على الرغم من أنّ تقارير استخبارات الدول الأوروبية تعكس مدى خطورة تنظيم الإخوان الإرهابي، وأنّه بات أكثر خطورة من التنظيمات الإرهابية، حيث يعتمد عمله على التخفّي والسرّية، إلا أنّ النمسا لا زالت الدولة الأوروبية الوحيدة التي تحظر عمل الإخوان بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، وسط تساؤلات عن أسباب تراخي الدول الأخرى.
خطورة تنظيم الإخوان الإرهابي في أوروبا تتمثل في خلقه بيئة العنف
على الدول الأوروبية مكافحة إرهاب كيانات تدعم تنظيم الإخوان
وتتعالى اليوم أصوات العديد من السياسيين والمفكرين مطالبة بضرورة اطلاع أوروبا على تجارب دول الشرق الأوسط في التعامل مع خطر الجماعة الإرهابية، محذّرين من أن الانشقاقات الراهنة داخل التنظيم لا تعني انتهائه، ومن أن إخوان أوروبا يستغلون الحوادث العنصرية وصعود اليمين المتطرف لكسب ودّ السياسيين والضغط على صناع القرار والحكومات لإقرار تشريعات تصبّ في صالح تحركاتهم وتضمن بقائهم داخل أوروبا.
وفي هذا الصدد، أكد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أن جماعة الإخوان الإرهابية والمنظمات المرتبطة بها لا تزال تتلقى دعماً مالياً كبيراً من الموارد العامة من العديد من الدول الأوروبية حيث يتم تقديم المساعدة للجمعيات الثقافية والدينية والمنظمات الخيرية التي تتلقى تبرعات بملايين الدولارات لدواعي الإغاثة.
ويُعد تنامي تنظيم الإخوان الإرهابي في أوروبا تحدّياً أمام الأجهزة الأمنية، لا سيما أن التنظيم يتخذ واجهات عمل سرية كالمدارس والجمعيات ومساعدة اللاجئين كغطاء لتوسيع نفوذه.
وتناولت دراسة صادرة حديثاً للمركز منتصف يونيو(حزيران) الجاري، تحت عنوان "الإخوان في أوروباـ هل انتهى زمن الإخوان؟" بالعرض والتحليل واقع التنظيم الإرهابي في أوروبا، وحقيقة تحوّله إلى ورقة سياسية ضدّ الدول العربية، وارتباطه مع بعض الأحزاب الأوروبية، وبالجماعات الجهادية على حدّ سواء.
ويُوثّق المركز الذي يعمل من ألمانيا وهولندا، تلقّي جماعة الإخوان الإرهابية الكثير من الدعم والإعانات من الحكومات والمؤسسات الأوروبية الرسمية بشكل مباشر أو غير مباشر. ويكشف عن وجود عدّة أسباب وراء دعم الغرب للتنظيم، منها استغلال أجهزة الاستخبارات تأثيرهم كورقة ضغط سياسية في الشرق الأوسط، لشنّ حروب نفسية ودعائية ونشر معلومات مضللة عن العديد من دول المنطقة، أو التعامل معهم كجهة أساسية للحصول على معلومات وبيانات عن تلك الدول لتحقيق مكاسب سياسية إقليمية، وبالتالي استغلال نقاط الضعف لتهديد الأمن الداخلي لدول الشرق الأوسط.
كما وتلجأ الحكومات الأوروبية غالباً إلى دعم جماعة الإخوان الإرهابية والجمعيات والمنظمات التابعة لها من أجل إطلاق برامج للتوعية وتعزيز الاندماج أو منع التطرف، حيث تخشى تلك الحكومات من أن يُساهم حظر أنشطتهم نهائياً في التحاق عناصرها بتنظيمات متطرفة.
سياسة أوروبا المُهادنة لم تعد تُجدِ نفعاً؟
ونبّهت دراسة المركز الأوروبي، إلى أنّ جماعة الإخوان الإرهابية تشتهر بقدرتها السلسة على التكيّف مع المشهد السياسي المحلي في أوروبا، وتعديل استراتيجياتها وفقاً للاحتياجات في مختلف البلدان، وقد سمح لهم ذلك بإقناع المؤسسات الأوروبية برؤيتهم كممثلين معتدلين وشرعيين لمسلمي أوروبا.
