لكل عام أهميته ومفاجآت الطيبة والسيئة. لكن من المستحيل أن نفرّ من الشعور بأنَّ العالم يقف على شفا جرف هادرٍ، وقد يكون 2024 عاماً حاسماً فإما خطوة إلى الأمام قد تؤدي إلى قلب النظام العالميّ رأساً على عقب، وإما خطوة على الوراء، والعودة إلى شكل من أشكال "الحياة الطبيعية".
قد تميل الصين إلى محاولة الاستيلاء على تايوان
فما الذي ستجلبه لنا سنة 2024؟ هناك قول مأثور مفاده أنّ "التنبؤات صعبة"، وهي مقولة بديهية تُنسب إلى لاعب البيسبول المحترف الذي خُلِّدَ ذكراه في قاعة المشاهير يوغي بيرا، وكذلك إلى عالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل نيلز بور، وكثيرون غيرهما.
ويسلِّط المعنى الواضح في هذا القول المأثور الضوء على مدى عدم اليقين في المستقبل – وهو الدرس الذي لقنتنا إياه سنة 2020 – ومدى الإحباط الذي يمكن أن يتمخض عن البحث عن إجابات شافية بالنظر إلى حجم المخاطر.
وفي هذا الإطار، أكدت فريدا غيتيس، منتجة ومراسلة سابقة في شبكة CNN، وكاتبة في الشؤون العالمية في صحيفة "واشنطن بوست" ومجلة "وورلد بوليتيكس ريفيو"، أنَّ الانتخابات الأمريكية تمثل مصدراً من مصادر المخاوف في جميع أنحاء العالم اليوم.
وقالت غيتيس: "لم أستطع أن أحصي عدد الذين أخبروني خلال رحلتي الأخيرة عن مدى قلقهم من أنْ يعيد الأمريكيون الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض". والواقع أنَّ مجلة الإيكونومست رأت عن أنّ دونالد ترامب يشكل الخطر الأكبر على العالم في عام 2024، واصفةً إياه بالظلام الذي يخيم علينا جميعاً.
وكتبت غيتيس في تحليل بموقع شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية: "ستحدد الانتخابات الرئاسية الأمريكية ما إذا كانت رئاسة ترامب الفوضوية بسماتها الاستبدادية مجرد مصادفة في تاريخ الولايات المتحدة، أم أنَّ رئاسة جو بايدن هي التي لا ترقى إلى ما يتجاوز هدنة لأربع سنوات من سقوط أمريكا السريع في بئر الانعزالية الاستبدادية.ستكون للإجابة عن هذا السؤال تداعيات خطيرة على العالم كله، حسب غيتيس".
وذكرت الكاتبة: "يكاد يكون من المؤكد أنَّ رئاسة ترامب الثانية ستكون أكثر تطرفاً على عدة جبهات وأصعدة. فقد تعهَّد الرئيس السابق باستخدام وزارة العدل للانتقام من خصومه السياسيين والنيل منهم، وتقويض المؤسسات الأمريكية، والتودد إلى دعاة الديكتاتورية".
من شأن هذه الإجراءات أن تُقوي شوكة الذين يزعمون أن الديموقراطية بمعناها الغربي نظام فاشل، مما يعزز الكتلة الناشئة من الأنظمة الاستبدادية المناهضة للغرب والممثلة في روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية.
وكان الرئيس السابق قد أعلن بالفعل عن أنه سينهي الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة. وتساءل عمّا إذا كان ينبغي للولايات المتحدة الدفاع عن كوريا الجنوبية، ولمَّحَ إلى حصول بلدان مثل اليابان وكوريا الجنوبية على أسلحة نووية للدفاع عن نفسها.
ومما لا شك فيه أنَّ التعليقات المتعلقة بأوكرانيا لفتت انتباه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المُستبد الذي لا يحب ترامب أن ينتقده، بل وحتى أثنى عليه وأشاد به إذ أحاطَ بأوكرانيا وحاصرها.
وقال منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن بوتين لن يكون راضيّاً عن فوزٍ محدود في أوكرانيا، "خاصةً ليس قبل الانتخابات الأمريكية التي قد تكفل له سيناريو أنسب بكثير".
وبتعبير آخر، سيواصل بوتين الهجوم على أمل أن يؤدي فوز ترامب في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل إلى سحب البساط من دعم واشنطن لكييف، مما يساعد روسيا على تحقيق نصر كامل في أوكرانيا.
وبحسب ما حذرت الدول التي كانت تحت سيطرة روسيا وغيرها من الدول، إذا انتصرت روسيا في أوكرانيا، فقد يرى بوتين مساراً لاستعادة بقاعٍ أخرى من الإمبراطورية السوفيتية السابقة، وربما حاول غزو مولدوفا الصغيرة، بل وحتى دول البلطيق التي أمست الآن أعضاء في حلف شمال الأطلسي.
ومن المفترض أن يدافع حلف شمال الأطلسي عن جميع الدول الأعضاء فيه، غير أنّ ترامب ألقى بالفعل شكوكاً حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستساعد حليفاً محاصراً. ورغم موافقة الحزبين الجمهوري والديموقراطي مؤخراً على مشروع قانون يحظر على الرئيس سحب الولايات المتحدة من طرف واحد من حلف شمال الأطلسي دون موافقة الكونغرس، فإن الرئيس ستكون لديه حرية الاستجابة للتحديات العسكرية العالمية.
وأمرَ بايدن بإرسال السفن الحربية الأمريكية إلى البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر في محاولة للحيلولة دون توسُّع الحرب بين إسرائيل وحماس - وهو صراع يمكن فعلاً أن يتطور لحرب إقليمية - أو يبعث مراراً وتكراراً رسائل صارمة يتعهد فيها بدعم تايوان تحذيراً للصين التي كرر زعيمها تعهده بإعادة توحيد الجزيرة.
وإذا تراجعت الولايات المتحدة عن المشهد في حين مضى بوتين قدماً في أهدافه الإمبريالية الجديدة، فقد تميل الصين إلى محاولة الاستيلاء على تايوان وممارسة مزيد من التنمر على جاراتها. إن مجرد احتمال أن تصبح الصين أكثر جرأة من شأنه أن يكيل ضربة لجهود منع الانتشار النووي.
تقلبات عالمية جسيمة
وسيؤدي ذلك أيضاً إلى تقلبات عالمية جسيمة. فنهاية حقبة السلام الأمريكية - مهما كانت معيبة - ستشجع مزيداً من القوى المتوسطة على التأهب لقتال منافساتها.
ورغم ذلك، قد لا يفوز ترامب في الانتخابات. وإذا أُعيد انتخاب بايدن، فإن فرص استعادة الاستقرار العالمي ستكون أكبر بكثير. لكنها ليست مؤكدة مطلقاً.
الواقع أن الولايات المتحدة ليست سوى واحدة من عشرات الدول التي من المقرر أن تشهد انتخابات رئاسية، بما في ذلك دول بالغة الأهمية كالمكسيك والهند وإندونيسيا وروسيا والمملكة المتحدة. ونتيجة بعض هذه الانتخابات متوقع مسبقاً. فالانتخابات الروسية مثلاً تمثيلية مُصطنعة، حسب وصف الكاتبة. غير أن هناك انتخابات أخرى يمكن أن تفضي إلى اتجاهات جديدة في السنوات المقبلة.
وقالت الكاتبة: هناك أمر واحد نعرفه يقيناً، ألا وهو أن لا أحد يعيش إلى الأبد. فأبرز الشخصيات العالمية - بما في ذلك بايدن وترامب والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي - في أواخر السبعينيات والثمانينيات من العُمر. وقيل إن خامنئي كان مريضاً في عام 2022، غير أن مكتبه نفى هذه التقارير. ولا نعرف مَن سيخلفه أو إلى أي مدى سيكون خلفه متطرفاً، أو كيف سيكون رد فعل الإيرانيين عندما يحين الأوان.
مفاجآت سارة
ولا شك في أن 2024 سيحمل مفاجآت سارّة، ولكن هناك فرصة كبيرة لحل المشكلات القائمة بما يصب في صالح الجميع.
واختتمت الكاتبة تحليلها بالقول "إن فكرة أننا نقف على حافة الهاوية يمكن أن تشجعنا على أن نرجع خطوة إلى الوراء، بعيداً عن تلك الحافة، ونحوِّل مسارنا إلى طريق أكثر سلاماً وبِشْرَاً".