صدر للشاعر العراقي هاشم شفيق، المقيم في لندن، عن "مؤسسة أروقة" في القاهرة، كتاب "قلب كعكة الزنجبيل" وهو قصائد مختارة للشاعر الصربي "ألكسندر ريستوفيتش"
احتوى الكتاب على مقدمة بقلم شفيق، و30 قصيدة للشاعر ريستوفيتش (1933 ـ 1994 ) الذي ولد في مدينة كاكيك، وهي مدينة كبيرة إلى حد ما، وتبعد بضعة أميال جنوب العاصمة بلغراد، ويُعدّ "ريستوفيتش" من كبار الشعراء الصرب، ومن أوائل الشعراء المجدّدين في الشعر الصربي، والسولافي كذلك، وقد أثّر في أجيال شعرية عديدة، ومنهم الشاعر الصربي المعروف تشارلس سيميك، كما قال في مقدمة هذا الكتاب الذي اختاره وقدّمه إلى أهم دار نشر إنكليزية" فيبر أند فيبر"، وهي دار تهتم بنشر أدب كبار الكتاب والشعراء في العالم، ولاسيّما الكتّاب الأدباء والمؤلفين الناطقين بالإنكليزية، أو المترجمين من لغات أخرى إلى الإنكليزية، كما هو حال شاعرنا الصربي ريستوفيتش.
وأشار الشاعر المترجم شفيق في السيرة الذاتية والأدبية للشاعر "ريستوفيتش" إلى أنه بعد تخرجه من الجامعة ونيله شهادة عليا في الآداب، عمل مدرّساً في مدينته كاكيك، وكتب العديد من المقالات والدراسات والأبحاث الأدبية وأنتج العديد من الدواوين الشعرية في تلك المرحلة الغنية من عمره الذي يعد قصيراً نسبياً إلى قياس العمر في هذه الأزمنة، أما السنوات الأخيرة من حياته فكانت من نصيب دار نشر للأطفال، عمل فيها حينذاك محرّراً ومشرفاً على نشر كتب مختصة بأدب الطفل اليوغسلافي.
كما أشار الشاعر شفيق إلى استحقاق الشاعر " ريستوفيتش" جوائز تقديرية وتكريمية ومادية عديدة، ونال جوائز رفيعة أخرى، تمنح لقلائل من الكتاب في عموم صربيا، وللسان الناطق بالسلافية، وذلك بعد أن انتشر شعره على نطاق واسع، كما أشار إلى أنه قد أصدر خلال حياته 17 عملاً شعرياً، وكانت ملهمة ومؤثرة في الكثير من الشعراء الناطقين بالسلافية، وتقع ضمن منظومة الشعر الأوروبي المنطوي على أساليب ومدارس شعرية مختلفة، متطورة وحديثة، وتعكس اتجاهات ومناهج وطرق الحداثة الشعرية وتنوّعها في جلّ المعمورة الأوربية والعالمية.
كما لمس الشاعر والمترجم شفيق في شعر "ريتسوفيتش" ذلك الاتساع، والشمولية، والتعددية الفنية، والتعددية الجمالية والصورية، والتحوّلات المعنوية في البنية الشعرية، لقصيدته، الغامضة والمُلغزة من جهة، والمتسمة أحياناً بالوضوح، وباللغة البلورية من جهة أخرى، وأن حياة الشاعر الشخصية، تتجلى في قصائده التي يُخبر فيها عن أعماقه وروحه المثقلة بتاريخ طويل للحياة الصربية والإنسانية، وقد كتب فيها أيضاً عن الريفيّين، وفيها تتجلى معرفته كخبير بالعوالم النفسية، للروح الصربية، وهو مُلم بالحوادث الماضوية، وبالخطوب والكوارث التي مرّت بالشعب والأقوام التي سكنت هذه الأرض السولافية، يكتب الماضي والبدايات الأولى للتكوين، كما يكتب عن عناصر الحياة اليومية، وعن الزمن الحالي الذي يمرّ به هو، وتمرّ به البشرية، فهو شبيه بالشاعر الأميركي روبرت فروست الذي كتب عن الطبيعة، وحيّاها وحيّى ناسها وسكانها العائشين بين الأشجار والأوراق والغصون والأنهار والحقول والسماوات الزرقاء والبراري والواسعة، وهو يبدو في ذلك كله كعامل في مصهر، يصهر الأشكال والأساليب والرؤى، في مختبره العجيب الذي يدعو إلى التأمل والدهشة في هذا الصنيع الجمالي والخلق الإبداعي المتميز، من شاعر مخلص لفنه وعالمه الشعري، ومخلص للروح البشرية، من رجال ونساء وحيوانات وعناصر الحياة والطبيعة والكوكب الأرضي وهو كما يصفه المُقدّم والشاعر الكبير "تشارلز سيميك"، على أنه مثل شخص وحيد في مسرح صامت ومتنقل، يدور ويبحث عن شيء ما والضوء مسلط عليه، والقارئ يجد في قصائد " ريستوفيتش" الكثير من صور العنف، والمعاناة، والمآسي التي تشحنها بالأفكار والتصوّرات والبنى الرؤيوية، فهو يجد في الضعف قوة، ولذلك تخللت قصائده البشاعة والجمال معاً.
من قصائد " ريستوفيتش"
اختفاء
فتحتُ علبةَ الكبريت،
وجدتُ عوداً واحداً فيها،
أخذته
وبقيَت العلبةُ فارغةً،
وضعتُ فيها
ثلاثَ دعاسيق،
وأشعلتُ العلبة،
حتى ظهرَ
خيطُ دخانٍ صغيرٍ
واتجه نحوي،
ثم راح يقهقهُ
في وجهي .
مصباح صغير
يضيءُ وجهي
مصباحٌ صغيرٌ
من وقتٍ لآخرَ،
لا تتظاهر
بأنّكَ لا تراني،
أني هنا
وفوقي يكشفُ الضوءُ قلقي
على نحوٍ متضاعف.