني حسين دهلوي، سألته عن رأيه فقال: “إن منع المرأة من الغناء، يشبه قطع الوترين الأول والثاني، من الأسفل، في الكمان، وترك الوترين العلويين بوصفهما القرار أي صوت الرجل . نسأل الله ألا يصل “اللي ما يتسمّوش” إلى سدّة الحكم في الأمّة، وإلا لأطلقوا على المرأة بكاملها المفردة التي تطلق على ابنة حوّاء في بعض مناطق باكستان وأفغانستان: “عورت” . أعرف أن الاستطراد سيّئ في العمود . ولكن السيّئ بالسيّئ يذكر . ولست عنصرياً حتى أستكثر على الماليباريين تطوّر أغانيهم . وإنما أعجب لقلّة الحيلة الإبداعية في موسيقانا . فقبل نصف قرن كانت الموسيقا العربية أفضل . وقبل سبعين سنة كانت أجمل ممّا كانت قبل ستين . كان التجديد كبيراً . فلماذا هذا التدهور والتقهقر؟ ولماذا تتقزّم الحناجر وتتضاءل الكلمات وتتهاوى الألحان، ويملأ الفراغ بالدعاية والعلاقات العامة؟ ولماذا لا يجد “فنانونا” غير التقليد والاستلاب؟ هل سنستورد الذوق السليم وكرامة الأذن العربية؟ على رأي الطغرائي: “تقدّمتني أناس كان شوطهمو . . وراء خطوي إذا أمشي على مَهَلِ” . لزوم ما يلزم: أم كلثوم وصفت فرقة عبدالحليم بأنها قرقعات قدور . أخشى أن تتطوّر فتصبح قرقعات حصى . تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|