لا علاقة لهذا الافتراض بالتمني، فأنا راضٍ بنسبي القومي كقدر تاريخي وقضاء جغرافي، لكن ما حدث بالامس في صوفيا يثير شجونا لا آخر لها، فبعد وصول وفد من حماس الى بلغاريا للمشاركة في نشاط ذي صبغة مدنية تلقى البلغار من اسرائيل عبر سفارتها ومن رام الله عبر وزير خارجيتها احتجاجا على وجود الوفد ولكل طرف اسبابه، الاسباب الاسرائيلية معروفة وهي انها ترى في حماس حركة ارهابية اما السبب الفلسطيني المتعلق بالسلطة فهو ان اعضاء في حماس لا يمثلونها رسميا والحكومة الحماسية في القطاع مقالة.
والحصيلة على اختلاف الدوافع والاسباب هي ابعاد افراد ذلك الوفد، ولو كنت بلغاريا يقرأ منذ عدة عقود عن الصراع العربي الاسرائيلي ويشاهد عبر الشاشات ما تقترفه اسرائيل من مجازر لأعدت النظر في ثقافتي السياسية واصبح الصراع فلسطينيا - فلسطينيا، اما اسرائيل فهي خارج مداره تماماً.
وهذه ليست قطفة العلقم الاولى لموسم الصراع بين التوأمين الفلسطيني اللدودين، فقد سبقتها قطفات اخرى، منها التذرع بالصراع بين الفصائل الفلسطينية لغسل اليدين او التخلي او الاستقالة التاريخية من اي دور سياسي او انساني، تماماً كما كانت قطفة العلقم الاولى بعد اوسلو هي اعلان العرب بانهم يرضون بما يرضى به الفلسطينيون وكأن القدس مجرد مدينة سياحية في فلسطين، والاقصى منزل فلسطيني بلا دلالات ورموز وقداسة تخص مليارات العرب والمسلمين والمسيحيين في هذا الكوكب.
لو كنت بلغاريا لراجعت نفسي مطولاً وسألت من هو ادرى مني بشعاب هذا الصراع عن طرفيه، هل هما عرب واسرائيليون ام عرب وعرب فما حدث هو تزامن دراماتيكي بمعزل عن النوايا بين طلبين فلسطيني واسرائيلي لعدم استقبال اعضاء من حماس في صوفيا هذا الامر يتجاوز الالتباس السياسي على الاقل بالنسبة للاوروبيين الذين يسمعون عبر الميديا منذ اكثر من ستة عقود عن الصراع في الشرق الاوسط، فما سمعوه ومنهم من نشط لصالح احد طرفيه تستوقفهم هذه اللحظة الحرجة. خصوصا حين تضع وسائل اعلام صهيونية الخلاف بين الضفة والقطاع تحت مجهر يكبره آلاف المرات، وبالمقابل يتم تصغير الصراع العربي الاسرائيلي ليصبح اقل من حجمه التاريخي بآلاف المرات!
فهل خطر ببال الاخوة الاعداء الذين تفاهم الثلج والنار ولم يتفاهموا وادخل الفيل من ثقب ابرة ولم يتفقوا ان مثل هذا الالتباس سينشأ في العالم حول طبيعة الصراع الوجودي في هذه المنطقة؟
انها ثقافة الغساسنة والمناذرة وقيس ويمن وثقافة ذلك العربي الذي قال على بكر اخانا اذا لم يجد من يحاربه او ذلك الجاهلي الذي قارن بين ظلم ذوي القربى وظلم ذوي البُعدى فوجد ان ظلم ذوي القربى هو الاشد مضاضة!!