فرحة الاستقلال .. الزي الشعبي الاردني شاهد على تاريخ تليد ودعوات ليوم وطني له
وكالة كل العرب الاخبارية
ليس صدفة أو للضرورة وإنما عن سابق قصد وتدبير؛ فقد نسج البشر عبر تاريخهم ثيابا ليس لمجرد ستر أجسادهم وحمايتها من تداعيات الطقس، بل لتعكس في تصاميمها تكوينهم النفسي والاجتماعي، ولترسخ وحدة متناغمة على قدر رفيع من الانسجام الذي غدا مع العصور طابعا شعبيا وطنيا له دلالاته، ولتصبح الأزياء الشعبية في مقدمة اهتمام المجتمع البشري كونها تبرز جمال الإنسان بمحمولاته الثقافية.
ولم يكن الأردنيون استثناء، فأزياؤهم الوطنية والتراثية تمثل هويتهم وثقافتهم وتحكي تاريخا يحكي قصة الاستقرار على هذه الأرض عبر عصور مديدة، ومن أجل هذا، يقول مختصون ومهتمون، إن إعلان يوم وطني للزي الأردني في وقت يحتفل به الأردنيون بعيد استقلال المملكة يكتسب أهمية ثقافية ووطنية باعتباره سفيرا لتاريخ شعب ووطن.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عادت لتاريخ الزي الشعبي والوطني الأردني وتتبعت الإقبال عليه في المحلات المتخصصة به لاقتنائه وارتدائه في المناسبات الشعبية والوطنية والأفراح أو لغايات الإهداء بين المواطنين أنفسهم أو السياح أو لاهدائه كذكرى لشخصيات أجنبية كونه يرسم صورة البلاد ويحكي سيرتها الثقافية.
فهناك رمز وقصة تحكيه المدرقة مثلا التي تختلف بالطول والموديل والتطريز واللون، وكذلك غطاء الرأس والقمطة وعصبة الرأس، لكنها جميعها تضفي على من ترتديها جمالا وأصالة وتميزا تفتقر لها الأزياء العصرية.
تقول الإعلامية المهتمة بالزي التراثي الأردني هند خليفات إنها لبست من دور أزياء عالمية لكن لديها شغفا باقتناء الثوب السلطي التراثي، مشيرة الى أنها أهدت إحدى سفيرات الدول الأجنبية الصديقة بعمان ثوبا عمره 60 عاما باعتباره سفيرا للتراث والهوية الوطنية.
وترى خليفات في الثوب الشعبي الأردني علامة فارقة في عالم الأناقة والأصالة، رائية أنه "مهما سعت العلامات والماركات الجديدة الى تصميم وإنتاج ملابس فلن تنافس ما وصفته بـ "بالأزياء الشعبية الذكية" التي كانت تضفي على أمهاتنا وجداتنا تميزا وأناقة وتوفر لهن الراحة في أعمالهن كالحصاد" .
وتؤكد المهتمة بالتراث الأردني ثروة أبو درويش أن الثوب الشعبي يكاد يكون الخيار الأول الذي لا ينافسه تصميم آخر للفتيات والسيدات خاصة في المناسبات الدينية والوطنية، لافتة الى جماليات ثوب العروس المعانية الذي يطلق عليه (الهرمزي)، والذي يتكون من عدة قطع إحداها من الحرير الخالص.
وأضافت، إن القطعة الثانية من الثوب وهي المعروفة بـ "الجلاية"، وتشبه الجاكيت لكنها أطول منه، وتصل إلى الركبة، تضفي على المرأة حشمة فوق حشمة وجمالا فوق جمال، وتُتوج بـ "العصابة" التي تخاط بالصنارة وتتدلى منها (العصملي) لتضفي سحر الذهب على جمال التصميم، كما تقول ابو درويش.
