يطرح كمال كيليتشدار أوغلو خطة بسيطة بطموحات متواضعة: انتقال سلس للسلطة في تركيا ينهي عقدين من سطوة حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب إردوغان، وترك المنصب لاحقاً بعد تقليص صلاحيات الرئيس.
فمنذ توليه رئاسة حزب الشعب الجمهوري في 2010، سعى السياسي، 74 عاماً، إلى تشكيل حيثية في زعامة الحزب العلماني في مواجهة حزب العدالة والتنمية الإسلامي بزعامة أردوغان.
لكن سجلّه لم يبعث على الأمل، فقد خسر انتخابات رئاسة بلدية اسطنبول في 2009 أمام حليف للرئيس التركي، وخسر أيضاً أمام أردوغان نفسه في كل انتخابات عامة أجريت منذ ذلك الحين.
هذا الأداء الضعيف لم يجعل من ترشيح كيليتشدار أوغلو خياراً سهلاً بالنسبة الى تحالف الأحزاب الستة الداعم له، والذي يراوح من اليمين القومي إلى اليسار الديموقراطي، ويهيمن عليه حزب الشعب الجمهوري الذي أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
تنقل المحللة غونول تول عن كيليتشدار أوغلو قوله لها في العام 2020 إنه "رجل صبور جداً"... وهو صبر، ونال. فبعد تداولات امتدت زهاء عام، دعم التحالف الترشيح، وقد تظهر الأيام أن هذا القرار كان خياراً صائباً".
وتضيف :"فالرجل الذي لم يكن كثيرون خارج تركيا سمعوا باسمه حتى أشهر خلت، بات وفق استطلاعات الرأي المنافس الجدي لأردوغان في الانتخابات المقبلة، والمرشّح الأوفر حظاً لينافس الرئيس في دورة ثانية فاصلة في 28 منه".
في مقابل النبرة الهادئة التي يعرف بها منافسه، يتمتع أردوغان بقدرة خطابية مشهود لها وتمكّنٍ في إدارة الحملات الانتخابية أتاح له أن يصبح السياسي الذي أمضى الفترة الأطول في حكم الجمهورية التركية.
بلباسه الأنيق ونظارتيه المربعتين، يعكس كيليتشدار أوغلو صورة رجل مهني بناها خلال مسيرته كمحاسب تدرّج وصولاً الى رئاسة وكالة الضمان الاجتماعي.
وخلال الحملة الانتخابية، اختار كيليتشدار أوغلو تجاهل الانتقادات الشخصية التي وجهها إليه إردوغان، وآثر التركيز على الصعوبات السياسية والاقتصادية التي يعانيها الأتراك.
ومن التعهدات الأساسية التي قدمّها المرشح السبعيني، سحب العديد من الصلاحيات المعزّزة التي انتقلت الى الرئيس التركي خلال العقد الأخير من عهد إردوغان ونقلها للبرلمان، على أن يترك بعد ذلك منصبه لصالح جيل جديد من القيادات الشابة المتنوعة.
وفي تصريحات لمجلة "تايم" الأمريكية قبل الانتخابات، قال كيليتشدار أوغلو "أنا لست شخصاً لديه طموحات".
وشدد على أن ما يريده هو "إعادة الديمقراطية" الى تركيا، وبعد ذلك "التنحي جانباً واللعب مع أحفادي".
يرى محللون أن جزءاً كبيراً من التأييد لكيليتشدار أوغلو يعود إلى أزمة غلاء المعيشة التي تواجهها تركيا ويعزوها قسم من الناخبين الى مبادئ أردوغان الاقتصادية غير التقليدية.
كما يعوّل هذا المرشح على حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تتفادى القبضة السلطوية على وسائل الإعلام التقليدية، ويقوم خلالها بتسجيل أشرطة مصوّرة قصيرة يتوجه عبرها الى الناخبين من داخل مطبخ ذو طابع قديم.
وتحظى هذه الأشرطة بملايين المشاهدات، وفيها يتحدّث كيليتشدار أوغلو مع الناخبين بصراحة، ويطرح مواضيع نادراً ما تعالجها وسائل الإعلام الحكومية.
وكان من أبرز هذه الأشرطة فيديو كشف فيه انتماءه إلى الطائفة العلوية، كاسراً بذلك أحد المحرمات في تركيا.
وأكد فيه "أعتقد أن الوقت حان لأناقش معكم موضوعاً خاصاً وحساساً جداً... أنا علوي أنا مسلم مخلص".
وسبق لأردوغان أن هاجم الأقلية العلوية متهماً أفرادها بـ"الهيمنة" على القضاة وبابتكار "ديانة جديدة".
وتعكس مواقف لكيليتشدار أوغلو توجها ذا نزعة قومية بوحي سياسة مؤسس الجمهورية والحزب مصطفى كمال أتاتورك.
فهو تعهّد على سبيل المثال إعادة أربعة ملايين سوري الى بلادهم بعدما لجأوا الى تركيا جراء النزاع الذي بدأ عام 2011. وشدد على أن ذلك لا يعود لأسباب "عرقية"، بل يرتبط بإدارة "الموارد" التركية في زمن أزمة.
وفي ما يبدو مؤشراً على إدراكه لأهمية الاقتصاد والظروف المعيشية في تحديد مسار نتائج الانتخابات المقبلة، ركز كيليتشدار أوغلو على توجيه رسائل تضامنية مع الأتراك في هذا المجال.
فهو تطرق الى بداياته المتواضعة "حيث لم يكن لدينا براد أو غسالة أو آلة لجلي الصحون"، ودعا الصحافيين الى زيارة منزله المظلم للحديث عن قراره التوقف عن دفع فاتورة الكهرباء.
وقال كيليتشدار أوغلو وهو جالس الى مكتبه وسط ظلام دامس لا يخرقه سوى النور الخافت لمصباح أبيض اللون "هذا هو كفاحي للمطالبة بحقوقكم".