قلل أستاذ الدراسات الصينية في جامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي هيمانت أدلاخا من احتمالات تحرك الصين قريباً لإعادة ضم تايوان إليها بالقوة. خلال المؤتمر العشرين للحزب الحاكم في أكتوبر (تشرين الأول)، وحين كرر الأمين العام للحزب شي جين بينغ أن الصين "لن تتخلى عن استخدام القوة" لتوحيد تايوان مع جمهورية الصين الشعبية، تلقى تصفيقاً مطولاً من 2300 مندوب. وتابع شي أن "إعادة التوحيد الكاملة لبلدنا يجب أن تتحقق، ويمكن، بلا شك، أن تتحقق".

سيفضل شي حرباً سريعة بثمن رخيص؛ قد لا يكون ذلك ضمن إمكاناته
الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للصين. والمواجهة معه، كما مع الولايات المتحدة واليابان، قد تكون خطيرة لرئيس يعلم أنه يجب أن يرفع مستويات المعيشة في الداخل
كتب أدلاخا في مجلة "ذا ديبلومات" أنه قبل ذلك بسبعة أشهر، وفي أوائل مارس (آذار) 2022، لم تذكر تايوان إلا بشكل موجز في ما يتعلق بسياسة "الصين الواحدة" خلال الدورتين السنويتين للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني. في كل من تقرير عمل الحكومة الذي قدمه الرئيس المنتهية ولايته لمجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ إلى المجلس الوطني لنواب الشعب في 5 مارس، وتقرير عمل المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري الذي قدمه رئيسه وانغ يانغ، تم التقليل من أهمية قضية تايوان، بما فيها مسألة التوحيد، بطريقة غير مألوفة إلى حد مدهش.

بعد أيام قليلة على انطلاق الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، بدأ العديد من الإعلاميين والمحللين الدوليين يقولون إن تايوان ستكون التالية بعد أوكرانيا. لكن المحللين في تايوان لم يوافقوا على ذلك. فقد كانوا واقعيين في تفسير الخطاب الصادر عن الدورتين.

اقتراح آخر
لاحظ الأستاذ المرموق في العلاقات الدولية كويتشي هامادا الذي خدم في السابق مستشاراً لرئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي أنّه "في وقت تتعرض الصين لضغوط اقتصادية شديدة ويتباطأ النمو بشكل حاد، إن هذا هو آخر شيء يحتاج إليه (الحزب الشيوعي الصيني)".


ووفق العضو في معهد الصين للإصلاح والتنمية الأستاذ دينغ يووين، عوضاً عن شن غزو، "ستختار الصين فرض ضغط على تايوان مستخدمة مزيجاً من الأساليب للترويج للتوحيد... قد تطلق المزيد من السياسات التفضيلية وتحاول الشروع في مناقشة إطار ‘دولة واحدة ونظامان‘ مع الأحزاب الحاكمة والمعارضة في تايوان."

واقترح أدلاخا عشرة قيود عملية ترجح إلى حد بعيد عدم لجوء الصين إلى استخدام القوة قريباً ضد تايوان.

أولاً، الحروب لم تعد سهلة
إن حرباً حتى بين بلد صغير وقوة كبيرة اليوم ليست مكلفة وحسب بل هي ليست نزهة سهلة بالنسبة إلى الجانب الأكبر كما يكتشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. بعد اقتراب الحرب في أوكرانيا من ختام عامها الأول، يمكن ملاحظة كيف تمكنت أوكرانيا من استدامة نفسها بالرغم من أن لديها ناتجاً قومياً وجيشاً أصغر بكثير من ناتج روسيا وجيشها.

ثانياً، الاقتصاد
مع تجفيف أسواق الصادرات في أوروبا والولايات المتحدة ومع تعمق أزمة العقارات الصينية أكثر، ومع توقع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نمواً اقتصادياً قاتماً بـ 1.7 و 2.7 في المئة، تبقى الأولوية المباشرة للقيادة الصينية تعزيز الاقتصاد لا استخدام القوة في مضيق تايوان. يعاني الاقتصاد الصيني وسط حملة ضغط أمريكية. في الوقت نفسه، يتباطأ الاقتصاد الصيني بقوة بفعل ضغط جائحة كوفيد-19، خصوصاً عقب عكس بكين لسياسة صفر كوفيد. في هكذا ظروف، سيكون عملاً متهوراً أن يرهق الحزب الشيوعي الصيني الاقتصاد الوطني عبر تحمل نفقات هائلة للحرب.

ثالثاً، أهداف داخلية أخرى
بصرف النظر عن واقع تأمين شي ولاية ثالثة لخمس سنوات، يبقى هدفه في تعزيز قاعدة السلطة داخل الحزب بعيداً كل البعد عن التحقق. إن الخوف من عدم القدرة على الحفاظ على التوحيد القسري كعمل قصير الأجل قد يكون رادعاً قوياً لشي – خصوصاً أن بوتين دفع ثمناً سياسياً باهظاً للحرب في أوكرانيا.