واللافت بالثوب الشعبي الاردني أنه مفعم بالألوان التي تعبر عن مشاعر الفرح والابتهاج، إلا أن اللافت بـ "الهرمزي" المعاني بالإضافة الى ذلك أنه يصمم بحيث يكون أكثر طولا ثم تسحب الزيادة من تحت حزام لتشكيل ما يسمى بـ (العب)، ويكون (الكمّ) الأيمن أطول من الأيسر لتمكين العروس من تغطية وجهها به عند خروجها من منزل ذويها الى منزل زوجها، وهو نفس مبدأ "الخلقة السلطية" لكن الحزام أقصر منها بكثير، مشيرة في هذا الصدد إلى حرص السيدات والفتيات والأطفال على اقتناء الثوب التراثي باعتباره موروثا جميلا يجب المحافظة عليه.
وتشير مصمّمة الأزياء التراثيَّة مناف عبيدات إلى ظهور الطلب مجددا على إضافة التَّطريزَ القديمَ على الأثواب في الأعراس والمناسبات خاصة من قبل الصَّبايا؛ ولهذا يتمُّ إعداد وتنفيذ تصميماتٍ تراثية بروح العصر وتبرز في الوقت نفسه فخامة وعراقة وأصالة تراثنا وأنَّه صالحٌ لكلّ العصور ويتطور مع تطور العصر، مع المحافظة على أصالته وتاريخه.
وقالت، "عندما نرتدي قطعةً مطرَّزةً فإنَّنا نرتدي قصَّةً كاملةً من العملِ والسَّهرِ والتَّحضيراتِ والتَّرتيباتِ وتنسيقِ الألوان، موضّحةً أنَّ السّيّدات يعشقنَ التُّراث وربينَ أجيالًا نتيجة هذا العملٍ والجهدٍ والتعبٍ".
وأشارت الى أنَّ أسعار الأثوابَ المصنوعةَ يدويًّا تتراوح بين 200 - 700 دينار بناءً على حجم العمل المبذول ذلك أنَّ الثوب يتمُّ تطريزه بـ "قطب لفَّاتِ تطريز من حريرٍ فرنسيٍ، ولهذا يتحكَّم عدد لفات الحرير المستخدمة بسعر الثَّوب"، مشيرة الى أن إعداد الثوب الثوب الواحد يستغرق بين شهرين إلى أربعة أشهر من العمل الذي تعكف عليه ثلاث سيّدات مؤهَّلات على الأقل من ذوات الخبرة، لإنجاز التَّطريز والخياطة، ويختلف من ثوب إلى آخر حسب (الماركة) وهي قطعةٌ مُصمَّمةٌ بثقوبٍ متباعدةٍ ومتساويةٍ بطريقةٍ هندسيَّةٍ وبمقاسات يتمُّ تثبيتها على قماش الثَّوب لتحديد خط التَّطريز.
وأوضحت أن الأثواب المطرزة أنواع منها ثوب "القطبة الفلاحي" الذي تطرز فيه كل أجزاء الثوب، من القبة والأبدان والأكمام والبنايق، والذيال، والأردان، وثوب المناجل: وهو الثوب الذي يتركز التطريز فيه على شكل أشرطة رأسية، وثالثها، ثوب النول: وهو الذي يطرز بقطبة "اللف" بالماكنة أو بواسطة الإبرة اليدوية.
أستاذ الآثار في كلية البترا للسياحة والآثار في جامعة الحسين بن طلال الدكتور محمد بركات الطراونة، أشار إلى أن الشرق الأدنى القديم لعب دورا كبيرا في تحول الإنسان إلى اقتصاد الزراعة وتدجين وتربية الحيوانات منذ العصر الحجري الحديث، ومع تربية الأغنام بدأ الإنسان باستخدام الصوف في صناعة المنسوجات، لافتا الى أن الصوف يمتاز بأنه مادة مستدامة وغير مكلفة، وله خصائص كيميائية مميزة خاصة قبوله الصباغ ولذلك أصبح مادة أساسية في صناعة الملابس منذ العصر الحجري الحديث وحتى وقتنا الحالي.
