بدأت الاحتجاجات التي قادتها الإيرانيات، عقب وفاة الفتاة مهسا أميني، تتراجع، ولكن لم يعد واضحاً ما يمكن أن يحققه المتظاهرون.

إحدى المشاكل التي واجهتها الاحتجاجات، كانت الإخفاق في ترجمتها إلى حركة اجتماعية واسعة تشمل كل شرائح السكان

الواضح برأي الزميل الباحث في مؤسسة هنري جاكسون بورجو أوجيليك أن التظاهرات نجحت في مجالات مهمة، حتى ولو لم تؤدِ إلى انهيار الجمهورية الإسلامية، وفق ما كان يرغب بعض المحتجين. دروس الماضي في ما يتعلق بالثورات الناجحة، تلقي الضوء على النجاح الجزئي للمحتجين وعلى رد النظام، الذي يواجه أخطر أزمة على صعيد شرعيته منذ 1979.

ويقول أوجيليك في مجلة "ناشونال إنترست" إن التطورات السياسية على أرض الواقع تختلف عن النظرية السياسية، ولكن ثمة فكرتان تحظيان بتوافق. الأولى، أن الحركات الاجتماعية تتطلب تعاوناً من الأجهزة الأمنية للدولة كي تنجح. ومع ذلك، كانت الاحتجاجات الإيرانية صغيرة جداً كي تشكل تهديداً لبقاء النظام. ذلك أن أعداد المحتجين كانت عشرات الآلاف في بلد يبلغ تعداد سكانه 80 مليوناً. وهكذا كان من غير المحتمل أن تنشق الأجهزة الأمنية وتقدم دعماً للمحتجين.

والفكرة الثانية، هي أن التحركات الاجتماعية تتطلب دعماً من شريحة واسعة من السكان، وعلى نحوٍ مثالي من طرفي المجتمع، عبر موجات متواصلة من الاحتجاجات. ووفق أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هاريسبرغ مهدي نوربخش، فإن إحدى المشاكل التي واجهتها الاحتجاجات، كانت الإخفاق في ترجمتها إلى حركة اجتماعية واسعة تشمل كل شرائح السكان.
ورداً على الانتفاضة، استخدمت الجمهورية الإسلامية أدوات وتكتيكات محسوبة، كي تقلل من فاعلية الاحتجاجات وإعادة ضبط الشوارع والساحات في البلاد. وأدت قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على التأثير على الاحتجاجات الواسعة التي هزت طهران عام 2009، ببعض المنتقدين إلى تمجيد اللحظة على أنها "ثورة التويتر". ومع ذلك، فإن تلك المزاعم كان مبالغاً فيها. وكما في الماضي، فإن محركي التغيير الاجتماعي الآن هم أولئك الذين يخاطرون بأرواحهم.

ويجادل الباحث في جامعة نيويورك آراش عزيزي، بأن الأنظمة الإستبدادية تستخدم وسائل التواصل الإجتماعي والإنترنت لمراقبة المحتجين بتقنية تم الحصول عليها أو نسخها من الصين، وبدرجة أقل من روسيا وكوريا الشمالية. وكانت طهران مهتمة بالحصول على تكنولوجيا التعرف على وجوه النساء اللواتي ينتهكن قوانين الحجاب، على نحو مشابه للكاميرات التي تسجل أرقام السيارات التي ترتكب مخالفات مرورية.

واستناداً إلى خبير إيراني يتخذ أوروبا مقراً له، فإن النظام امتنع عمداً عن استخدام أشكال قاسية من القمع في بداية التظاهرات، وترك الاحتجاجات تخرج تحت أنظاره. وعلى الدوام، كان النظام يعتقد أنه قادر على امتلاك القوة لضبط واحتواء الحشود. وهناك فكرة تبدو مخالفة للبديهة، وهي أن النبض الاستبدادي لاستخدام العنف ضد المحتجين، كان يحكمه هدف أكثر استراتيجية وشراً. ومؤخراً، طورت إيران نظام مراقبة معقداً بإستخدام الكاميرات والمسيرات.

واستناداً إلى الخبير الذي رفض ذكر إسمه، فإنه لم يكن يلجأ إلى إلقاء القبض فوراً على المحتجين، وإنما كانوا يواجهون المحاكمة لاحقاً استناداً إلى تحليلات الشرطة للتسجيلات المرئية. وتبعاً لوجهة النظر هذه، كان يسمح للمحتجين باستكمال تحركاتهم، لأن النظام يريد جمع وتخزين أدلة ضد المواطنين الساخطين. وهذا يعني أنه في الأعوام المقبلة، سيجري الإيقاع بالمنشقين وتركهم في حالة من عدم اليقين تتعلق بسلامتهم، وسيظلون عرضة للتوقيف المفاجئ.

إن القمع الوحشي الذي مارسه النظام شكّل رادعاً فعالاً ضد المحتجين. ومع ذلك، فإن الاحتجاجات نجحت في جعل السياسات الإيرانية الداخلية غير مستقرة على المدى المنظور، وأحدثت تدنياً في شرعية النظام.

إن "لحظة مهسا" تركت علامة لا تمحى على المشهد السياسي في البلاد، ونزعت الشرعية عن النظام وعن الركائز الأساسية التي يزعم الإستناد إليها، حتى ولو استلزم بعض الوقت من أجل استيعاب الآثار بعيدة المدى للإحتجاجات.