بعيداً عن معنى الزبيبة لغوياً، وإشكالاتها التي ستقتطع رقابياً من العمود، السؤال لماذا تكثر في مصر تلك الصنعة؟ وأنقل تناصاً منقولاً عن ابن بطوطة دوّنه في كتاب رحلاته: «إنه في إحدى القرى المصرية كان الناس ينتهون من أداء الصلاة ثم يخرجون إلى النور يتفحصون أوجه بعضهم بعضاً بحثاً عن سيماهم، ومحاولة من التحقق فيما إن كانت قد بدأت تظهر على وجوههم من أثر السجود، وذات يوم لاحظ أحدهم أن جاره في الصف بعد انتهاء الصلاة قد أخذ يحك جبهته، وقد بدا عليه بعض الضيق، فلما سأله، أجابه بأنه يعاني من وجع ما في جبهته يقض مضجعه، وبمرور الوقت لاحظ المصلون بقعة داكنة من الجلد المتآكل آخذة في الظهور، والتضخم، وبدأ بعضهم في تفسير ذلك بأن تلك البقعة التي تشبه ثمرة العنب الجافة «الزبيبة» لا بد وأنها هي سيماهم، وقد ظهرت في وجه أكثرهم تقوى».
وقد اشتهر الرئيس أنور السادات بزبيبة الصلاة، وترادف مع لقب «الرئيس المؤمن»، ولكن وبعد تداول السلطة في مصر مؤخراً ظهرت الزبيبة في كثير من أفراد الشعب، الطبيب بزبيبة، ولاعب كرة القدم بزبيبة، وسائق التاكسي بزبيبة، والعمدة بزبيبة، ونواب الشعب كل بزبيبته التي تكبر بدخوله البرلمان، وأتعجب من شاب صغير لم يتسن له ختم القرآن، وزبيبته بحجم الريال النمساوي «ماري تيريزا»، رجل أعمال صاحب شقق وهمية، وتوظيف أموال وهمية تظهر له زبيبة، بعضهم يناطح الدنيا، ورغم ذلك تظهر له زبيبة في قمة رأسه، الغريب أن النساء لا تظهر لهن زبيبة، يعني النسوان قليلات الصلاة! مساكين مطاوعتنا يصلون الفروض الخمسة والنوافل ويتهجدون بالأسحار، ويتسننون الضحى، ويختمون حياتهم بالحسنات، ولا تظهر لهم زبيبة، ما في مسلمون في الهند ولبنان والمغرب، ليش ما تظهر لهم زبيبة؟ الأخوة الشيعة يصلون على التربة، ورغم ذلك لا نرى على وجوههم أثر الزبيبة، هناك فهم خاطئ لسيماهم في وجوههم من أثر السجود بنور الوجه، وضياء الطاعة، وليس بتلك العلامة الجديدة المفتعلة، مذيع تلفزيوني في قنوات الكراهية يظهر على المشاهدين بزبيبة، واحد يروح العمرة ويرجع بزبيبة، مقاول الحج يتساوى مع مقاول البناء، والكل بزبيبة، ماذا يفركون بجباههم؟ وماذا يلطخون، ويحكّون ليختلفوا عن بقية المسلمين بزبيبة؟
ما دخل الزبيبة بالصلاة؟ المأموم بزبيبة، والإمام بدون زبيبة، شيخ الأزهر بدون زبيبة، ومفتي الديار المصرية بلا زبيبة، ثم ما نفع الزبيبة إن لم تنه صلاته عن الفحشاء والمنكر، هناك زبيبة إخوانية، وزبيبة سلفية، ونخشى أن يكون لوزير الثقافة زبيبة «حداثية»، ومصر تحتفي بأول وزير للداخلية بزبيبة، ولا توظيف من دون مؤهل الزبيبة، وأخطر أنواع الزبيبة زبيبة المستشار، لقد مات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وصحابته الغُر المحجلون، وهم أقرب للآخرة منا، ولم يذكر التاريخ لهم زبيبة!
وكالة كل العرب الإخبارية :