وأضاف الطراونة، إن هذه المنسوجات تحللت عبر الآف السنين لأنها مصنعة من مواد عضوية، لكن وصلتنا أدلة أثرية مختلفة عن صناعة المنسوجات خلال العصور الحجرية، فقد عثر على ثقالات الغزل في العديد من مواقع العصر الحجري الحديث التي تعود إلى ما يزيد على 9000 عام في عدد من المواقع، مثل عين غزال على طريق عمان الزرقاء، وبسطة في قرية بسطة بقرى النعيمات إلى الشرق من البترا، وموقع الصفية الذي يقع في وادي الموجب، وفي بعض مواقع البادية الشرقية، كما عثر على أقراص حجرية مثقوبة يعتقد أنها استخدمت كدرر مغازل، وعثر في مواقع على إبر عظمية بأحجام مختلفة.
وبحسب الطراونة شهدت فترات العصور الحجرية المختلفة اهتمام الإنسان بعناصر الزينة الأخرى، مثل: العقود المصنعة من الأحجار الملونة والعظام والأصداف البحرية التي تم جلبها من مناطق بعيدة مثل: البحر المتوسط والبحر الأحمر خصيصا، ومثال ذلك (عقد جميلة) المعروض في متحف البترا من موقع بعجة شمال البترا، والذي يعود إلى ما يقارب 9000 عام، لافتا الى أن الأصداف والخرز استخدمت في عملية تزيين الملابس خلال تلك الفترة.
وتظهر الأدلة الأثرية تطور صناعة القماش والملابس خلال العصر الحجري النحاسي ومن الأدلة على ذلك معثورات كهف المحارب قرب أريحا مثل قطعة القماش الكبيرة التي استخدمت في لف جثة المتوفى، بالإضافة إلى حذاء جلدي (صندل) مصنوع بشكل متقن وبدون استخدام المسامير والمواد اللاصقة ويضاهي الصناعة الحديثة بجودته.
ومن الأدلة الأثرية التي توصل لها علماء الآثار، بحسب الطراونة، العثور على أقدم خيوط مصنعة من القطن على مستوى الشرق الأدنى في منطقة وادي الأردن، وتعود إلى ما يزيد على 7000 عام وتم صبغ بعضها بألوان مختلفة في البادية الشمالية الشرقية وتحديدا في موقع ضويلة حيث عثر على خيوط من القطن حفظت داخل كسر من الجص تعود إلى ما يزيد على 5000 عام، وهذا يؤكد تعامل إنسان المنطقة مع مادة القطن منذ مراحل مبكرة جدا من التاريخ البشري في صناعة الملابس.
كما أظهرت الأدلة الأثرية، والحديث للطراونة، تطور صناعة الملابس والقماش بشكل كبير خلال العصور البرونزية، وعلى الرغم من أن صناعة الغزل والنسيج عرفت قبل حوالي 10000 عام إلا أنها بقيت محصورة في الإنتاج المنزلي حتى العصور البرونزية ثم تطورت إلى الإنتاج الصناعي المتخصص، ومن أهم الأدلة الأثرية على تطور هذه الصناعة الرسومات التي عثر عليها في مقبرة بني حسن في مصر وترجع إلى ما يزيد على 4000 عام وتظهر مجموعة من الأشخاص على الأغلب من منطقة جنوب بلاد الشام في زيارة لمصر.
واللافت للانتباه تنوع واختلاف ملابس الرجال عن ملابس النساء، حيث ارتدى الرجال ملابس أقصر من ملابس النساء وأحيانا ارتدى بعضهم التنورة مع الصندل، في حين ارتدت النساء آنذاك ملابس أكثر طولا وأحذية تغطي كامل القدم، في حين يظهر التنوع الكبير في الألوان والزخارف في ملابس الرجال والنساء عبى حد سواء خاصة ألوان الأبيض والأزرق والبرتقالي، كما يقول الطراونة.
