يعتبر قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نشر أسلحة نووية في بيلاروسيا، بالتزامن مع اجتماع الحلفاء الـ31 في الناتو في ليتوانيا، متهوراً ومثيراً.
لم تترك عدوانية بوتين مكاناً في الناتو لضبط النفس
ويقول كاتب الشؤون السياسية في وكالة بلومبرغ للأنباء أندرياس كلوث، إن قرار بوتين واحد من "سيوفه النووية" وأبرز أحداثه العسكرية منذ أن هاجم أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، مشيراً إلى أنه لا يمكن لحلف الناتو أن يترك هذا التصعيد دون رد. لكن السؤال يكمن بكيفية الرد لا وجوبه.
التوقيت
وبحسب كلوث توقيت بوتين "يكشف كل شيء أعلنه لأول مرة عن نيته تسليح بيلاروسيا بالأسلحة النووية الروسية في مارس(آذار) وهذا الشهر أخبر ديكتاتوره الأليف في مينسك (ألكسندر لوكاشينكو) أن الاستعدادات ستكتمل بحلول 8 يوليو (تموز) المقبل"، فيما بدأت الرؤوس الحربية بالتواتر على بيبلاروسيا بعد ذلك مباشرة، ليتزامن وصول "طلائع السيوف النووية" مع انعقاد قمة الناتو الدورية في فيلنيوس 11 و 12 يوليو(تموز).
لا شك أن نية بوتين هي كشف تأثير قدراته النووية، وهل ستساعده في التغلب على اجتماع الناتو والسخرية منه، حيث سيكون هو وحربه العدوانية، بطريقة أو بأخرى، "الموضوع الوحيد". لبحث الناتو رفع هدفه من الإنفاق العسكري، كما يتابع كلوث.
وبحسب بلومبرغ، يريد بوتين ولوكاشينكو مقاطعة وإفساد إظهار الوحدة والعزم الحلفي في الأطلسي ودور لوكاشينكو في هذه اللعبة "ضئيل"، لكنه "لئيم" أيضاً، ففي الأسبوع الماضي، تفاخر بأن هذه الرؤوس الحربية "أقوى بثلاث مرات" من القنابل الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي ، وأنه لن يتردد في مطالبة بوتين بإسقاطها، لكنه أهمل (لوكاشينكو) أن يذكر أن بوتين لن يتشاور معه بأي حال من الأحوال إذا أراد إطلاق أسلحته النووية في أي وقت كان.
تطويق الناتو
ويكمل كلوث "يُقصد بحركة الرؤوس الحربية القريبة جداً من الناتو أن تكون عملًا من أعمال الإرهاب النفسي، وهناك تكهنات منذ فترة طويلة في الغرب بأن بوتين قد يكون لديه بالفعل أسلحة نووية في كالينينغراد (المكان الروسي المعزول والمحشور بين بولندا وليتوانيا)، وبالتالي جغرافياً داخل أراضي الناتو. وجلب الرؤوس النوية الذرية إلى بيلاروسيا المجاورة، سيزيل أي غموض لدى أعضاء الناتو الشرقيين، وحتى أولئك الذين يتواجدون في وسط أوروبا من أنهم الآن في مرمى نيران أسلحة بوتين".
ويضيف كاتب الشؤون السياسية كلوث، "يبدو أن الرئيس الروسي يستمتع بالمفارقة التاريخية، في التسعينيات بعد الحرب الباردة، عندما كانت أوروبا والعالم على أمل دخول عصر جديد، بعدما سلمت جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق بيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان طواعية ترساناتها النووية إلى روسياـ باسم عدم الانتشار في المقابل، حصلوا على ضمانات أمنية من روسيا، وكذلك من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وبالتالي، فإن وضع بوتين للرؤوس الحربية، مثل غزوه لأوكرانيا، يمثل خرقاً لهذه التفاهمات وانعكاساتها، لقد أعاد عمداً ليس الحرب فقط، بل سباق التسلح النووي إلى أوروبا، أولاً، بالتهديد باستخدام القنابل النووية، وثانياً، بتعليق مشاركة روسيا في معاهدة "نيو ستارت"، المعاهدة الأخيرة المتبقية لضبط الأسلحة بين موسكو وواشنطن. والآن عن طريق نقل هذه الأسلحة المدمرة إلى بيلاروسيا.
على النقيض من ذلك، قلص الناتو وجوده النووي في أوروبا منذ الحرب الباردة. وفي أوائل السبعينيات، احتفظت الولايات المتحدة بحوالي 7000 سلاح نووي في أوروبا وفي الوقت الحاضر، من المقدر أن يكون هناك حوالي 100 فقط. ويتم تخزين هذه الرؤوس الحربية في 6 قواعد في 5 دول حليفة كانت أعضاء بالفعل في الناتو خلال الحرب الباردة، هي ألمانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وتركيا، مع الإشارة إلى أن العضوين الآخرين في الناتو، المملكة المتحدة وفرنسا، لديهما ترسانات ذرية خاصة بهما.
ضبط النفس.. عفا عليه الزمان
وبحسب الوكالة لم تترك عدوانية بوتين مكاناً في الناتو لضبط النفس، وهي استراتيجية عفا عليه الزمن وفي قمة فيلنيوس، من المقرر بالفعل أن يغير حلفاء الناتو استراتيجيتهم التقليدية (بمعنى غير النووية) من "الانتقام" إلى "الإنكار". في الأولى يعني أن الحلف في رغبته عدم استفزاز الكرملين، وأبقى حتى الآن معظم قواته في المؤخرة، ولن يرسل تلك القوات إلا لاستعادة حلفاء الناتو مثل إستونيا أو لاتفيا أو ليتوانيا، إذا تم الاجتياح من قبل روسيا. ويعني أنه في المستقبل، ستوقف قوات الناتو الاجتياح الروسي عندما يتخطى الجيش حدود أي دولة حليفة.
وعلى نفس النهج، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الرد على استفزاز بوتين النووي بمنطق "الردع القديم" ولكن المثبت، وسابقاً كان الناتو يرابط صواريخ أمريكية في ألمانيا الغربية، ليس للتصعيد، ولكن لحمل موسكو على التوقف عن القيام بذلك. اليوم وضع بوتين أسلحة نووية في بيلاروسيا، فيجب على أمريكا نقل بعض رؤوسها الحربية إلى دول الناتو الشرقية التي تشعر بأنها الأكثر تهديداً (بولندا ودول البلطيق).
وبحسب بلومبرغ، إذا كانت هناك أي طريقة لإيقاف بوتين، فيجب أن تكون بإرداة من حديد، حتى لو كانت باستخدام السلاح النووي، لقد قام حتى الآن بالعديد من الفظائع، غزو دولة مجاورة لم تهدده، إلى عمليات تغيير ديمغرافي وسكاني في أوكرانيا، وتدمير سد نوفا كاخوفكا، إلى جانب أكاذيبه المستمرة وسخريته المتواصلة من العالم أجمع