تتحدى فرنسا خطة تقودها ألمانيا لبناء الدفاعات الجوية الأوروبية، في مؤشر آخر على توترات تختمر بشأن كيفية مواجهة المنطقة للتهديد الذي تشكله روسيا، وفقا لتقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز".
مسؤول فرنسي نفى أن تكون باريس مدفوعة بمثل هذه المخاوف التنافسية
ويأتي هذا الخلاف مع بدء مؤتمر استراتيجية الدفاع الجوي في باريس، اليوم الإثنين، والذي يهدف جزئياً إلى استعادة الزخم من مبادرة درع السماء الأوروبية المدعومة من برلين، والتي صدم إطلاقها المسؤولين الفرنسيين العام الماضي.
ووصف مسؤولون فرنسيون الحدث الذي دعا إليه الرئيس إيمانويل ماكرون على هامش معرض باريس الجوي، بأنه "منتدى للنقاش بين وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي والمسؤولين العسكريين الأمريكيين وحلف شمال الأطلسي والمسؤولين التنفيذيين في الصناعة".
تهديد روسي
وأفادت "فاينانشال تايمز"، أن مساعي ماكرون تعكس أيضاً خلافات أكثر جوهرية بين باريس وبرلين حول كيفية تعزيز الدفاعات العسكرية على وجه السرعة ضد روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، وفي الوقت نفسه تعزيز القاعدة الصناعية في أوروبا.
وكان المستشار الألماني أولاف شولتز كشف النقاب عن "سكاي شيلد" في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لإنشاء نظام دفاع جوي وصاروخي أوروبي من خلال شراء معدات مشتركة، ووقعت 17 دولة منذ ذلك الحين، بما في ذلك المملكة المتحدة ودول البلطيق والسويد وفنلندا.
وترى الصحيفة، أن الحرب الروسية في أوكرانيا واستخدامها المكثف للذخائر والصواريخ للهجوم من السماء بمثابة دعوة للاستيقاظ بأن أوروبا لم تعد قادرة على إهمال دفاعاتها الجوية.
وقال شولتز في خطاب ألقاه في أغسطس (آب) الماضي يوضح رؤيته للدفاع الجوي: "لدينا الكثير من اللحاق بالركب في أوروبا".
ولكن دولاً رئيسية مثل فرنسا وإيطاليا وبولندا ظلت على الهامش، مما يدل على تحديات التغلب على المصالح الصناعية الوطنية حتى مع تزايد الميزانيات العسكرية في جميع أنحاء أوروبا. وعلى وجه الخصوص، فوجئت باريس بإعلان "سكاي شيلد" وأرجأت قمة فرنسية ألمانية في إشارة إلى عدم رضاها.
انتقادات متبادلة
وفي حين تجنب المسؤولون الفرنسيون والألمان النقد العلني لخطط بعضهم البعض، فإن الاختلافات واضحة وراء الكواليس، كما تقول الصحيفة، حيث خططت ألمانيا في البداية لإرسال مسؤول كبير بدلاً من وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، لكنها غيرت مسارها خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وانتقد ماكرون ضمنياً "سكاي شيلد" لاعتماده المفرط على أنظمة الأسلحة المصنعة خارج أوروبا، بينما لم يفكر بشكل كاف في أفضل طريقة لردع روسيا، بما في ذلك من خلال الحصول على قدرات صاروخية بعيدة المدى.
وقال ماكرون في خطاب ألقاه مؤخراً إن الدفاع الجوي "هو أولاً قضية استراتيجية قبل أن يكون قضية صناعية، لكن من الواضح أنه يجب أن يستند إلى توازن بين الأعمال الهجومية والإجراءات الدفاعية".
وأضاف "عندما أرى دولاً معينة تزيد إنفاقها الدفاعي لشراء أنظمة غير أوروبية على نطاق واسع، أقول لهم أنتم تستعدون لمشاكل الغد!".
وفي برلين، يرى المسؤولون أن النقد الفرنسي لا أساس له من الصحة، ويجادلون بأن الحاجة الملحة لسد الفجوات في الدفاعات الجوية تعني أن شراء أنظمة "جاهزة" أفضل من التطورات الجديدة "المطولة والتي غالباً ما تكون كثيفة التكلفة"، بحسب تقرير لـ"فايننشال تايمز".
وفي خطاب نوايا أرسل إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) العام الماضي اطلعت عليه "فاينانشيال تايمز"، وافقت الدول المشاركة في "سكاي شيلد" على "حلول عملية لتمكين التقدم السريع في الدفاعات الجوية".
خيارات ألمانيا
وعلى الرغم من أن كل دولة في "سكاي شيلد" تتخذ خيارات الشراء الخاصة بها، إلا أن ألمانيا قالت إنها تخطط لشراء صواريخ "إيريس-تي" من مجموعة "ديل" المصنعة المحلية للحماية متوسطة المدى، وباتريوت من شركة "رايثيون تكنولوجيز" بعيدة المدى ومقرها الولايات المتحدة، و"السهم 3" من إسرائيل بعيدة المدى.
ووقع البرلمان الألماني الأسبوع الماضي على المشتريات الأولى: مجموعة من 6 وحدات "إيريس-تي" مقابل 900 مليون دولار والشريحة الأولى من الأموال في صفقة بقيمة 4.3 مليار دولار لصواريخ "السهم 3".
وفي باريس، أثبت استبعاد نظام الدفاع الصاروخي الفرنسي الإيطالي "سامب-تي" الذي صنعته "إم بي دي إيه وتاليس"، والذي يخدم نطاقاً مشابهاً لنظام باتريوت الأمريكي الصنع، نقطة مؤلمة.
وقال المستشار السابق لماكرون الذي يعمل في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، شاهين فال أوشي: "فرنسا مستاءة من أن سكاي شيلد تعتمد إلى حد كبير على التكنولوجيا الأمريكية والإسرائيلية عندما يكون هناك بديل أوروبي، وأن المشروع قد استبعد جنوب أوروبا".
مخاوف تنافسية
ونفى مسؤول فرنسي أن تكون باريس مدفوعة بمثل هذه المخاوف التنافسية. وقال إن "المؤتمر لم يكن يهدف إلى تقويض سكاي شيلد، بل إلى إجراء مناقشة نحن بأمس الحاجة إليها حول الاستراتيجية الأوسع لكيفية حماية الأجواء الأوروبية، بما في ذلك دور الناتو والاتحاد الأوروبي وكذلك الردع من الأسلحة النووية التي تمتلكها فرنسا وغيرها".
وأشار مسؤول فرنسي ثان إلى خطر أن يؤدي إنفاق المليارات على أنظمة الدفاع الجوي إلى سباق تسلح جديد مع موسكو.
ومن المتوقع أن يحضر المؤتمر نحو 20 مسؤولاً على مستوى الوزراء، إلى جانب ممثلين عن حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة. ولا يتوقع عقد صفقات محددة في المؤتمر. لكن من المتوقع أن يتحدث ماكرون في الختام، وقد تعقد باريس أحداثاً مماثلة في المستقبل.
خطوات إيجابية
وكان أحد كبار المسؤولين الغربيين الذين تشارك بلادهم في مبادرة "سكاي شيلد" غير متحمس للمناورة الفرنسية مع المؤتمر، قائلاً إنه "أمر محير ويصعب فهم سبب شعور الفرنسيين بالحاجة إلى القيام بذلك.. بيت القصيد هو عدم وجود أفكار متنافسة".
وتشير الصحيفة إلى أنه داخل الناتو، ينظر إلى مبادرة "سكاي شيلد" على أنها خطوة إيجابية لتحقيق قابلية تشغيل أفضل ومنصات دفاعية موحدة، والتي كشفت الحرب في أوكرانيا عن عدم وجودها، إذ غالباً لا تعمل أسلحة الدول معاً بسلاسة ولا تستطيع الجيوش دائماً إعادة إمداد حلفائها.