وقال، إن هذا يدل على تطور صناعة الألوان والاهتمام بتنوع الزخارف على الملابس، كما يظهر ارتداء النساء لنوع من الرباط على الشعر، وهذا الاهتمام في تنوع الزخارف والألوان معروف أيضا في الملابس التراثية خاصة النسائية في العصر الحديث حيث تحرص النساء على التطريز بألوان وزخارف متعددة.
وفي موقع تل أبو الخرز في وادي الأردن من العصر البرونزي المبكر عثر على العديد من الأدلة على هذه الصناعة ومنها الثقالات ودرر المغازل والتي عثر على إحداها ما تزال مثبتة على عصا المغزل، وعثر في موقع دير علا على مئات ثقالات الغزل المصنعة من الطين بأشكال وأحجام مختلفة بالإضافة على العديد من الأدوات المرتبطة بهذه الصناعة كما عثر على بعض قطع القماش والتي تعود إلى 800 ق.م، بحسب الطراونة.
وأشار الى أن الإنسان تأقلم مع بيئة المنطقة في صناعة ملابسه التي تقيه أشعة الشمس وبرودة الطقس خاصة غطاء الرأس، وظهر استخدام الكتان في بعض المناطق مثل مصر، وعثر على الأدوات التي ترتبط بصناعة الملابس والنسيج في العديد من المواقع المختلفة.
وللأردنيين نمطهم المعروف في لباسهم سواء أكانوا رجالا ونساء أم أطفالا كما يؤكد الباحث والأديب نايف النوايسة، مشيرا الى أن ما يميز الاردنيين عن غيرهم من الشعوب، وجود هوية تراثية أو ما نسميه بـ "اللغة الإشارية" التي تظهر على الأغلب في المناسبات كالأعراس والأتراح والأعياد.
وأضاف النوايسة، حين ننظر في طبيعة القماش وأنواعه وألوانه مثل "الحبر والمخمل والملس والجورجيت والجوخ والكتان والروبيت، والقطن والصوف الربيعي والمظام والخام والروز والساتان والبوال والشماغ الأحمر والأزرق والمرير، والنبيل للصغار، يبرز الى الخاطر سؤال "مصدرها وكيفية استيرادها وخياطتها"، مرجحا أن يكون مصدرها سوريا أو فلسطين.
وأشار النوايسة إلى أن أعمال الصوف يتم نسجها على أيدي السيدات، مثل:"الجرزاية والجرابات وبعض أشكال الجاكيتات والكفوف والطواق"، أما خياطة (القمباز أو الكبر) والسراويل والتي يجب أن تتناسب مع العباءة ولباس الرأس فكانت من اختصاص الرجل .
وما يلفت النظر، بحسب النوايسة، اختلاف اللباس من طبقة إلى أخرى في المجتمع، فلباس الشيخ يختلف عن لباس المرابع أو الراعي الذي يخدم الشيخ في أرضه أو أغنامه، وهذا الاختلاف يظهر في جودة القماش وطبيعة خياطته ليظهر التمايز بينهما، وكذلك بين السيدات، فكبيرة السن ترتدي ثوب "العب" والشابة ترتدي "المدرقة".
وأضاف: تتفاوت الأجرة في العمل بحسب النوع والتصميم مثل "الكنوي والطارة والقطبة الفلاحة، والسنارة المنسوجات الصوفية كالجرازي وتهديب الشماغ، وبين العمل على ماكنات الخياطة، فالأولى مرتفعة الأجرة لدقتها، والثانية منخفضة الأجرة لأنها أسرع، مشيرا الى أن أجرة خياطة ثوب كالمشلح كانت قبل ستين سنة بحدود نصف دينار بينما أجرة خياطة ثوب العب والمدرقة ربما تصل إلى خمسة دنانير.