رابعاً، جملة شائعة
سيفضل شي حرباً سريعة بثمن رخيص؛ قد لا يكون ذلك ضمن إمكاناته. ثمة دوماً خطر في أن يتصاعد الصراع إلى "حرب شاملة" وهي جملة أصبحت شائعة لوصف الوضع في الحرب العالمية الثانية، مع استخدام كل طرف جميع الموارد الممكنة لتدمير خصمه.

خامساً، لا مقارنة عسكرية بينهما
لا يمكن مقارنة تايوان وأوكرانيا على مستوى القوة العسكرية. تايوان مسلحة بشدة. وعلى عكس السهول والهضاب في أوكرانيا، تتألف تايوان من أكثر من 100 جزيرة. والصواريخ والمقذوفات والمدفعية منتشرة بكثرة في الجزر الخارجية. إضافة إلى ذلك، تحتوي تلال الغرانيت في تايوان على أنفاق ومخابئ.

سادساً، اسألوا بايدن
ثمة احتمال كي تتورط الولايات المتحدة في الحرب. بينما تحافظ واشنطن رسمياً على "الغموض الاستراتيجي" بشأن سؤال ما إذا كانت ستدافع عن تايوان عسكرياً إذا كان ثمة ضرورة لذلك، كرر الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب. وسط التنافس الصيني-الأمريكي يبدو أكثر ترجيحاً أن واشنطن لا تستطيع تحمل منح بكين الحرية في أي حملة عسكرية ضد تايوان.

سابعاً، البعد الياباني
واصلت الحكومة اليابانية الحالية بقيادة فوميو كيشيدا إرسال الإشارات التي وجهها رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي ومفادها أن طوكيو ستساعد في الدفاع عن تايوان. قال آبي ذات مرة: "إن حالة طوارئ في تايوان هي حالة طوارئ لليابان." يعتقد أن الحافز الجزئي في اندفاع حكومة كيشيدا باتجاه دور دفاعي أكثر قوة في المنطقة يكمن في احتمال حدوث حالة طوارئ في تايوان.

ثامناً، لا تسقطوا أوروبا من الحساب

حسب خبير في الشؤون الصينية مقيم في هونغ كونغ، سيكون شي على دراية كبيرة بتضامن الغرب في الأزمة الأوكرانية. إن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للصين. والمواجهة معه، كما مع الولايات المتحدة واليابان، قد تكون خطيرة لرئيس يعلم أنه يجب أن يرفع مستويات المعيشة في الداخل.

تاسعاً، ليست أمريكا واليابان فقط

يمكن ألا تكون تايوان قد حضرت في سلسلة من المبادرات الأمريكية التعددية على المستويين الأمني والتجاري في منطقة الإندو-باسيفيك، لكن ينظر إلى الجزيرة كجزء لا يتجزأ من آليات الدفاع الإقليمية والدولية مثل الكواد وأوكوس وغيرهما. بالتالي، لن تكون اليابان وحدها التي ستهب للنجدة بل يمكن أن تنضم أيضاً الهند وأوستراليا. في سيناريو كهذا، قد لا تريد الصين المخاطرة بمواجهة ثلاث قوى عسكرية كبيرة دفعة واحدة.

أخيراً وليس آخراً عامل آسيان

برزت منظمة آسيان كأكبر شريك تجاري للصين حيث من المتوقع أن تبلغ تجارتهما الثنائية هدف التريليون دولار خلال سنتين. مع ذلك، تتزايد مخاوف حكومات دول جنوب شرق آسيا. خلال كلمة حديثة، قال وزير الخارجية السنغافوري السابق جورج يو: "ما من دولة في آسيان سترفض الفرص الآتية من الصين، لكن كل دولة تقلق من أن اعتماداً عظيماً على الصين سيقيد استقلاليتنا في العمل." من المستبعد جداً أن تلجأ بكين إلى تحرك سيجبر الدول في جنوب شرق آسيا على النظر إلى الصين كعدو.

ملاحظة
أضاف أدلاخا أنّ المزاعم التي تشير إلى أن "شي يريد إكمال المهمة خلال ولايته في المنصب" قد تكون صحيحة. لكن ما من شك في أن جميع أسلاف شي أرادوا استكمال التوحيد وقرروا جميعهم أن الظروف الداخلية والخارجية لم تكن مناسبة. توصل شي إلى الاستنتاج نفسه لغاية اليوم حسب أدلاخا.

وأعاد الكاتب التأكيد في الختام على أن الجدال لصالح فكرة عدم استخدام شي القوة ضد تايوان في المستقبل القريب لا يعني أنه لن يحصل أبداً. وفق دينغ يووين من معهد الصين للإصلاح والتنمية، ثمة أمر واحد شديد الوضوح في خطاب شي يوم 2 يناير 2019 للاحتفال بالذكرى الأربعين لـ"الرسالة إلى المواطنين في تايوان": يجب إنهاء الانفصال عبر المضيق بحلول احتفال الصين بمئويتها الأولى سنة 2049. لقد تعهد شي بأنه "يجب على الطرفين أن يتوحدا وسيتوحدان بالتأكيد".