كما ساهم إقناع التنظيم أنه بديل للجاليات المسلمة في أوروبا في تعاون السياسيين الأوروبيين معه، وتبادل كسب أصوات الجاليات في الانتخابات المحلية مقابل كسب مواقف السياسيين والأحزاب، خاصة أحزاب اليسار منه.
ووفقاً لدراسة المركز، فقد أدركت العديد من الدول الأوروبية تداعيات أسلوب المُهادنة للتنظيم، وهناك العديد من الدول تخشى تصنيف الجماعة ضمن الجماعات المتطرفة، خوفاً من استهداف المصالح الأوروبية داخل وخارج أوروبا.
وعلى الرغم من ذلك، فقد بات متوقعاً أن يصبح وضع جماعة الإخوان الإرهابية صعباً من الناحية السياسية، وسيتزايد الضغط عليها كثيراً خلال السنوات المقبلة. كما من المتوقع ألا تفصل أجهزة الاستخبارات بين أنشطة الإخوان السياسية والتنظيمية وما بين الواجهات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية التي تنشط من خلالها، على غرار ما هو معمول به حالياً. ولكن بالمقابل من المرجح أن تواصل جماعة الإخوان رهانها على وجودها في أوروبا لأسباب تتعلق باستمرارية سياسة أوروبا المهادنة.
أين تكمن خطورة الإخوان؟ وكيف يُمكن التصدّي لهم؟
ويرى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أنّ خطورة الإخوان في أوروبا ليست في ممارستهم للعنف المباشر، وإنما في خلق بيئة العنف التي تحركت على قاعدتها كل التنظيمات المتطرفة، سواء المحلية أو الإقليمية أو التنظيمات المتطرفة ذات الامتداد القاري، وهذا الدور غير المعلن هو الأخطر في المواجهة لأنه هو من يوفر الحماية للجماعات المتطرفة.
ويكمن خطر جماعة الإخوان الإرهابية، في أنهم يدعمون ويعززون فكرة رومانسية لإحياء فكرة الدولة الإسلامية. وقد بدأت بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا والنمسا وحتى ألمانيا في اتخاذ خطوات للحدّ من توسع الجماعة داخل حدودهم، والحدّ كذلك من مصادر التمويل الخارجية التي أعطت التنظيم الإرهابي النفوذ الهائل الذي تتمتع به.
وتخلص دراسة المركز إلى أن ما ينبغي أن تعمل عليه الدول الأوروبية هو تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب والتطرف والتصدي للكيانات التي تدعمه. وكذلك تعزيز مراقبة أنشطة المنظمات الخيرية والجمعيات والمراكز الدينية، وإصلاح دور المؤسسات الرسمية المسؤولة عن ترخيص المنظمات. بالإضافة إلى تكثيف العقوبات الدولية ضدّ الكيانات والمنظمات التي لا تشارك في مكافحة الإرهاب والتطرف، وبدلاً من ذلك تعمل على إضفاء الشرعية عليه.
كما ينبغي زيادة الرقابة وتعزيز تبادل المعلومات بين الدول الأوروبية ودول منطقة الشرق الأوسط. ويرى المركز أن أهم السبل للقضاء على ظاهرة التطرف هو مقاومة تلك الظاهرة معرفياً، وذلك بوضع مبادئ لمشروع فكري لمجابهة الإخوان في أوروبا تتلخص في تفكيك الأفكار المؤسسة لأيديولوجية جماعة الإخوان ونقدها، وتفكيك الخطاب المتعاطف معها ونقده في أوروبا، وتسليط الضوء على أنماط التدين الأخرى المتصالحة مع الحداثة ومع الدولة الوطنية، والتنظير لمرجعية معرفية عربية لدراسة الظاهرة الإسلاموية.
ويدعو المركز في ختام دراسته، حكومات أوروبا إلى ضرورة الإسراع في إجراءات تجفيف مصادر تمويل الإخوان، ومحاصرة عمل الجمعيات والأشخاص ذات الصلة بالجماعة، ورصد الروابط التي تجمع بين الإخوان داخل وخارج أوروبا، ومراعاة أساليبهم الجديدة في التجنيد ونشر التطرف