مصر ... الاحتجاجات والسياسة
احيا المصريون الجمعة الماضي الذكرى الثانية لثورتهم التاريخية التي بدأت في 25 يناير 2011. تشكّل هذه اللحظة فرصة جيدة للتفكير المعمّق والحوار حول ظاهرة حاسمة بدأت تحصل تدريجياً، وهي التحول من الاحتجاجات إلى السياسة. يعرف من يتابع التطورات السياسية في مصر اليوم أن السلسلة التي يبدو أنها لا تنتهي من الأزمات يمكن أن تكون مربكة إلى حد كبير. تذكّرنا هذه الأزمات السياسية المتكررة أن تحقيق التحول الاجتماعي والسياسي الأساسي الذي تتطلبه الثورة سيأخذ سنوات عديدة لا محالة، إن لم يكن أجيالاً عديدة. وستكون هناك بالتأكيد العديد من المطبات على الطريق. رغم أن الاحتجاجات العامة التي تقع ترمز إلى تحوّل أساسي من عدم الاكتراث السياسي إلى رفض أن يكون المرء صامتاً، وربما تكون ساعدت على المدى القصير في إبراز تغيرات مهمة، مثل نهاية الحكم العسكري، إلا أنها تمثل أحياناً رغبة برؤية تحقيق تغيير أساسي اجتماعي سياسي بين ليلة وضحاها.
كانت هناك قبيل الاحتفالات بالذكرى الثانية للثورة نداءات بمظاهرات احتجاجية حاشدة تعارض الحكم. إلا أنه خلال الشهور الأخيرة سأم العديد من المصريين الاحتجاجات التي تعيق الحياة العادية، وسعوا بدلاً منها إلى الاستقرار والحياة الطبيعية. والأهم من ذلك هو أن غالبية المصريين يرغبون بعمل سياسي يؤدي إلى تغيير ملموس في حياتهم. وكما لاحظ الصحفي الأميركي «دان ميرفي» أثناء زيارته لميدان التحرير، «أن مصر تحركت إلى ما بعد النقطة التي كانت فيها معارضة أمر ما تكفي. لقد حان الوقت الآن لأن يكون المرء مسانداً لأمر ما، وهذا هو نوع المشكلة السياسية التي لا يتم إصلاحها من خلال المظاهرة الحاشدة». تستمر الصعوبات الاجتماعية، وبشكل خاص الاقتصادية التي تواجه المصريين بالنمو، وهي قضايا لا يمكن حلها بين ليلة وضحاها من خلال المظاهرات، وإنما تتطلب جهوداً صعبة ومقصودة على المدى البعيد من قبل هؤلاء في السلطة. إلا أن جماعة "الإخوان المسلمين"، تملك الآن احتكاراً للسلطة. وينشأ اختراقها الذي لا يُقارن في المجتمع المصري من عقود من توفير الخدمات الاجتماعية الضرورية على اتساع الدولة. واليوم، يبهت نفوذ أية سلطة سياسية أخرى بالمقارنة. وقد نتج عن ذلك بنية سياسية غير متوازنة تجعل من عملية بناء الإجماع القلب الضروري لأية ديمقراطية عاملة تحدياً مضنياً. ويبدو أن بعض الأعضاء البارزين للمعارضة السياسية ربما يعملون على تحويل تكتيكاتهم من الاحتجاجات إلى صندوق الانتخابات. سوف تجري انتخابات نيابية جديدة هذا الربيع، ورغم أن "جبهة الإنقاذ الوطني"، التي تأسست حديثاً، والتي تجمع معاً الشباب الملتزم بقوة وإخلاص مع وزراء سابقين من عصر مبارك أمثال عمرو موسى، أمر بعيد كل البعد عن أن يكون متماسكاً بشكل مثالي كامل، إلا أنه يمثل تجمّعاً لم يسبق له مثيل لقوى سياسية متنوعة. يمثل هذا التحالف جهداً جاداً من قبل الليبراليين المصريين للانخراط والنجاح في السياسة الانتخابية، بدلاً من التعبير عن المعارضة والانشقاق من خلال الاحتجاج في الشارع بالدرجة الأولى. يجب ألا يكون الليبراليون المصريون الوحيدين الذين يشجعون هذا التطور، حيث يتعين استثمار جميع المصريين المهتمين برؤية مجتمعهم السياسي ينضج على المدى البعيد، بغض النظر عما، في المشاركة السياسية المتزايدة لليبراليين وغيرهم من اللاعبين السياسيين المتنوعين، لأن وجود معارضة قادرة على البقاء لمراقبة وإيقاف من هو في السلطة، هو السبيل الوحيد لتجنب الاحتكار السياسي والاستثناء. ولا شك أن الوطنية والالتزام العميقين اللذين يتمتع بهما العديد من المصريين في إعادة بناء وطنهم هي مصادر للأمل والإلهام. سيتم التفاوض، في نهاية المطاف، على المجال الأكثر إنصافاً وفاعلية للرؤى المتنافسة حول مستقبل مصر، ليس في الشوارع وإنما عبر السياسة التقليدية وصندوق الانتخاب. ندى زهدي محللة سياسية- واشنطن وكالة كل العرب الإخبارية : تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|