ولفت النظر إلى أن الأبناء توارثوا عن آبائهم وأجدادهم مشاعر الفخر بالثوب الاردني لأنه جزء من شخصيتهم وتراثهم الذي يحافظون عليه، ويتحفظون على التجديد أو التعديل سواء في مادة القماش أو لونها، فلباس الرجال ثابت في شكله سواء القمباز أو (الدشداش والسروال وحطة الرأس)، فالقمباز مثلا لم يخرج عن لونه المعهود أو تفصيله المعروف، وكذلك ثوب النساء الذي يميزه اللون الأسود، فلم يُعهد أن سيدة ارتدت "مدرقة" بيضاء أو حمراء.
ويرى أستاذ التاريخ في جامعة مؤتة الدكتور عامر أبو جبلة أنه وبالرغم من التحول إلى العصرنة، لكن التمسك بالتراث ظل أمرا ملحوظا بخاصة الزي الشعب، مشيرا إلى أن الرجال والنساء كانوا يحتفظون بعدد أثواب قليل وهو ما كان يسمى "كسوة الصيف والشتاء".
وقال، إن المتتبع للأزياء الشعبية الأردنية، يجد أن هناك قواسم مشتركة في نوع الملابس الخاصة سواء بالرجال أو النساء، فأزياء الرجال، تتمثل بالكوفية نسبة إلى كوفة العراق، ثم "المنديل والحطة والقظاظة بيضاء اللون، وسلك، والشماغ الأحمر والأسود".
وأشار أبو جبلة إلى أن الكوفية الأردنية (الشماغ) تتميز بـ (التهديب) الذي يمنحها جمالا وبهاء، ويوضع فوق غطاء الرأس (العقال أو المرير) المصنوع من شعر الماعز وهو المعروف بـ (العقال المرعز أو المرير المرعز)، "وكان في الماضي من المعيب على الرجل أو المرأة الخروج بدون غطاء رأس، في حين كان المنديل أو الحطة الشفاف الأبيض والعقال المرعز نوعا من المفاخرة بين الرجال رفيعة المستوى".
ومن أزياء الرجال الشعبية يشير ابو جبلة الى "الكبر (القمباز) والدامر وهو الجبة، والجوكيت، والعباءة، والفروة، والقميص، والسروال، والثوب والحزام وهو المعروف بالزنار المصنوع من الجلد باللون البني أو الأسود ويربط حول الخصر فوق القمباز ويحتوي الحزام عادة على محفظة للنقود، ومرابط لحمل المسدس، والشبرية، إضافة إلى "الجناد أو المجند"، وهو مصنوع من الجلد بلون بني أو أسود، ويلف على الصدر بشكل مصلب أو أحادي متصل بالزنار على الخصر، وهو معد لحمل الرصاص، ويعتبر من مظاهر الهيبة للرجل.
ومن أساسيات الزي الشعبي للنساء أن تراعي تغطية كامل جسم المرأة ما عدا الوجه واليدين والقدمين وأن يكون فضفاضا امتثالا للأعراف الاجتماعية وكان اللون الأسود هو الغالب على الزي النسائي الشعب، لافتا الى أن غطاء الرأس للمرأة المسنة يسمى بـ (العصابة أو العصبة) وتكون مصنوعة من قماش الجرجيت، مشيرا الى تشابه العصبة الكركية والسلطية والعجلونية.
وأشار الى (المنديل) الخاص بالفتيات والذي يسمى (شطفة) وهو قطعة من القماش مزركشة بألوان متعددة من القصب تربطه البنت حول شعرها وعنقها، و بعد الزواج يتم استبداله بـ (العصابة أو العصبة) للدلالة على أنها متزوجة.
ولفت إلى أن ثوب (العب) يحتاج إلى أربعة عشر ذراعا من قماش الروبيت الأسود المطرز بالغرزة الفلاحية وبألوان زاهية، ويكون الثوب طويلا جدا بحيث يطوى على الوسط ثلاث طيات ويربط من وسطه بـ (سفيفة) من الصوف تلف ثلاث مرات حول الوسط، ويخصص هذه الثوب للمناسبات، أما (التتن) فهو ثوب واسع وطويل ويجر على الأرض، في حين ترتدي المرأة الكركية عباءة فوق الجبة والثوب، وتكاد تكون خاصة بزوجات الشيوخ، وهي باللون الأسود ومقصبة على أطرافها وهي من الجوخ وتلبس في مناسبات الأفراح والفاردة.
الكاتبة والباحثة الانثروبولوجية هند سليمان، قالت انه لم يكن زي المرأة مجرد لباس يغطي جسدها، بل كان يحكي قصصا كثيرة، فهو ليس صنيعة مصمم أزياء، بل صممته النساء بأيديهن وطرزنه ليعبر عن فن أصيل يجسد الموروث الاجتماعي تجتمع أكثر من صانعة واحدة لتطريزه وحياكته.
وأضافت: "تقتني المرأة الأردنية ثوبا للعمل اليومي والأعمال الزراعية يتسم بالبساطة والألوان الخفيفة ولا يعيق حركتها، في حين تخصص للمناسبات الاجتماعية البهيجة ثوبا بهيا كثيف التطريز تخبئه ولا تظهر به إلا في الأفراح والمناسبات السعيدة وهو ما يطلق عليه اسم (المدسوس)، وهناك ثوب (الطَّلْس) بالتطريز المكثف ذي الألوان الزاهية البهية وبما يلائم مناسبة سعيدة، أما المناسبات الحزينة وعلى رأسها الحداد فيخصص لها ثوب يتسم باعتدال الألوان انسجاما مع حالة الحزن.
ولفتت سليمان إلى أن المرأة طرزت على ثوبها الزهور وأوراق النباتات والسنابل والطيور وتعاريج الجبال، واستخدمت خيوطا بخضرة الأرض وزرقة السماء، ولم تكتف باستخدام الخيوط بل استخدمت الخرز الملون أيضا، وكانت تبدع في تطريز ثيابها بما يتلاءم مع ثرائها، فالموسرة من النساء تطرز ثوبها بخيوط الذهب والفضة، أما متواضعة الحال فتطرزه بالخيوط القطنية، لكنها قد ترتدي ثوبا مطرزا تباهي به الأخريات.
وبالرغم من اختلاف الثياب باختلاف المناطق إلا أنها جميعا كانت تتناغم فيما بينها بالخطوط العامة، مع اختلافات بسيطة مثل أكمام الثوب أو (الردن) بحسب المنطقة والغاية منه أن تلف المرأة به رأسها أو تخفي ابتسامتها إمعانا بالحياء، أو ترخيه على بطنها إذا كانت حامل أو تضع فيه قطوف العنب في موسمه، ويحاط الثوب من الأسفل بما يسمى (داير الثوب) ويكون مطرزا، وفقا سليمان، التي تشير الى أن ما يعرف بـ (العب) يخصص فهو جيب داخلي من الجهة اليمنى للقبة في منطقة الشمال تستخدمه المرأة لحفظ نقودها وأشيائها الثمينة، أما ثوب الجنوب فينشأ من شد القماش إلى الأعلى بعد ربط الخصر بالحزام.
وتشير سليمان الى أن "للملابس فلسفتها الخاصة، وقد ظهرت هذه الفلسفة فيما تعتمره المرأة على رأسها للدلالة عن عمرها أو حالتها الاجتماعية (عزباء أم متزوجة) ليسهل تمييزها بين الناس وتسهيل طلب الفتاة للزواج.
وأوضحت سليمان أن للعمرة أقسام أنواع منها الطاقية أو ما يسمى (ألِوْقاة) والتي تجمع الشعر تحتها، وهي منسوجة من القماش الأسود، وكانت بعض النساء تضع في مقدمتها ما يسمى بـ (الصَّفّة أو مشكوك من النقود الفضية أو (المجيديات) تزين جبين المرأة وتدل على ثرائها.
وأشارت سليمان إلى ثوب الشمال الذي يعتبر الأكثر شيوعا وتنوعا لامتداده من الرمثا إلى محافظة إربد مرورا بجرش ووصولا إلى عجلون، ويسمى الثوب بـ "الشرش أو المدرقة أو الدِلِق"، ويستخدم فيه قماش الحَبَر اليمني أو المَلَس، وأهم ما يميزه التطريز بخيوط القطن الملونة بالأحمر والأزرق والأخضر والتي تمثل ألوان الأرض والخصب والزهور وعروق الزيتون، والسنابل وأوراق الشجر.
وترتدي نساء مادبا الثوب الأسود المطرز مع الحزام على الخصر، وله أكمام طويلة وعريضة لكن الأيمن كان الأطول حيث كانت ترفعه للأعلى وتثنيه على كتفها، فيما يتميز ثوب العروس بأنه ملون بعدة الوان مثل الاصفر والأخضر والأزرق مع احتفاظه بنفس تصميم الثوب العادي.
وأبدعت نساء الجنوب في التصميم والتطريز واختيار الأقمشة، وفقا لسليمان، فالثوب الكركي المسمى ثوب العب الممتد في القِدم اختير لصنعه أنواع مختلفة من الأقمشة بحسب وضع المرأة الاقتصادي، حيث يتفاوت القماش من الحبر الصيفي والشتوي إلى مخمل الصاروخ الفاخر إلى الجوخ، كما تتفاوت خيوط التطريز من القطنية إلى الحريرية، مع استخدام الخرز التشيكي الملون في التطريز.
ولا تختلف نساء الطفيلة في لباسهن عن الكركيات بسبب القرب بين المنطقتين وعلاقات النسب والمصاهرة بين العوائل، مبينة أن العروس كانت تسدل العباءة على رأسها إلى الأسفل وتضع ريش النعام على جبهتها كزينة اتصفت بها في ذلك الوقت، كما تقول سليمان.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، أوضح أن التطريز الشعبي الأردني يعتبر فنا راقيا ومن أهم الفنون التاريخية الأردنية، واستطاع الأردني من خلال التصاميم والرموز أن يسجل تاريخه ويعبر عن المعتقدات وأنماط التفكير الاجتماعي من عادات وتقاليد ليتوارثها الأردنيون عبر القرون.
وأوضح أن للأزياء الشعبية الأردنية استعمالات ودلالات اجتماعية ودينية واقتصادية جغرافية، كما تدل ألوان الثوب التقليدي الأردني على عمر المرأة، فالعصبة الحمراء ترتديها المرأة الشابة والعصبة السوداء ترتديها المرأة المتقدمة في السن، كما ترتدي الشابة المتزوجة ثوبا مزخرفا بألوان تختلف عن ثوب العزباء، ولكل مناسبة ثوب وزخارف خاصة، كثوب العمل والفرح والحزن، ولأثواب الأعراس مكانة خاصة ومواصفات معينة، فالأثواب الملونة المزخرفة قد تكون بخيوط زاهية وذهبية تعبيرا عن الحب و الوفاء.
وفي الفترة الأخيرة عمدت بعض شركات السفر والفنادق الى اعتماد الزي الشعبي الأردني كزي رسمي لبعض العاملات لديها للتعريف بالتراث الاردني المتميز، مثلما يحرص منظمو المناسبات والمعارض ومكاتب السياحة على أن ترتدي الموظفات الزي الشعبي كدلالة على الأصالة.
وأشار إلى أن ما يميز الزي الأردني أن ألوانه القريبة من ألوان علَم المملكة وهو ما يمثل بالوطن والتراث، موضحا أن للزي شعورا خاصا يبعث على الاعتزاز بالهوية والتاريخ والثقافة ومدعاة لفخر الاردني.
(بترا