في ظل القصف الإسرائيلي الجديد على قطاع غزة، اليوم الخميس، تحلّ الذكرى السنوية الأولى لمقتل الصحافية الأمريكية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، رغم ارتدائها سترة واقية من الرصاص كتبت عليها كلمة "صحافة"، وخوذة واقية عندما أصيبت برصاصة أسفل خوذتها.
وبعد مرور عام، لم يُحاسب المسؤول عن مقتل شيرين، رغم الدعوات لإجراء تحقيق مستقل وموثوق من قبل عائلتها، ومن جانب لجنة حماية الصحافيين الدولية، ومسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى.
الصمت الأمريكي
ونشرت صحيفة "واشنطن بوست"، تقريراً مطولاً، اليوم الخميس، تحت عنوان "عام من الصمت الأمريكي.. شيرين أبو عاقلة لا تزال تنتظر العدالة"، لافتةً إلى التقاعس الإسرائيلي والصمت الأمريكي على مقتل أبو عاقلة برصاصة قاتلة من جندي إسرائيلي، أثناء مداهمة للجيش في الضفة الغربية، حيث لم يتم الادعاء على أحد أو تأديب أحد أو تحميل أي شخص المسؤولية"، وفقاً لما نقلته عن تقرير جديد لجرائم قتل الصحافيين، الذين يعملون على تغطية الاقتحامات الإسرائيلية للضفة الغربية خلال العقدين الماضيين.
وقُتلت أبو عاقلة (51 عاماً) في 11 مايو (آيار) من العام الماضي، خلال تغطيتها عملية اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم جنين في شمال الضفة الغربية، التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967، فيما شكل مقتلها استنكاراً دولياً واسعاً، وسط إشادة كبيرة بدورها في نشر الحقيقة، والتعريف بالقضية الفلسطينية عبر عملها الصحافي.
ولدت شيرين نصري أبو عاقلة عام 1971، وترعرعت في مدينة القدس لأسرة مسيحية، تنحدر من مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة.
20 صحافياً
وفي تقرير سابق، دحضت "واشنطن بوست" مزاعم الجيش الإسرائيلي بأن مقتل أبو عاقلة كان حادثاً عرضياً وقع أنثاء الاشتباك مع مسلحين فلسطينيين في مخيم جنين، مؤكدةً أن جندياً إسرائيلياً هو من أطلق النار وقتل أبو عاقلة.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى تقرير جديد للجنة حماية الصحافيين التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، والذي قالت فيه إن "الجيش الإسرائيلي يتهرب بشكل منهجي من المساءلة عن قتله 20 صحافياً على مدى العقدين الماضيين، حيث يفتح تحقيقات بطيئة ومبهمة، لا تسفر عن أي مقاضاة أو عقوبة".
وقال أحد مسؤولي اللجنة روبرت ماهوني إن "مقتل أبو عاقلة وفشل آلية تحقيق الجيش وعدم تحميل أحد المسؤولية ليس قضية معزولة"، مندداً بعملية "تبدو مصمّمة للإفلات من المساءلة".
وأشارت اللجنة الى أن غالبية الصحافيين المقتولين كان يمكن التعرّف عليهم بسهولة، وأن قتلهم "يضعف حرية الصحافة، ويزيد من القلق على سلامة الصحافيين الفلسطينيين والأجانب".
العدالة لشيرين
ومن جهتها، قالت لينا أبو عاقلة ابنة شقيق الصحافية الراحلة لـ"واشنطن بوست": "نريد العدالة" والحقيقة الكاملة علناً لما حدث لشيرين"، مضيفةً "يجب أن يحاسب كل "شخص متورط في مقتلها، من الجندي الذي أطلق النار حتى القيادات العليا، يجب أن يخضعوا جميعهم للتحقيق".
واتهمت عائلة أبو عاقلة، الولايات المتحدة، في يوليو (تموز)، بالانحياز لإسرائيل، وعدم الحيادية في التحقيق الذي أجرته بخصوص وفاة ابنتها، الصحفية شيرين أبو عاقلة.
وحول مدى اهتمام المسؤولين الأمريكيين بالتواصل مع عائلة أبو عاقلة، واهتمامهم بالقضية، كون الفقيدة "شيرين" تحمل الجنسية الأمريكية، قالت عائلتها إنهم "تلقوا اتصالاً من وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والذي قدم لهم "خالص تعازيه، وقال إنهم يريدون إجراء تحقيق ومحاسبة الجناة".
وأضافت: "نحن نقّدر العديد من أعضاء الكونغرس، وأعضاء مجلس الشيوخ الذين كانوا يضغطون من أجل إجراء تحقيق ويدعون إلى المساءلة، ونحن نقدر حقاً كل هذه الجهود".
وفي حين تتعهد حكومة الولايات المتحدة بحماية مواطنيها وحريات الصحافة، ما زالت عائلة أبو عاقلة تنتظر العدالة ومعاقبة الجاني والانتصار لروح ابنتهم، بعد مطالبتهم بإجراء تحقيقات شاملة وشفافة ونزيهة في ملابسات مقتل شيرين ".
وبعد إصراره لأشهر على استحالة تحديد مصدر الطلقات التي أودت بحياة شيرين أبو عاقلة، اعترف الجيش الإسرائيلي، في سبتمبر (أيلول) بأنه "من المحتمل جداً" أن تكون صحافية قناة الجزيرة قد قُتلت برصاص جندي إسرائيلي "عن طريق الخطأ"، ولكن السلطات الإسرائيلية لم توجه أي اتهام أو تتخذ إجراء ضد المسؤولين.
ومن جانبها، قالت الخارجية الأمريكية، إن "فحص الرصاصة التي قتلت الصحافية أبو عاقلة "لا يمكن أن يصل إلى نتيجة نهائية" فيما يتعلق بمصدرها.
وفي يوليو (تموز)، خلصت الوزارة الأمريكية إلى أن القتل كان "مأساوياً" وغير مقصود، ولكن العديد من المنظمات والجماعات الحقوقية، أكدت أنها لم تجد أي دليل على القتال أو تبادل إطلاق النار، فيما أشارت أدلة أخرى إلى أن الصحافيين كانوا مستهدفين.
دعوات أمريكية
وفي يوليو (أيار)، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته لمنطقة الشرق الأوسط، إلى "محاسبة كاملة وشفافة"، متعهداً "بالدفاع عن حرية الإعلام في كل مكان في العالم" في وفي الشهر نفسه ، التقى وزير الخارجية أنطوني بلينكن مع عائلة أبو عاقلة،
ومن جهته، دعا المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في بيان إسرائيل إلى تحديد المسؤولين الذين تسببوا في مقتل أبو عاقلة، وقال نريد "تحقيقًا فوريًا وشاملًا، مشدداً على أهمية تحديد المسؤولين"، مضيفاً أنّ تحديد المسؤوليات يجب أن يشمل على سبيل المثال "السياسات والإجراءات، وذلك لمنع وقوع حوادث مماثلة في المستقبل".
وجدّد البيان التنويه بالصحافية الراحلة، مؤكّداً أنّ "شيرين لم تكن مواطنة أمريكية فحسب، بل كانت أيضاً مراسلة شجاعة أكسبتها مهنيتها الصحافية وسعيها وراء الحقيقة احترام الجماهير في جميع أنحاء العالم".
ولم الولايات المتحدة تفعل الكثير لدفع قضية شيرين، وتراجعت عن كل جهودها للوصل إلى قاتل أبو عاقلة، بحسب تقرير "واشنطن بوست".
فتح تحقيق أمريكي
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أفادت تقارير بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف. بي. آي) فتح تحقيقاً جنائياً في مقتل شيرين أبو عاقلة.
كما أبلغت الولايات المتحدة، الحكومة الإسرائيلية بقرارها فتح تحقيق جنائي في مقتل أبو عاقلة، ولكن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس، قال إنه لن يتعاون مع التحقيق الأمريكي"، وكتب على تويتر "القرار الذي اتخذته وزارة العدل الأمريكية بإجراء تحقيق في رحيل شيرين أبو عاقلة المأساوي خاطئ".
وأضاف أن القوات الإسرائيلية أجرت "تحقيقاً مهنياً ومستقلاً" وأطلعت المسؤولين الأمريكيين على تفاصيله.
وتابع "لقد أوصلت رسالة إلى ممثلي الولايات المتحدة مفادها أننا نقف إلى جانب جنود الجيش الإسرائيلي، وأننا لن نتعاون مع تحقيق خارجي، ولن نسمح بالتدخل في التحقيقات الداخلية".
الضغط على إسرائيل
والأسبوع الماضي، قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، في مؤتمر صحافي "واصلنا الضغط على إسرائيل لمراجعة سياساتها وممارساتها عن كثب بشأن قواعد الاشتباك والنظر في خطوات إضافية للتخفيف من مخاطر إلحاق الأذى بالمدنيين وحماية الصحفيين، هذا أمر نواصل متابعته ودفعه مباشرة مع نظرائنا في إسرائيل، ولكن أيضاً في أجزاء أخرى من العالم حيث يوجد الصحفيون غالبا في طريق الأذى".
وأضاف "نحن مصممون على منع حدوث مآسي مماثلة في المستقبل ومواصلة التواصل مع إسرائيل في هذا الصدد".
ولم يكن الرد جيداً بما يكفي لبعض أعضاء الكونغرس، الذين ضغطوا في رسائل وتعديلات تشريعية من أجل إجراء تحقيق مستقل في سبب مقتل مواطن أمريكي وصحافي بالرصاص مع الإفلات الواضح من العقاب، في حين وقع 56نائباً في مجلس النواب الأمريكي رسالة تطالب مدير "إف بي آي" بإجراء تحقيق في مقتل أبو عاقلة، فيما اعتبر السيناتور الديمقراطي باتريك ليهي أن تبريرات السلطات الإسرائيلية لما حصل في جنازة شيرين أبو عاقلة غير مقبول، فيما أثار مقتل "شيرين" دعوات لفرض شروط على المساعدات العسكرية السنوية التي تقدمها واشنطن بقيمة 3.8 مليار دولار لإسرائيل، هو مطلب دائم من قبل نشطاء فلسطينيين وبعض الديمقراطيين.
وكان الفلسطينيون يأملون أن تدين واشنطن إسرائيل بشكل واضح بقتل "أبو عاقلة" التي تحمل الجنسية الأمريكية، ولهذا قرروا تسليمها الرصاصة التي تسببت في مقتلها، وهو ما لم يتحقق.
تكريم شيرين
ومن القدس إلى واشنطن ، لا تزال شيرين أبو عاقلة حاضرة بصورها وتقاريرها في الفعاليات الفلسطينية، وأطلق اسمها على عدة منح تعليمية إلى جانب شوارع وفعاليات رسمية وشعبية، كما دشنت العديد من المدن نصباً تذكارية تخليداً لذكراها، فيما أكدت ابنة شقيقها مواصلة البحث عن العدالة لشيرين، قائلة: "سنواصل البحث بكل السبل لتحقيق العدالة والتأكد من عدم تكرار مثل هذه الجريمة"، مضيفةً "لأننا نعلم أن هذا ما كانت ستفعله شيرين لو كان أي منا أو أي من زملائها واجه نفس المصير".
وأقام مركز الفن الشعبي الفلسطيني الذي كانت أبو عاقلة عضوا في هيئته العامة مع عائلتها وأصدقائها، حفلة ثقافية إحياء لذكراها في قصر رام الله الثقافي.
وأكد شقيق الصحافية الراحلة، أنطوان أبو عاقلة، أن العائلة تنتظر تحقيق "العدالة لشيرين". وقال "خلال هذه السنة، مررنا بالعديد من المراحل والتجارب والتحديات لنحاول تحصيل حق شيرين، وتحقيق العدالة لشيرين، العدالة التي ينتظرها الجميع بعد اغتيال شيرين".
ويواجه مناصرو الصحافية الراحلة معركة صعبة وشاقة لإبقائها على رأس أجندة واشنطن، بينما تحاول إدارة بايدن الحفاظ على علاقات قوية مع إسرائيل في ظل حكومتها اليمينية المتطرفة، ومع بداية مرحلة جديدة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وقتل 150 فلسطينياً على يد القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، العام الماضي، كما قتل 94 آخرون حتى الأول من مايو (أيار) الجاري، بحسب تقارير تابعة للأمم المتحدة.