الاحتمالات الأمريكية في الشرق الأوسط
التاريخ : 18-02-2013 |
الوقت : 01:41:06
لولايات المتحدة اعتبرت دائماً ان العسكريين في الشرق الأوسط بديل جاهز للسلطة باق من الزمن على رحلة الرئيس الامريكي باراك اوباما الى الشرق الاوسط 34 يوماً، وهذه فترة طويلة إذا أخذنا في الاعتبار حقيقة ما يجري في الشرق الاوسط من تطورات ـ معظمها اضطرابات ـ وإذا أخذنا في الاعتبار أيضاً أن هذه هي اول زيارة يقوم بها اوباما كرئيس بزيارة رسمية لإسرائيل. قد نتذكر صور اوباما الشهيرة التي التقطت له في اسرائيل امام حائط المبكى وهو يضع القلنسوة اليهودية على رأسه، وقد نتذكر أيضاً صوره داخل متحف «الهولوكوست»، فنظن انه زار اسرائيل من قبل. صحيح ولكنه زار اسرائيل وكان مرشحاً للرئاسة. وقد نتساءل كيف لم يزر اوباما إسرائيل كرئيس، وما الذي يمكن ان تفعله له زيارة اسرائيل بعد ان انتخب لفترة رئاسة ثانية ولم يعد يهمه التأييد الصهيوني؟ وقد نتساءل هل انحسرت خلافاته مع رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو وأصبح اوباما يريد ان يستخدم علاقاته معه للوصول الى حل للقضية الفلسطينية؟ ام ان اوباما انما يسعى الى التأثير في الرأي العام الاسرائيلي بهذا الاتجاه لصالح السلطة الوطنية الفلسطينية، التي اثبتت ميلاً شديداً الى اميركا وإلى الرئيس الاميركي في السعي الى حل من أي نوع مع الحكومة الاسرائيلية؟ قبل اي محاولة للإجابة على هذه الأسئلة لا بد ان نتفهم اولا كيف يمكن ان تكون رحلة الرئيس الاميركي الى الشرق الاوسط وسط ما يشهده من اضطرابات لا مبالغة في أن نصفها بأنها غير مسبوقة. وهنا نحن بصدد احتمالات عديدة وفقاً لما نعتقد انه طريقة التفكير الاميركية في مشكلات الشرق الاوسط والعلاقات الاميركية مع دوله. اولاً هناك احتمال بأن يكون التفكير الاميركي بشأن امن الرئيس الاميركي من نوع يستهين باضطرابات الشرق الاوسط السياسية ويقدر تقديراً خاصاً سيطرة نظم الحكم في المنطقة على الامور من الناحية الأمنية. ويبدو هذا الاحتمال ضئيلا حتى بالنظر الى ما هو معروف عن الإجراءات الأمنية الأميركية التي ترافق الرئيس الاميركي في رحلاته الخارجية. فالرئيس الاميركي يسافر، وتسبقه وترافقه فرق امنية كبيرة العدد قوية العدة وتمهد له كل الطرق التي يقضي برنامجه بأن يقطعها. ثانياً هناك احتمال بأن الرئيس اوباما ـ وفرقه الأمنية الحارسة ـ انما يعتقد ان له مكانة خاصة في بلدان الشرق الاوسط، الامر الذي يجعل صخب الاضطرابات الداخلية فيها يخبو امام شعبيته وشعبية اميركا في بلدان المنطقة ما ان يظهر في مدنها. وهذا أيضاً احتمال ضئيل، فإن الاضطرابات السائدة في المنطقة ترتبط اشد ما يكون باعتراضات ومعارضات للسياسات الاميركية سواء نظرنا الى احداث مصر - وهي على برنامج الرحلة - او الى احداث سوريا، وهي بطبيعة الحال ليست على برنامج الرحلة الرئاسية الاميركية. ثالثاً هناك احتمال آخر بأن الرئيس اوباما، وحراسته الأمنية والمخابراتية، يعتقد ان الفترة الزمنية الباقية على بدء الرحلة كافية لانحسار الاضطرابات وعودة الهدوء الى بلدان المنطقة. وهذا بدوره احتمال ضئيل الى حد يستبعد معه ان يتوفر الأمان للرئيس الأميركي. فالأحداث الجارية في المنطقة على درجة من الخطورة لا تنبئ بإمكان انحسارها خلال شهر. فضلا عن ان الاضطرابات توشك ان تشمل أقطاراً عربية كانت الى وقت قريب هادئة لا يكاد يقترب منها عنف الاضطرابات او ما يسميه ابناء المنطقة الثورة. السعودية وقطر والبحرين والاردن ـ وهي بلدان وثيقة الصلة بأميركا والهيمنة الاميركية ـ مرشحة لاضطرابات سياسية واجتماعية وعرقية ومذهبية. وحتى اذا لم يكن برنامج الزيارة يشملها، باستثناء السعودية، فإنها كفيلة بأن تؤجج الاضطرابات الاخرى وتشجعها. رابعاً الاحتمال الارجح ان تزداد الاضطرابات في المنطقة اشتعالا بسبب الرحلة الرئاسية الاميركية، كما للأسباب المحلية وأن تنصح الأجهزة الأمنية في واشنطن وفي عواصم المنطقة بتأجيل الرحلة. بغض النظر عن هذه الاحتمالات النظرية فإن منطقة الشرق الاوسط يسودها شعور قوي ـ خاصة بين الشباب ـ بأن الولايات المتحدة مسؤولة عما يجري فيها. إن الشعور السائد بين هؤلاء الشباب، وخاصة في مصر وسوريا وتونس وليبيا، هو ان هذه البلدان ليست في نظر الادارات الاميركية والمخابرات الاميركية اوطاناً، إنما هي مناطق تابعة وأن الذين يتولون شؤون الحكم فيها وكلاء للإدارات الاميركية، وعندما يحدث تغيير كما هو الحال في مصر وتونس وليبيا فإنه يقاس بالمعايير الاميركية ليكون مقبولا لأميركا او غير مقبول. وبعد ذلك لا اهمية لما اذا كانت التغييرات فيها تسير لصالح شعوبها وفي الطريق الذي يحقق طموحها. المهم للطرف الاميركي الرسمي ان يكون لمصلحة اميركا سواء بالنسبة للنفط او بالنسبة للموقع وللقواعد العسكرية الاميركية. وتتصرف اميركا ازاء هذه المنطقة ـ اكثر من اي منطقة اخرى ـ على اساس ان «اميركا دائماً على حق»، أميركا لا تخطئ أبداً. وعندما استشعرت اميركا الرسمية ان الشعب التونسي والمصري يتجهان صوب التغيير سارعت الى تبني السلطة الدينية او السلطة المدعية التمسك بالدين اساسا للحكم، فأوقعت البلدين ـ تونس ومصر ـ في مأزق تدل عليه الاضطرابات السائدة فيهما الآن والتي تجبر واشنطن على مراجعة مواقفها ازاء سلطة «الإخوان» في البلدين، حتى في نطاق اوسع من تونس ومصر. إن اختفاء هدف العدالة الاجتماعية عن النظام الذي يحكم مصر الآن بتأييد اميركي هو في مقدمة اسباب الثورة الرامية الى التخلص من جمهورية «الإخوان المسلمين». وللسبب نفسه تبدو اميركا أكثر ميلا الى الاستعاضة عن «الإخوان المسلمين» كحكام لمصر بالمؤسسة العسكرية المصرية. هؤلاء اقتربوا من أميركا كثيراً خلال سنوات حكم مبارك الطويلة، ويبدو التفاهم والانسجام بينهما اساسا للتغيير، وربما ينطبق على تونس ما ينطبق على مصر. فإن الولايات المتحدة اعتبرت دائماً ان العسكريين في بلدان الشرق الاوسط هم البديل الجاهز لتولي السلطة والإبقاء على المصالح الاميركية والروابط الاميركية. لهذا فإن تدخل الجيش يبدو امراً لا بد منه كلما بدت بوادر الثورة الشعبية في اي من بلدان المنطقة. وستبذل اميركا اقصى ما بوسعها لكي يبدو الحكم العسكري ضرورة حتمية اذا ما بدا ان حكم «الإخوان المسلمين» غير قادر على مواجهة الثورة الشعبية. وقد بدا بوضوح ان الاتصالات الاميركية في الفترة القصيرة الاخيرة تكاد تكون قد انحصرت في المؤسسة العسكرية. وهو ما بدا في زيارة الوفد العسكري - المخابراتي الاميركي الذي اجتمع في القاهرة مؤخرا بالقادة العسكريين، وعلى رأسهم الفريق اول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة المصرية. ومعنى هذا ان زيارة الرئيس اوباما لمصر ضمن رحلته القادمة للشرق الاوسط ستسعى الى تثبيت القوة السياسية القادرة على صيانة المصالح الاميركية في مصر من خلال ضمان الهيمنة الاميركية على الحكم. ولعل الفترة الباقية على موعد هذه الجولة تكفي ليتضح الوضع في مصر وما اذا كان سينتهي بخروج الإخوان المسلمين من الحكم بشكل حاسم وواضح، او اذا كان سيعطي انطباعاً ـ للأميركيين بشكل خاص ـ بأن الاضطرابات في مصر مستمرة لفترة اطول. الامر الذي يتطلب من وجهة نظرهم مد يد التأييد للمؤسسة العسكرية المصرية. ويمكن القول من الآن انه بالنسبة للولايات المتحدة فإن ،«تدخل الجيش» في بلدان الثورة في الشرق الاوسط امر لا بد منه. وتنبني هذه المعادلة الصعبة على تصور اميركي بأن واشنطن تضمن بلا حدود تأييداً للدور الاميركي والمصالح الاميركية من جانب الجيش. وهذا تصور يحتاج الى اختبار حقيقي لإثبات درجة صحته او خطئه. هل تدرك الادارة الاميركية بكل ما لديها من امكانات التدخل المرئي وغير المرئي في شؤون بلد مثل مصر ان الرئيس الاميركي معرض لتظاهرات معادية لأميركا أثناء هذه الزيارة؟ إن احتمال وقوع هذه التظاهرات ضد اوباما احتمال حقيقي سواء ادركته الأجهزة الأمنية الأميركية او لم تدركه. لكن الحقيقة التي تعكسها كتابات وإذاعات الاعلام الاميركي عن هذه الرحلة، تعكس فهماً من هذا الاعلام لحقيقة ان رحلة اوباما الى الشرق الاوسط لا تعد من الآن بأية نتائج او ثمار ذات قيمة كبيرة. ينطبق هذا على قضية الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني، كما ينطبق على اوضاع مصر وتونس وليبيا وبالطبع سوريا، سواء في البلدان التي ستشملها الزيارة او تلك التي لن تشملها. سيزور اوباما - وفقاً للتوقعات الاعلامية الاميركية ولكن ليس وفقاً لبيانات رسمية حتى الآن - كلا من اسرائيل والضفة الغربية والاردن ومصر وتركيا والعربية السعودية. ولا تزال المصادر الرسمية تمتنع عن تأكيد او نفي هذه القائمة. والسبب واضح وهو ان واشنطن لا تعرف من الآن اين تشتعل الثورات وأين تتساقط النظم التي تحظى بالتأييد الاميركي. كل ما هو مؤكد رسمياً ان وزير الخارجية الاميركي الجديد جون كيري سيسبق اوباما الى زيارة اسرائيل ضمن جولة واسعة النطاق يبدأ بها رحلاته الخارجية في منصبه الجديد. ولهذا يمكن التأكيد بأن اوباما سيزور اسرائيل. حيث لا اضطرابات ولا ثورة بطبيعة النظام القائم بل بطبيعة اسرائيل. اول نصيحة حصل عليها كيري بشأن جولته القادمة هي ان عليه ان لا يترك مجالا واسعا لآمال كبيرة لانه لا اساس لهذه الآمال بين كل ما تستطيع الولايات المتحدة ان تفعله. وأول تأكيد بشأن أهداف الرحلة برمتها انها ستركز على قضية الملف النووي الايراني... إرضاءً لاسرائيل، وبما في ذلك احتمالات الوضع السوري التي لا تزال تحير واشنطن ومنعتها بالفعل من اتخاذ موقف صريح، في ما عدا تأييدها للغارة الاسرائيلية ضد موقع داخل سوريا غير بعيد عن العاصمة دمشق. بل ان التوقعات الاميركية تصل الى حد توقع مزيد من الغارات الاسرائيلية على مواقع داخل سوري. |
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق