قالت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» السعودية إنه بخلاف النبرة التفاؤلية التي اتسمت بها تصريحات قيادات حركتي فتح وحماس بشأن مستقبل المصالحة، في أعقاب اجتماع الإطار القيادي لمنظمة التحرير في القاهرة، فإن الفرقاء في الساحة الفلسطينية لم يتوصلوا، تقريبا، إلى أي تفاهم نهائي بشأن أي من القضايا التي تمت مناقشتها، بحيث تم تعليق كل القضايا التي نوقشت خلال الاجتماع.
وأوضحت المصادر، أن اجتماع القاهرة كان يجب أن يكون اجتماعا بروتوكوليا، يتم في نهايته، التوقيع على ما تم الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة، إلا أن المفاجأة كانت عندما تمت إعادة فتح معظم القضايا التي تم التوافق عليها سابقا من جديد. وشددت المصادر على أنه كان من المفترض أن يتم خلال الاجتماع، مناقشة التفاصيل النهائية والتوقيع عليها في زمن قصير، إلا أن ما حدث هو انطلاق سجالات حول كل قضية تقريبا تم التوصل لاتفاق بشأنها، مما أعاد الأمور كلها إلى المربع الأول.
ونوهت المصادر إلى وجود خمس قضايا خلافية تحول دون تحديد موعد لإجراء الانتخابات، على رأسها، الخلاف بشأن النظام الانتخابي المعتمد. وبينما طالبت حركة فتح وفصائل أخرى، باعتماد النظام النسبي بنسبة 100 في المائة في الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس التشريعي والمجلس الوطني، فقد أصرت حركة حماس على أن يتم انتخاب 25 في المائة من النواب على الأقل، عبر نظام الدوائر الانتخابية. وبرز خلاف بين حركتي فتح وحماس بشأن جمع نواب المجلس التشريعي بين كونهم نوابا في هذا المجلس، واعتبارهم بشكل تلقائي أعضاء في المجلس الوطني المقبل من دون انتخاب.
ففي حين تطالب حركة فتح بأن يتم اعتبار أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين في الضفة الغربية وقطاع غزة، بشكل تلقائي، أعضاء في المجلس الوطني؛ فإن حركة حماس تصر على أن يتم إجراء انتخابات منفصلة لاختيار أعضاء المجلس الوطني في الضفة الغربية وقطاع غزة. وأشارت المصادر إلى أن خلافا آخر أيضا، بشأن أهلية لجنة الانتخابات المركزية للإشراف على انتخابات المجلس الوطني؛ إلى جانب الخلاف بشأن تقسيم الدوائر الانتخابية للشتات الفلسطيني؛ حيث تباينت الآراء؛ فهناك فصائل تطالب بأن يكون الشتات الفلسطيني دائرة واحدة؛ وهناك من يرى أنه يجب أن تكون هناك أكثر من دائرة؛ علاوة على خلاف بشأن نسبة الحسم. وتساءلت المصادر حول حجم التحديات التي ستواجه الفرقاء في حال تم بحث الملف الأمني الأكثر تعقيدا، والذي تم تأجيله لموعد آخر.
وقال عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» عزت الرشق، إن إنجازات مهمة تمت في اجتماع الإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية، رافضاً ما يردده البعض بأن الاجتماع فشل ولم يحقق النتيجة المرجوة التي كان يتطلع إليها الجميع.
واوضح في تصريحات لـصحيفة «الحياة» اللندنية: «العكس صحيح، نعتبر أن هذه الجولة من الاجتماعات كانت إيجابية، وإن لم تحقق التقدم الذي كنا نأمله منها»، مشيراً إلى إنجازات مهمة تحققت، أهمها مناقشة نظام انتخابات المجلس الوطني وإنجاز معظمه، وقال: «الترتيبات والتحضيرات لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير على أسس صحيحة وسليمة أصبحت قاب قوسين بعد أن كانت معطلة منذ عام 2005... بعد أن وضعت على الطريق الصحيح».
ورفض الاتهامات التي وجهت إلى «حماس» بأنها تقف وراء تعطيل تشكيل الحكومة بسبب موقفها المخالف لما أجمعت عليه الفصائل والقوى الفلسطينية، وقال: «القضايا كافة التي تم التوصل إليها جرت بالتوافق... والقضايا التي لم تنجز رفعت للنقاش لمعالجتها داخل الإطار القيادي».
وعلى صعيد النقاط الخلافية، وعلى رأسها الحكومة والانتخابات، أجاب: «كنا جاهزين تماماً للمباشرة في تشكيل الحكومة وفق الأسس التي تم التوافق عليها»، لافتاً إلى أن تأجيل التشاور في تشكيل الحكومة جاء بطلب من الإخوة في حركة «فتح» لأسباب فنية تتعلق بهم، «ونحن تفهمناها وتجاوبنا مع طلبهم هذا».
وعن الخلاف المتعلق بانتخابات المجلس التشريعي وإصرار «حماس» على التمثيل النسبي بنسبة 25 في المئة دوائر و75 في المئة، قال: «اتفقنا في لقائنا المشترك الأخير الشهر الماضي مع (الرئيس محمود عباس) الأخ أبو مازن، أننا لسنا في حاجة إلى اتفاقات جديدة، وأن ما بين أيدينا من اتفاقات (اتفاقي القاهرة والدوحة) كاف تماماً لإنجاز المصالحة». وتابع: «اتفقنا على عدم فتح الاتفاقات مجدداً، لأن فتحها وتناولها سيعيدنا إلى نقطة الصفر».
ولفت الرشق إلى أن مسألة التزامن بين إعلان تشكيل الحكومة وإعلان موعد الانتخابات (والذي تتمسك به فتح) أمر لم يتفق عليه مسبقاً، موضحاً أن التزامن المتفق عليه هو التزامن في عقد انتخابات المجلس الوطني والمجلس التشريعي والانتخابات الرئاسية، مشدداً على أن تشكيل الحكومة غير مرتبط بالانتخابات، وقال: «نحن (في حماس) نرى ضرورة الاستعجال في إنجاز ملف الحكومة والتحرك قدماً في تشكيلها لأنها أهم مظهر من مظاهر إنهاء الانقسام، وعلى رأس مهامها إزالة آثار الانقسام وتكريس الحريات العامة»، لافتاً إلى أن التحضير للانتخابات والإشراف عليها هو أحد مهامها وليس كل مهامها. ورأى أن «تحديد سقف زمني للحكومة بثلاثة اشهر أمر غير منطقي لأنها لا تكفي لتوفير المناخات الإيجابية المناسبة ولا للتحضير للانتخابات... إضافة إلى أن هذا أمر لم يتفق عليه».
وعلى صعيد مطالبة «حماس» بلجنة انتخابات عليا خاصة بانتخابات المجلس الوطني في الخارج، قال: «البعض طالب بأن تكون لجنة الانتخابات المركزية الخاصة بالداخل وبالسلطة هي ذاتها لجنة الانتخابات التي ستشرف على انتخابات المجلس الوطني في الخارج، وهذا أمر غير منطقي لأنه لا يجوز رهن المنظمة بمؤسسات السلطة... بل يجب أن تكون هناك لجنة انتخابات عليا تشرف على انتخابات المجلس الوطني في الخارج». وزاد: «قلنا إن لجنة الانتخابات المركزية يتم تفويضها بمتابعة انتخابات أعضاء المجلس الوطني داخل الوطن»، لافتاً إلى أن التحضيرات لانتخابات المجلس الوطني في الخارج أمر ليس سهلاً، ويشوبه الكثير من التعقيدات، بدءاً من حصر الأسماء وتسجيلها، إلى الاتفاق مع حكومات هذه الدول لاتخاذ الإجراءات التي تتطلبها العملية الانتخابية. وقال: «معظم الاقتراحات التي قدمتها حماس خلال الاجتماعات والمنوطة بتعديل النظام الأساسي للمنظمة، لاقى ترحيباً من الجميع».
وعما إذا كانت زيارة الرئيس باراك أوباما للمنطقة ألقت بظلالها السلبية على الاجتماعات فلم تأت النتيجة بالدرجة المرجوة، أجاب: «نعلم تماماً أن هناك جهات خارجية تسعى إلى تعطيل المصالحة ووضع العراقيل لها، لكننا نعتقد أن الأخ أبو مازن حريص على إنجازها».
وانتقد تبادل الاتهامات بين الحركتين (فتح وحماس)، وقال إنه «يعكر أجواء المصالحة ويشوش عليها»، مضيفاً: «حتى لو كانت المصالحة تسير ببطء، فنحن معنيون بأن تكمل مسيرتها». وزاد: «أقول بوضوح تام إن هذه الفترة هي فترة استكمال التحضيرات المتعلقة بملف الانتخابات وبلجنتي المصالحة المجتمعية والحريات العامة»، داعياً إلى ضرورة الحفاظ على الأجواء الإيجابية وعدم إفسادها. واكد أن «إنجاز المصالحة هو الهدف الذي ينشده الجميع... وكلنا حريص على تحقيقه».
من ناحيته، نفى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، صائب عريقات، بشدة أن يكون هناك علاقة بين زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما المرتقبة لمناطق السلطة في مارس (آذار) المقبل وتعطيل ملف المصالحة الوطنية. وفي تصريحات لإذاعة «صوت فلسطين» صباح أمس، قال عريقات، إن المصالحة الوطنية لن تؤجل لحين إتمام زيارة الرئيس أوباما أو وزير خارجيته جون كيري للمنطقة. وكانت مصادر مقربة من حركة حماس قد اتهمت حركة فتح بتعمد تأجيل إنجاز المصالحة لحين قيام أوباما بزيارته لمناطق السلطة وإسرائيل. وأردف عريقات قائلا: «أميركا قد لا تريد مصالحة وهذا موقفها، لكن موقف الرئيس عباس أن المصالحة مصلحة عليا والنقطة الأولى في تحركنا». وأكد عريقات أنه بعد قبول فلسطين في الأمم المتحدة: «نقول إن اليوم غير الأمس والتفكير الفلسطيني يجب أن ينطلق إلى أفاق جديدة لمواكبة ذلك، الإيحاء بوضع واشنطن وإسرائيل شروطا وفيتو على المصالحة كلام عيب ويجب أن نلفظه». وأوضح عريقات أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس «أصر على أن يعلن تشكيل حكومة من الكفاءات برئاسته في اليوم الذي يعلن فيه مرسوم إجراء الانتخابات وأن تجري هذه الانتخابات خلال 90 يوما». ودافع عريقات عن موقف حركة فتح الداعي للتبكير بإجراء الانتخابات، رافضا الحجة التي تقدمها حركة حماس والتي تؤكد أن إجراء الانتخابات يجب أن يسبقه توفير المناخات الصحية لذلك. وفي ذات السياق، قال خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة حماس أن ملف الحريات بالضفة المحتلة يعرقل إتمام المصالحة، مشددا على أن تشكيل الحكومة المقبلة وتحديد موعد الانتخابات مرتبطان بإنجاز ملفات المصالحة، وضمنها ملف الحريات. وفي تصريحات للصحافيين مساء أول من أمس، قال الحية إن إنجاز ملف الحريات مهم جدا لتوفير الأجواء التي تسمح بالتوافق على تحديد موعد لإجراء الانتخابات. وأكد أن التوافق على تشكيل حكومة التوافق ومدتها الزمنية يتوقف على التوافق بين الفصائل على الاتفاق على ظروف وشروط إجراء الانتخابات للمجلس الوطني والمجلس التشريعي والرئاسة. من ناحيته حمل رئيس تجمع الشخصيات المستقلة في الضفة الغربية خليل عساف حركتي فتح وحماس المسؤولية عن فشل اجتماع القاهرة وإنهائه دون التوصل لاتفاق.