يرى المحلل الاقتصادي سكوت مكدونالد أن المشكلة التي تواجه الولايات المتحدة ليست مجرد أزمة سقف الديون، إذ إن أزمة سقف الديون في حد ذاتها هي أحد أعراض أمر أكثر إشكالية: "نظام سياسي منهك وقد ينكسر في أي وقت".
التحول السريع بعيداً عن الدولار الأمريكي ليس مرجحاً على المدى القصير
ويشير مكدونالد في تقرير بمجلة "ناشونال إنترست" أنه حال لم يتمكن الديمقراطيون والجمهوريون من التغلب على خلافاتهم بشأن الإنفاق، فسوف تنفد أموال الحكومة الفيدرالية في أوائل يونيو (حزيران)، مما قد يؤدي إلى التخلف عن سداد الديون السيادية.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تتخلف عن سداد ديونها السيادية في تاريخها، إلا أن الطبقة السياسية الحالية في واشنطن فتحت الباب أمام مثل هذا الاحتمال. يقول مكدونالد: "للأسف، الجمهور الأمريكي منهك، لقد شاهد هذا العرض من قبل".
ويلفت كبير الاقتصاديين في مركز "سميث" للأبحاث إلى أنه "يمكننا أن نتوقع التوصل إلى اتفاق في الساعة الأخيرة، ولكن هناك خطر متزايد من أن تخطئ الطبقة السياسية في تقدير الولايات المتحدة وتغرقها في التخلف عن سداد الديون، مما قد يكون له تأثير غير مباشر على الدولار ودور الولايات المتحدة في العالم".
خلع الدولار
ويوضح الكاتب أن أحد المخاوف الكبيرة المتعلقة بالتخلف المحتمل عن السداد هو أن مثل هذا الحدث سيعطي مزيداً من الزخم لخلع الدولار الأمريكي كعملة احتياطية رئيسية في العالم. على الرغم من صعوبة ترجمة هذه القضية إلى الحياة اليومية للأمريكيين، إلا أنها مسألة مهمة.
بدأت الصين وروسيا وجنوب إفريقيا والعديد من الدول الأخرى بالفعل في إجراء جزء من تجارتها بعملات أخرى هرباً من احتمال قيام الحكومة الأمريكية بتسليح عملتها الوطنية، وهو ما كان واضحا في العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا. بالنسبة لأي شخص يشاهد، تعمل الصين بجد للتخلص من الدولار، مما يقلل من تعرضها لأوراق الخزانة من أكثر من 1 تريليون دولار في عام 2022 إلى 859 مليار دولار في يناير (كانون الثاني) الماضي ومن المتوقع أن تنخفض.
وفي حين أن التحول السريع بعيداً عن الدولار الأمريكي ليس مرجحاً على المدى القصير، فإن الاتجاه ليس لصالح واشنطن. ومن المؤكد أن التخلف عن السداد السيادي الناجم عن الافتقار إلى الإرادة السياسية بدلاً من القدرة على الدفع، من شأنه أن يغذي الزخم نحو خلع الدولار.
ويرى مكدونالد أنه سيكون لانخفاض الدولار الأمريكي عواقب على شهية الطبقات السياسية الأمريكية الشرهة للإنفاق العام المتزايد باستمرار. لكن، كما يقول النقاد، لن يحدث ذلك أبداً، لأن سياسات سقف الديون في واشنطن هي عرض سيستمر إلى الأبد، خاصة وأن العجز لا يهم.
ومع ذلك، يقول مكدونالد، فإن العجز لن يكون مهماً حتى يحدث، فالتجريد المستمر من المزايا النسبية للولايات المتحدة مثل السياسة الديمقراطية المستقرة، والسياسة الاقتصادية الحكيمة، والإجماع العام على السياسة الاقتصادية، والديون القابلة للإدارة، كلها لها تأثير تراكمي.
سياسة "لا ألم اقتصادي"
تم توجيه المبالغ الهائلة من الإنفاق والاقتراض الفيدرالي منذ الأزمة المالية 2009 للتأكد من أنه حتى عندما يكون هناك تباطؤ اقتصادي، فإن الإنفاق يذهب للمساعدة في تخفيف عمق الانكماش، وهذا ينطبق على الطبقة المتوسطة والعاملة وكذلك الشركات الكبرى والقطاع المالي.
واتخذ الكثيرون الفترة الممتدة لأسعار الفائدة المنخفضة على أنها أموال رخيصة، وساعد هذا "وول ستريت" على تحقيق مستويات قياسية، وأبقى شركات "الزومبي" تترنح، وعزز متوسط المدخرات من خلال جائحة فيروس كورونا، حسب مكدونالد.
وإحدى نتائج ذلك هي أنه لا توجد دورة أعمال تقليدية للتوسع والذروة والانكماش حتى الآن، وإحدى علامات ذلك هي أن حالات الإفلاس ظلت عند مستويات منخفضة تاريخياً من عام 2009 حتى عام 2020. ووفقا لشركة "ستاندرد آند بورز غلوبال"، لم تشهد حالات إفلاس الشركات ارتفاعاً إلا في عام 2023، حيث سجل الشهران الأولان أعلى إجمالي لأي فترة مماثلة منذ 2011.
لكن، بحسب مكدونالد، فإن ما يوفر الأمل في الأزمة الحالية هو أن المعتدلين في كلا الطرفين يريدون عقد صفقة. وبالنظر إلى المستقبل، فمن المحتمل أن يتم حل أزمة سقف الديون قبل نفاد أموال الحكومة الفيدرالية أو بعد ذلك بوقت قصير. ومع ذلك، فإن الطبيعة الجريحة للسياسة الأمريكية تترك الباب مفتوحاً لمزيد من التآكل في صنع السياسات الاقتصادية الأمريكية التي تقوض الدور الدولي للدولار وتقوض القيادة العالمية للولايات المتحدة