في ظل تصاعد وتيرة الحرب في غزة وزيادة عنف الهجمات الإسرائيلية على القطاع، لأكثر من شهرين، عاد إلى الواجهة مجدداً الحديث عن إمكانية عقد صفقة جديدة لتبادل أسرى بين إسرائيل وحركة حماس، بعد انقطاع المفاوضات لأكثر من 10 أيام، على رغم من عدم تفاؤل الإدارة الأمريكية، فهل تتمكن صفقة تبادل جديدة من أن تبصر النور في الأيام المقبلة؟
مقترحات لصفقة جديدة
نقلت القناتان 12 و13 الإسرائيليتان، أمس الإثنين، عن مصدر إسرائيلي قوله إن "تل أبيب مستعدة للاستماع إلى مقترحات الوسطاء بشأن صفقة تبادل جديدة"، وأشار المصدر إلى أن "الظروف نضجت للعودة إلى توافقات بشأنها".
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، إن ممارسة الجيش الإسرائيلي مزيداً من الضغط، ستجلب اقتراحات بشأن هدن جديدة تدرسها الحكومة، مضيفاً أن إسرائيل منفتحة على بحث كل الإمكانيات بشأن مستقبل قطاع غزة، لكن لن يكون هناك دور لحركة حماس في ذلك، على حد قوله.
وفي هذا الشأن، كشفت شبكة "سكاي نيوز عربية"، نقلاً من مصادر مصرية مطلعة أن "إسرائيل طلبت وساطة مصر وقطر، لإبرام صفقة تبادل أسرى في إطار هدنة إنسانية جديدة".
وأوضحت المصادر أن الجانب المصري انخرط بالفعل في وساطة جديدة مع الجانبين القطري والأمريكي، لتنفيذ صفقة تبادل أسرى جديدة قريباً بين حماس وإسرائيل.
وأشارت المصادر إلى لقاءات مرتقبة بين إسرائيل ومصر وقطر برعاية أمريكية قريباً في هذا الإطار.
استئناف الاتصالات
ووفق هيئة البث الإسرائيلية "كان"، فإن إسرائيل تبحث فعلياً، فتح الباب أمام عملية تبادل جديدة، مشيرةً إلى أن "الشروط التي يمكن في ظلها البدء بصياغة اتفاقات جديدة نضجت، وذلك من وجهة نظر حماس وإسرائيل".
ووفق الهيئة، فإن الفئة المستهدفة من عملية التبادل القادمة هي "الفئة الإنسانية" وتضم النساء والمرضى والجرحى.
ونقلت الهيئة عن مسؤول كبير لم تسمه قوله إن رئيس الموساد دافيد بارنياع تلقى توجيهات للبدء بالاستماع إلى عروض الوسطاء، مضيفاً "إذا أراد القطريون التحدث، فسوف نستمع".
واستبعد المصدر إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد بحلول الأسبوع المقبل، لكنه أعرب عن رغبته إسرائيل في "فتح نافذة ومسار متجدد للاستفادة من الضغط على حماس في القتال، والاستعداد للحظة التي تكون فيه الحركة مستعدة لمثل هذه الصفقة".
وأضاف: "جزء من قيادة حماس غادر قطر، وهناك من سقط في المعارك، وكان دورهم نقل الرسائل بين الطرفين، وإسرائيل متواجدة فعلياً في المنطقتين، وليس فقط في شمال القطاع، الأمر الذي يعقد قنوات الاتصال".
وتقول حركة "حماس" إن ما تبقى لديها من المحتجزين، هم جنود في الجيش الإسرائيلي، مشيرةً إلى أن هذه الفئة تخضع لمعادلة مختلفة في عملية التبادل تقوم على أساس "الكل مقابل الكل"، أي إطلاق سراح جميع الجنود مقابل الإفراج عن كل الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
أمل محدود
ويأتي الحديث عن صفقة التبادل المحتملة، في وقت قال فيه مسؤولان أمريكيان، اليوم الثلاثاء، لشبكة "إن بي سي" الإخبارية الأمريكية: إن "إدارة الرئيس جو بايدن يحدوها أمل محدود في التوصل إلى هدنة أخرى بين إسرائيل وحماس والإفراج المحتمل عن مزيد من المحتجزين من غزة".
ولكن أحد المسؤولين أوضح أن "الموقف قد يتغير في الأيام المقبلة"، إذا عادت جميع الأطراف إلى "المفاوضات الجادة"، لافتاً إلى أنه "لا تقدم حتى الآن نحو الوصول إلى وقف جديد لإطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس".
وفي وقت سابق، قال منسق السياسات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي إن "التوصل إلى هدنة جديدة مهم من أجل إخراج المحتجزين في قطاع غزة"، غير أن الخارجية الأمريكية قالت إن "موقف واشنطن هو التوصل إلى هدن إنسانية وليس وقفاً لإطلاق النار في القطاع".
جهود متواصلة
ومساء أمس، تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، هاتفياً مع الوزير في حكومة الطوارئ الإسرائيلية بيني غانتس، وناقش المتحدثان الجهود القائمة لتسهيل العودة الآمنة لمن تبقى من الرهائن ورفع مستويات المساعدات الإنسانية وتجنب اتساع رقعة الصراع، وفق ما صرح به المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر.
وأضاف ميلر في بيان إن "بلينكن شدد على الضرورة الملحة لاتخاذ خطوات إيجابية للتخفيف من تصاعد التوترات في الضفة الغربية، كما أكد على ضرورة اتخاذ إسرائيل كافة التدابير الممكنة لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين".
وأكد بلينكن على أن بلاده تبقى ملتزمة بالدفع باتجاه اتخاذ خطوات ملموسة تفضي إلى إقامة دولة فلسطينية.
وعلى صعيد متصل، أوضح مسؤول إسرائيلي مشارك في المفاوضات، اليوم، أن الجانبين لم يقدما أي اقتراحات جديدة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين المتبقين في غزة منذ انهيار الهدنة في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الجاري"، وفق ما نقلته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
وأضاف المسؤول الذي لم يتم الكشف عن اسمه أن "الجانبين لم يتواصلا مع الوسطاء القطريين لبحث إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد".
جس نبض
وكان مصدر فلسطيني مطلع على ملف التفاوض لتبادل الأسرى والمحتجزين بين حركة حماس وإسرائيل، قال أمس لوكالة "أنباء العالم العربي": إن "الوسطاء بدأوا بتقديم عروض وجس نبض الأطراف ذات العلاقة".
وتوقع المصدر الفلسطيني أن عملية "جسّ النبض" التي تسبق المفاوضات الجدية الآن، ستأخذ "فترة أقل" من الهدنة الماضية، مشيراً إلى أن هناك ترتيبات تم التوافق عليها سلفاً بتصنيف المحتجزين الإسرائيليين، وتوصيف الأسرى الفلسطينيين، وتقسيمهم من طرف الفصائل الفلسطينية، إذ باتت الخطوط العامة واضحة ونطاق التفاوض محدداً ومعروفاً.
وذكر المصدر، أن ملف الأسرى في قطاع غزة في ظل الاقتحام البري الإسرائيلي بات على طاولة الفصائل، لكن "لن نسمح أن يكون هو محور التفاوض دوناً عن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية".
تفاصيل الصفقة المحتملة
وبشأن تفاصيل ما تم عرضه في مرحلة "جس النبض"، قال المصدر الفلسطيني، إن إسرائيل رفعت قائمة تشمل 50 محتجزاً، بينهم مجندات ومصابون وكبار سن من المدنيين، إضافة إلى من تبقى من النساء والأطفال، وهو ما رفضته الفصائل الفلسطينية قبيل انهيار الهدنة السابقة.
وأشار إلى أن إسرائيل "عرضت عبر الوسطاء الإفراج عن 150 فلسطينياً من المرضى وكبار السن، ممن يصنفهم بالسجناء الأمنيين، لكن الفصائل رفضت هذا الطرح بشكل كامل".
وتعليقاً على نفي "حماس" الرسمي بشأن التفاوض، أوضح المصدر أن عملية التفاوض الفعلية لم تبدأ بعد، وأن ما يحدث هو عروض متبادلة، بعضها رفضته الفصائل الفلسطينية بشكل تام "مثل قائمة الخمسين إسرائيلياً"، لكنه أشار في الوقت نفسه، إلى وجود اتصالات خاصة بين "حماس" و"الجهاد"، لإمكانية نقاش "عرض جدّي ومثمر لعملية التبادل".
وفي وقت سابق، نفى القيادي في "حماس" محمود مرداوي، وجود مفاوضات أو صفقات مع إسرائيل، قائلاً: "لن يكون هناك أي مفاوضات بشأن إطلاق سراح أسرى إسرائيليين ومحتجزين طالما لم يتوقف إطلاق النار".
"هدنة 5 أيام"
وأشار المصدر إلى أن التفاوض يشمل إفراج "حماس" عن نحو 30 إلى 40 جثماناً لجنود ومدنيين سقطوا في غزة، بسبب القصف الإسرائيلي، مقابل الإفراج عن جثامين فلسطينيين من بينهم عدد ممن لقوا مصرعهم في هجوم السابع من أكتوبر، إضافة إلى هدنة لمدة 5 أيام في هذه المرحلة.
ووفق المصدر، فإن هذا العرض قدمته "حماس" قبيل انهيار التهدئة الأخيرة، ورفضت إسرائيل مناقشته وقتها، وأبلغت الوسطاء عدم اهتمامها بتبادل جثث في المرحلة الحالية، وأنها تركز على تبادل الأحياء فقط.
وذكر أيضاً أن الفصائل الفلسطينية اتفقت على الالتزام بالتصنيفات التي تم الاتفاق عليها قبل بدء المفاوضات السابقة وعدم السماح لإسرائيل بخلط أوراق الأسرى في غزة، وأن "المرحلة الثانية وفق الاتفاق السابق هي المرضى وكبار السن من الرجال"، بينما اتهمت إسرائيل في المقابل "حماس" بخرق الهدنة، ورفض الإفراج عمن تبقى لديها من نساء وأطفال.
وأشار المصدر إلى أن "المرحلة الثالثة هي المجندات الإسرائيليات والرابعة هي الجنود"، لافتاً إلى أن هذا الملف يشمل تفاصيل عدّة تتضمن ترتيب رُتب الجنود المحتجزين في غزة وفقاً لرتبتهم العسكرية وصولاً كما قال "لتبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى بشكل كامل".
"الكل مقابل الكل"
وبعد انهيار الهدنة الأخيرة، رفضت حماس بشكل مطلق التفاوض دون وقف إطلاق النار، ولكن المصدر توقع أن يبدأ التفاوض المعمق وبشكل جدي خلال الأسبوع المقبل، بحيث يتم التوصل إلى اتفاق يخص كبار السن من المدنيين والمرضى مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين لكن ليس بالعدد والتصنيف الذي تتحدث عنه إسرائيل (1 مقابل 3).
وقال المصدر: "نتطلع إلى صفقة شاملة عنوانها الكل مقابل الكل، بحيث نطلق سراح جميع المحتجزين لدينا مقابل إطلاق سراح كافة الأسرى الفلسطينيين".
وأضاف: "بما أن إسرائيل وضعت أهدافاً، فإننا أيضاً لدينا أهداف وهي وقف الحرب وتحرير الأسرى من سجون الاحتلال"، ونوه بأن "الترتيبات التي يمكن التفاوض عليها والآليات ليس هي محل الخلاف، وليس شرطاً بالنسبة للفصائل أن يتم التبادل الشامل في يوم واحد، يمكن تجزئته بشرط أن يؤدي إلى تحقيق مطالبنا".
وأشار المصدر أيضاً إلى أن إسرائيل ترفض فكرة وقف شامل ونهائي لإطلاق النار، وقدمت عروضاً بديلة مثل الإفراج عن عدد كبير من الأسرى الذين تم اعتقالهم منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
ويذكر أن الإحصاءات الرسمية الفلسطينية أشارت إلى أن عدد المعتقلين لدى إسرائيل يقترب من 7 آلاف، ولا يشمل العدد من تم اعتقالهم من قطاع غزة منذ بدء العمليات البرية الإسرائيلية.
فيما تشير مصادر غير رسمية إلى اعتقال إسرائيل ما يقارب 3 آلاف فلسطيني من مناطق غزة وجباليا والشجاعية وخان يونس منذ بدء العملية البرية.
وتحتجز الحركة الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 137 إسرائيلياً، أخذتهم من مستوطنات وقواعد عسكرية في غلاف غزة إثر هجومها المباغت حينها.
لكنها أفرجت عن 110 أسرى خلال عملية تبادل نفذت الشهر الماضي، واستمرت نحو أسبوع، تخللها وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة، بعد أسابيع طويلة من الوساطات التي انخرطت فيها مصر وقطر، فضلاً عن الولايات المتحدة.