تعتبر البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في إيران، الرد الرئيسي للأمم المتحدة على القمع الدموي للاحتجاجات التي اندلعت عقب وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني، بعدما ألقت شرطة الآداب القبض عليها بسبب ارتدائها الحجاب "بشكل غير لائق".
قتل حوالي 537 شخصاً بينهم 48 امرأة و 68 طفلاً على أيدي قوات الأمن
وأُنشئت اللجنة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 عقب تصويت 47 دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بهدف التحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان أثناء التظاهرات.
وطوال 15 شهراً، سينكب الأعضاء الثلاثة للجنة، المحامية في المحكمة العليا في بنغلاديش سارة حسين، وأستاذ القانون الباكستاني في جامعة وارويك في المملكة المتحدة شاهين سردار علي، والمديرة الأرجنتينية لمركز العدالة والقانون الدولي فيفيانا كرستيسيفيتش، على جمع الأدلة لمحاولة إثبات، في تقرير متوقع في مارس (آذار)، مدى القمع الحكومي الذي تعرض له المتظاهرون الإيرانيون.
وبحسب منظمة حقوق الإنسان الإيرانية غير الحكومية، ومقرها أوسلو، قُتل ما لا يقل عن 537 شخصاً، بينهم 48 امرأة و 68 طفلاً، على أيدي قوات الأمن.
وتزعم إيران أن "أكثر من 75 من رجال الشرطة والمدنيين قتلوا على أيدي المشاغبين".
وفي حديث إلى مجلة "لوبوان"، توضح رئيسة بعثة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان سارة حسين، حدود مهمتها وكيف تعمل رغم عدم السماح لها بالسفر إلى إيران، قائلة: "لم يُسمح لنا بدخول البلاد، لكننا واصلنا المطالبة بذلك، وما زلنا نأمل بالموافقة على طلبنا"، وخصوصاً أن "تحقيقنا مستقل، ونحن بحاجة للتحدث إلى كل الأطراف. .لذلك نتطلع إلى التفاعل مع الإيرانيين داخل البلاد، سواء أكانوا مواطنين عاديين أو مسؤولين، وبما أننا غير قادرين على الذهاب إلى هناك حالياً، ما زلنا نحاول التواصل مع الإيرانيين، قمنا بإجراء مكالمة عامة على موقعنا وحساب إنستغرام الخاص بنا، وطلبنا من أشخاص التسجيل حتى نتمكن من الاتصال بهم بدورهم، ونحدد أيضاً الضحايا المحتملين والشهود بأنفسنا والذين يجب أن نتحدث معهم".
وعن طريقة جمع الأدلة، تجيب: "نراجع معلومات وأدلة من مجموعة متنوعة من المصادر المباشرة أو تلك التي تصلنا عبر وسطاء، جمعنا شهادات فردية مختلفة ونظرنا في التحليلات التي أنتجتها منظمات مختلفة، سواء كانت حكومية أو غير حكومية وقمنا أيضاً بمراجعة الكثير من المواد من مصادر مفتوحة، سواء على الشبكات الاجتماعية أو على وسائل الإعلام الأخرى التي تبث مقاطع الفيديو الملتقطة بواسطة الهواتف المحمولة".
وتضيف المحققة أن التحقق من صحة المعلومات يحصل باتباع المعايير التي تستخدمها الأمم المتحدة في جميع عمليات تقصي الحقائق، و"بالتالي فإننا نستخدم وسائل تحقق صارمة للغاية".
وبالنسبة الخلاصات التي توصل إليها التحقيق حتى الآن، تقول حسين: "نحن قلقون حتى الآن بشأن نقص المعلومات التي قدمتها الحكومة الإيرانية بشأن مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، نشعر بالقلق إزاء عدم امكانية الوصول إلى إيران والتواصل مع الإيرانيين.. نشعر بالقلق إزاء بعض التقارير عن القمع المستهدف للمتظاهرين وأولئك الذين يقدمون المساعدة لهم، مثل المحامين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وكذلك عائلات المتظاهرين، بما في ذلك تعرض بعضهم للتهديد والترهيب.. ويقلقنا أن بعض الأشخاص المتهمين بالمشاركة في الاحتجاجات قد حُكم عليهم بالإعدام، بما فيهم سبعة رجال لمشاركتهم في هذه المسيرات وتهم أخرى ضدهم.. تقلقنا خصوصاً التقارير التي تفيد بأن السلطات استخدمت التعذيب لانتزاع اعترافات كاذبة من المتهمين".
وتندد السلطات الإيرانية بالمهمة معتبرة أنها ذات دوافع سياسية، إلا أن حسين تذكر بأن التفويض صادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو منظمة عالمية إيران نفسها عضو فيها، "لذلك لا أعتقد أن هناك أي سبب للقول إنها ذات دوافع سياسية"، وفي ما يتعلق بأعضاء البعثة "فنحن جميعاً أفراد مستقلون وملتزمون بإجراء هذا التحقيق بحيادية تامة، أعتقد أن حقيقة أننا اتصلنا مراراً بالحكومة الإيرانية لمطالبتهم بالاجتماع معنا والتحدث علانية هو دليل واضح على نزاهتنا".
ووجهت البعثة سبع رسائل رسمية إلى السلطات الإيرانية، تحتوي كل منها على طلبات مفصلة للحصول على معلومات حول قضايا محددة، بما في ذلك عقوبة الإعدام، والإجراءات القانونية، وقوانين الحجاب الإلزامي وعواقبه على النساء، بالإضافة إلى مزاعم حالات التسمم في المدارس.
وعندما سئلت عن المسؤوليات في قمع التظاهرات، وهل لاحظت أيضا عنفاً ضد قوات الأمن؟، أجابت: "لا يمكنني حتى الآن التعليق على المسؤوليات الفردية، ما يمكنني قوله هو أننا نحقق في المسؤوليات عن كل هذه الانتهاكات ونحاول التعرف على الجناة، سواء كانوا سلطات أو أفراد معينين".
واعتادت السلطات الإيرانية تجاهل استنتاجات المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إيران.. ومع ذلك، تقول حسين إن "العملية التي نتبعها تختلف عن عملية المقرر الخاص المعني بإيران تتمثل مهمته في التحقيق، كفرد، في مجموعة واسعة من قضايا حقوق الإنسان في البلاد، بينما نتعامل فقط مع جانب محدد للغاية، وهو ما حدث في الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022".
ولإنجاز مهمتها، يواكب عمل اللجنة محققون وخبراء قانونيون ومحللون لجمع الأدلة.
وترفض حسين التعليق على مسألة أدوات الضغط التي قد تستخدمها، مكتفية بالتأكيد على أهمية نشر تقرير قائم على الأدلة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وسيضم التقرير المقرر إصداره في مارس 2024 استنتاجات محددة ناتجة عن تحقيقاتنا وستتضمن أيضاً توصيات، سيتعين على إيران أخذها على محمل الجد و الرد عليها.
ومع تراجع أخبار القمع المستمر في إيران لصالح أزمة الرهائن الغربيين والملف النووي الإيراني، رأت حسين أنه من المهم بشكل خاص أن يظل هذا التحقيق في صميم اهتمامات المجتمع الدولي، وليس فقط الدول الغربية، والتي أكد عليها مجلس حقوق الإنسان أيضًا في 6 يوليو (تموز).
إيران رئيسة منتدى تابع لمجلس حقوق الإنسان!
ما هو رد فعلك على تعيين إيران مؤخراً رئيسة لمنتدى اجتماعي لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المقرر عقده في نوفمبر المقبل؟
تقول حسين: "هذا السؤال موجه لرئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والدول الأعضاء الأخرى، وليس لي أن أعلق عليه، لأنه لا دور لنا في صنع القرار، ولكن ليس عادياً أنه في نفس اللحظة التي يفوض فيها مجلس حقوق الإنسان إجراء تحقيق في مزاعم خطيرة للغاية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل دولة ما، تتخذ قرارات تبدو متناقضة تماماً.