تشير الوساطة الصينية بين السعودية وإيران، والقمة الأخيرة التي جمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ، إلى تطلع بكين لزيادة التأثير، حيث صرح شي في موسكو أن الدولتين لا تزالان تدفعان التغيرات الجيوسياسية منذ 100 عام، وهو ما وافق عليه بوتين.
قد يملي المنطق على الصين عدم تضخيم دورها
وزاد الترحيب بدور الوسيط الذي تلعبه الصين، ما يجعل محاولاتها للاضطلاع بمهمات صانع السلام في أوكرانيا تتطلب إبعاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن الغرب وإقناعه بالدخول في حوار مع روسيا، وفق تحليل بيناك رانجان شاكرافاتي، سفير الهند السابق لدى مصر والسعودية وإسرائيل.
يُذكر أنه قبل التدخل الصيني، التقى مسؤولون سعوديون وإيرانيون في العراق 5 مرات في الفترة ما بين 2020 و2022. وفي نهاية مارس (آذار)، قبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي دعوة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لزيارة الرياض.
وقال شاكرافاتي، وهو وزميل زائر لمؤسسة أبحاث الأوبزرفر، ومقرها دلهي، في مقاله بموقع "نيو إنديان إكسبرس" الإخباري الهندي: "تشير هذه التطورات إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يعيد رسم السياسة الخارجية للسعودية، آخذاً في اعتباره التغيرات الجيوسياسية دون أن يكون حليفاً خاضعاً للولايات المتحدة".
كما شرعت العديد من الدول العربية في تنحية العداء الثنائي والإقليمي جانباً، مثل الأردن وعمان اللتين صارتا تسعيان إلى التقارب.
تعزيز العلاقات بالصين
ونظراً لتطور العلاقات بين الصين والدول العربية على مستوى الاقتصاد والطاقة، كان لابد للسعودية من السعي لتنويع خيارات سياستها الخارجية، ما جعلها تعزز علاقتها بالصين.
كما يُصدّر جزء كبير من النفط الذي تنتجه دول الخليج الست إلى الشرق، بعكس ما كان يحدث في الماضي حين كان التدفق موجهاً إلى الغرب، علاوة على نمو تجارتها مع الصين بشكل يفوق تجارتها مع الغرب.
ووقعت الصين اتفاقيات استثمارية في 34 قطاعاً مع السعودية أثناء زيارة شي في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وكانت السعودية قد رفضت بدورها الانحياز في الحرب الأوكرانية، وتجاهلت اقتراح بايدن برفع إنتاج النفط لخفض أسعاره.
تقليص النفوذ الأمريكي
ومن شأن صعود نجم الصين في الشرق الأوسط، حسب الكاتب، أن يؤدي إلى تقليص النفوذ الأمريكي، إذ تتوجه دول المنطقة صوب بكين، باعتبارها شريكاً أساسياً في التجارة، والطاقة، والاستثمار، علاوة على كونها مورداً محتملاً للأسلحة، ما يعطيها ثقلاً في المنطقة.وتعد إسرائيل كذلك ثالث أكبر شريك تجاري وثاني أهم مصدر للتقنيات الدفاعية للصين. ومع ذلك، ما زالت الصين تتخذ موقفاً حيادياً نحو القضية الفلسطينية.
ورغم ترسيخ الصين دورها كدولة داعمة للأمن، إذ ترسل سفناً من أسطولها لمواجهة عمليات القرصنة، فإنها ما زالت تتجنب التدخل في الصراعات الداخلية في المنطقة وتتردد في وضع قوات لها على الأرض، ما يجعلها مُهمشة فيما يتعلق بالتأثير على الأمن، برأي الكاتب.
فهل تتحول المنطقة مختبراً لسياسة القوة العظمى؟ وهل سيخلق الدور الجيوساسي المتنامي للصين "لعبة جديدة" في غرب آسيا؟ يتساءل الكاتب الذي يستدرك: مع ذلك قد يملي المنطق على الصين عدم تضخيم دورها.