المزيد
حَدوثة مصرية

التاريخ : 30-01-2013 |  الوقت : 10:48:00

 

ليس فيلماً للراحل يوسف شاهين، ولا هو من خيال سيناريست أو روائي يستبدل الخيال العلمي بالخيال السياسي، إنه واقع رفض البعض ممّن راهنوا على نوستالجيا السلم الأهلي ومَدَنية مصْرَ تصديقُهُ، لكنه بمرور الوقت أصبح ماثلاً بكامل عناصِرِه، بدمه ولحمه وعظمه، وبكل ما يرشح من الشاشات سواء كان دمعاً يرثي أو دماً مجهول القاتل .حتى عنقود مدن القنال، وثالوث المقاومة في العدوان الثلاثي عام 1956 أصبح الآن في حالة احتدام تنذر بما يتخطى عودة الطوارئ، ولهذا العنقود المصري المحيط بالقنال أوضاع خاصة سواء من حيث ما تعلق بالملاحة أو التجارة أو حتى أمن قنال السويس، لهذا تمتد النار الآن إلى ما كان بعيداً عنها إلى حد ما، فمباراة رياضية استثنائية بالذخيرة الحية كما حدث في بور سعيد ليست سبباً كافياً لكل هذا الاحتقان، وعلى الأرجح أن هناك مصريين يستدعون الآن مَثَلَهم الشعبيّ القديم المتجدد وهو “ليست دبانة بل هي قلوب ملآنة” . . لكن من الذي أسهم في هذا الاحتقان وتصعيده؟ فالطرف الثالث أو نائب الفاعل أو من يرتدون طاقية الإخفاء ليسوا الآن تلك الشماعة التي تكسرت من فرط ما حُملَتْ، فالأسباب سياسية بامتياز، وليست الأيديولوجيا وما تفرزه من صراعات في منأى عن هذه الحدّوثة المصرية التي لا شأن للراحل شاهين بها، ولا شأن لأبرز نجوم مصر الذين مثّلوا ذلك الفيلم بها أيضاً، فالكاميرات الآن تنقل واقعاً حياً، والدم ليس ماء مصبوغاً أو مطلياً بالماكياج السينمائي، أما الجثث التي تعجّ بها أدراج المشرحة فهي أيضاً ليست حيلة بصريّة، كما أن صراخ الثواكل من الأمهات ليس حيلة سَمْعيّة .ما يحدث في مصر الآن حدوثة تقارب الأمثولة، بحيث يخشى رئيس وزراء آسيوي من تمصير بلاده كما قال، محذراً من استبدال الحوار بالتراشق، وإحلال الجِهويّ مكان الوطني .لم تكن مصر ذات ثورة أو حتى “هُوجة” بتعبير القرن التاسع عشر مثالاً لكل هذا، بل كانت عكسه تماماً، وخلال عقود عدة سبقت ثوراتها كان عدد ضحايا الاغتيال والعنف يعد على أصابع يد واحدة فقط .فما الذي تغير؟ هل هي مصر من داخلها أم العالم؟ بحيث سَرَتْ عَدْوى العنف عابرة الهويات والحدود والثقافات لتشمل من كانوا من أكثر الشعوب مسالمة وبعداً عن التطرف والعنف .لقد كان انهيار الجدار الأمني بعد تفكيكه سبباً في الفوضى، ثم أصبحت الفوضى سبباً آخر لتغييب الأمن، وكأن هذه الثنائية يتناوب طرفاها على تغذية الفوضى غير الخلاقة على الإطلاق .كانت مصر حدّوثة خضراء يرويها السينمائي والسائح والمثقف، فأي مُخْرج الآن يحرك الشخوص؟ وكم ستخسر مصر من أهلها وثقافتها وفنونها وآثارها قبل أن توضع آخر نقطة دم في آخر سطر؟



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك